اعلامي مقرب من الانتقالي :الرئيس العليمي جنب الجنوب الفتنة والاقتتال الداخلي    احتجاجات للمطالبة بصرف الراتب في عدن    "تسمين الخنازير" و"ذبحها": فخ جديد لسرقة ملايين الدولارات من اليمنيين    الكشف عن آخر التطورات الصحية لفنان العرب "محمد عبده" بعد إعلان إصابته بالسرطان - فيديو    دورتموند يقصي سان جرمان ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    ذمار: أهالي المدينة يعانون من طفح المجاري وتكدس القمامة وانتشار الأوبئة    ردة فعل مفاجئة من أهل فتاة بعدما علموا أنها خرجت مع عريسها بعد الملكة دون استئذانهم    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يجدد فوزه امامPSG    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    اتفاق قبلي يخمد نيران الفتنة في الحد بيافع(وثيقة)    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    إهانة وإذلال قيادات الدولة ورجالات حزب المؤتمر بصنعاء تثير غضب الشرعية وهكذا علقت! (شاهد)    زنجبار أبين تُودّع أربعة مجرمين... درس قاسٍ لمن تسول له نفسه المساس بأمن المجتمع    شبكة تزوير "مائة دولار" تُثير الذعر بين التجار والصرافين... الأجهزة الأمنية تُنقذ الموقف في المهرة    الأمم المتحدة: لا نستطيع إدخال المساعدات إلى غزة    صنعاء.. إصابة امين عام نقابة الصحفيين ومقربين منه برصاص مسلحين    البنك المركزي اليمني يكشف ممارسات حوثية تدميرية للقطاع المصرفي مميز    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34789 شهيدا و78204 جرحى    قيادات حوثية تتصدر قائمة التجار الوحيدين لاستيرات مبيدات ممنوعة    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    الاتحاد الأوروبي يخصص 125 مليون يورو لمواجهة الاحتياجات الإنسانية في اليمن مميز    أبو زرعه المحرّمي يلتقي قيادة وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في مديرية بيحان بمحافظة شبوة    ارتفاع اسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    العين يوفر طائرتين لمشجعيه لدعمه امام يوكوهاما    تنديد حكومي بجرائم المليشيا بحق أهالي "الدقاونة" بالحديدة وتقاعس بعثة الأمم المتحدة    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    الأمم المتحدة: أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة مميز    مجلس النواب ينظر في استبدال محافظ الحديدة بدلا عن وزير المالية في رئاسة مجلس إدارة صندوق دعم الحديدة    باصالح والحسني.. والتفوق الدولي!!    وصول باخرة وقود لكهرباء عدن مساء الغد الأربعاء    طلاب تعز.. والامتحان الصعب    كوريا الجنوبية المحطة الجديدة لسلسلة بطولات أرامكو للفرق المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    مليشيا الحوثي توقف مستحقات 80 عاملا بصندوق النظافة بإب بهدف السطو عليها    الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    تهامة.. والطائفيون القتلة!    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة حياته الثقافية والسياسية
مذكرات أحمد محمد نعمان
نشر في الجمهورية يوم 22 - 02 - 2010

المطاع أول معتقل سياسي في اليمن وولي العهد يعترض على الأدب المعاصر
أول اعتقال سياسي في اليمن
وأثناء الحرب السعودية اليمنية التي كانت بسبب الخلاف بين الإمام يحيى والملك عبدالعزيز آل سعود, وتطور الخلاف إلى حرب بين البلدين سنة 1934م،مما اضطر الإمام إلى أن يطلب الصلح،وتدخل المشكلة من رجال العرب شكيب أرسلان وأمين الحسيني ومحمد علوبة باشا وهاشم الأتاسي، قبل أن تكون هناك دول عربية مستقلة جاءوا كأشخاص بغيرة على العرب والعروبة ووصلوا إلى اليمن والسعودية وأوقفوا الحرب بين البلدين وتوصلوا إلى صلح واتفاق، وهذا ما يجعلنا نأسف لأن البلاد العربية وقد أصبحت دولا مستقلة لم تستطع أن تحل أية مشكلة في أي بلد،بل تضاعفت المشاكل، وبعد أن انهزم الإمام يحيى بدأت قداسته تهبط وهيبته تتراجع، فتجرأ السيد أحمد المطاع وأربعة من رفاقه على أن يقدموا مذكرة يطالبون فيها بتغيير طرق إدارة الحكم ويقدمون النصائح للإمام،وكان شيئاً غريباً على الإمام أن يتجرأ هؤلاء هكذا، فسيقوا إلى السجن،وهكذا كان أول اعتقال سياسي سنة 1934م، وظلت المخاوف في نفوسنا من أن يسري الحبس إلينا باعتبار أن لنا ارتباطاً بهؤلاء،ولكن بقينا نتربص لكي ننفذ من اليمن ونخرج إلى الخارج، وبالمصادفة وصل إلى الحجرية أحد اليمنيين سنكون فيما بعد سوية وشريكين في القضية ورفيقين وزميلين إلى أن استشهد،وهو محمد محمود الزبيري، كان عمه قاضياً شرعياً في صنعاء وحاكماً من حكام الإمام ومستشاراً للإمام يحيى، مات والد الزبيري وهو يتيم، ولكن رزق شاعرية مبدعة، ولما زار مدرسة الحجرية في فترة من فترات هذه المدرسة،تأثر بما فيها من نهضة وأدب وصحافة.
الزبيري في الحجرية
لماذا زار مدرسة الحجرية؟
جاء مرافقاً للأمير السيد علي الوزير الذي كان يحكم لواء تعز،كان الزبيري هذا من جملة أولاد يرعاهم، فلما زار الأمير الحجرية كان الزبيري معه، فتكونت عنده انطباعات، ولم يحدثني ولم يتكلم معي، مع أنني أعرف أباه من أيام دراستي في زبيد، وهو القاضي محمود الزبيري،الذي أعرفه وكان بيني وبينه بعض الصلة بحيث كلفني أن أنقل له بعض الكتب بخط يدي من الإجازات العلمية التي تصدر في اليمن، كانوا بدلاً من أن يكتبوا شهادة للطالب يكتبون له إجازة، والإجازة معناها تصريح لهذا الطالب الذي أخذ العلم بأن يعلم وأن يصدر الفتوى عن مشايخ العلم.ولفظ الإجازة:”أجزته رواية كل ماتجوز روايته، وتنقل درايته،من معقول ومنقول” فتصبح هذه الإجازة مثل الشهادة العلمية، عرفت أب الزبيري وأنا في زبيد أقرأ، وكتبت له هذه الكتب بخطي، فلما جاء ابنه هذا اليتيم الوديع وهو شاعر في طور الشباب، لم يعمل شيئاً ضد الحكم لأن ذلك كان محظوراً افترقنا، ثم حدثت ضجة حول مدرسة الحجرية، وحينما ثارت ضجة حول المدرسة من السيد علي الوزير الذي كان يحكم لواء تعز، أثارت ضجة بحجة أن هذه المدرسة تعلم أفكاراً عصرية وتخرج الناس من عقائدهم وتعلمهم العلوم الجديدة وأنها ضد الإمام، فاستجدنا بولي العهد أحمد الذي أصبح إماماً بعد أبيه فيما بعد، وبعثنا له الرسائل إلى حجة، لكي نكون تحت حمايته وتكون هذه المدرسة تحت إشرافه ويكون النادي تحت إشرافه، وأجاب علينا أيضاً وشجع المدرسة، فعملت هذه الأمور عند الوزير شيئاً في نفسه ضدنا، وظل يعقب علينا إلى أن وصل الأمر إلى إغلاق هذه المدرسة .
إغلاق مدرسة الحجرية والسفر إلى مصر
بعد إغلاقها وجدت أنه لامناص من السفر إلى مصر على أساس أني ذاهب للدراسة، لكن بيني وبين نفسي كنت أنوي أن أنشر عن المظالم التي تجري في اليمن، وكان يخيل لي أنه بمجرد القضية، سترتاع حكومة اليمن من الكلام عنها في الصحف في الخارج، وخاصة جريدة “الشورى” لأن صاحبها أبو الحسن كان يهاجم الحكام بجرأة، فكان الحكام يحسبون له حساباً كبيراً في اليمن، سيما وهو معروف أنه لا يرتشي ولا يكتب في جريدته حتى ولا إعلانا واحداً، بل يكتب فيها مظالم العالم العربي، فقلت سأسافر إلى مصر وجعلت مبرر الخروج الحج، وفي الحج حدثت لي قضية، وهي أنني أردت أن أذهب إلى مصر من الحج، وكان جواز السفر غير متعارف عليه في اليمن، إنما يكتبون ورقة فيها اسم الشخص، وأوصافه الظاهرة، وسنه، ويوقع عليها أي حاكم من الحكام في منطقته .
فكتبت هذا الجواز بنفسي، ودخلت به السعودية، فلما ذهبت إلى السفارة المصرية أريد السفر إلى مصر رفضوا هذا الجواز ورموا به على أساس أنه لا يعتبر جوازاً، فذهبت إلى جدة،إلى قائم مقام جدة، ابن معمر، ليكتب لي توصية إلى السفارة المصرية لتسهيل سفري، لأنني أريد أن أذهب إلى مصر،فأبدى اهتماماً بي، وكان سفير العراق موجوداً عنده، فسألته: “هل أنت عراقي؟” أجاب:” بماذا عرفتني !” قلت له:”ملامحك تدل على أنك عراقي “فقال:”هذا ذكاء يمني عجيب.
تفضل، نعم أنا عراقي وسفير العراق، فماذا تريد؟ “أخبرته قصتي، قال:” أتريد الذهاب إلى العراق ، فأنا أيسر لك السفر بأسرع ما يمكن:” وهو كذلك”. قال:” هذا عنواني في السفارة تأتي إلي في الساعة الفلانية” وقد ذهبت لمقابلته.
وبعد أخذ ورد معي في الحديث رتب مذكرة واتصل بالسفارة المصرية ورتب السفر على ضمانته لكي أذهب إلى مصر ،وقال لي “أنا وجدت أن مثلك يجب أن يدرس في مصر لأن مصر أوسع علماً من العراق” وليس في العراق سوى مدارس محدودة حتى الآن” فقلت له: “لكني حيل بيني وبين مصر قال: تفضل،هذه ضمانتي ومذكرتي، وقد تفاهمت مع السفارة المصرية،” ذهبت إلى السفارة المصرية فأستقبلني السفير بنفسه مرحباً وأعطاني التصريح بضمانة السفير العراقي.
النعمان وشكيب أرسلان
ذهبت إلى القاهرة وأول من سألت عنه هو أبو الحسن، أريد أن أذهب إلى أبو الحسن، هذا هو الغرض الرئيسي ولكن المبرر للدخول إلى مصر أني أريد أن أدرس في الأزهر لكنني قلت لنفسي لن أدخل الأزهر لأن الدراسة في الأزهر لا تختلف عن الدراسة في اليمن، فلابد أن أذهب إلى الجامعة المصرية، وبعد أيام، وفد الزبيري إلى القاهرة، فبدأت أكتب في الصحف، في صحيفة الشورى فجاء الزبيري وأردت أن أردف القضية به جاء الزبيري من الحجاز، لأن علي الوزير كان قد تضايق من قدوم سيف الإسلام أحمد، ولي العهد الذي كنت أكاتبه لينحيه من السلطة ويقعد مكانه في لواء تعز فهاجر الوزير إلى السعودية وكان الزبيري معه مرافقاً وصل الزبيري إلى مصر وأول ما وصلها بحث عني فجاء إلى الأزهر نتذاكر سوية ونتدارس ودخلنا في تشاور من أجل القضية اليمنية، وارتبطت بنا جماعة من أبناء الجنوب: محمد علي الجفري الذي هو الآن “عام 1969” رئيس رابطة أبناء الجنوب العربي، وسالم الصافي وهو عضو في رابطة أبناء الجنوب، على أن نضع مخططاً لتجمع نسميه “الكتيبة اليمنية”، وهناك في مصر التقيت بالأمير شكيب أرسلان، ويلقبونه “أمير البيان”، جاء من جنيف وهو ممن ذهبوا إلى اليمن لحل المشكلة بين اليمن والسعودية وهو متعلق باليمن ويقول: “نحن وإن كان لنا سبع مائة سنة في لبنان لكننا من قبيلة لخم، وهي قبيلة من قبائل اليمن”، تعرفت عليه عند أبو الحسن، وذات ليلة أراد أن يكتب مقالاً ولكن يده كانت ترتعش عند الكتابة، فسأل هل يوجد أحد يجيد الكتابة، قالوا له عندك نعمان، أملي المقال وأنا أكتب، فلما انتهيت من الكتابة استعرضه ولم يجد ماينتقد أعطى المقال للنشر وقال: “أتستطيع يا ولدي أن تساعدني على الكتابة كل يوم حوالي ساعة؟” فانشرحت نفسي لأن أكون كاتباً مع امير البيان واستفيد من علمه، فلازمته وخلال ملازمتي له جاء الفضيل الورتلاني، تعرفت به عند الأمير شكيب ارسلان، وقد كان مهاجراً من الجزائر هارباً منها، وكان من أحرار الفكر في الجزائر، ارتبطت بالزبيري وبالورتلاني وكنا دائم الاتصال ببعضنا البعض، الورتلاني جزائري ولكنه نشيط في جماعات الأخوان المسلمين، وفي التحركات السياسية في مصر، وبخاصة في الجمعيات وكان مفكراً عربياً كبيراً..
بدأت الاتصالات، وبدأت أكاتب المهاجرين اليمنيين خارج اليمن وأنا مقيم في مصر، لإصدار صحيفة تعنى بشئون اليمن لكن حيل بيننا وبين هذه الصحيفة وكان التفاهم بيني وبين الزبيري أساس العلاقات بيننا وبين القضية اليمنية.
العودة إلى اليمن واعتقال الزبيري
وبعد هذا تركت مصر ورجعت إلى اليمن، فاستقبلني ولي العهد أحمد الذي كنت أكاتبه ايام علي الوزير، فالتقيت به وقد أصبح يحكم المنطقة التي نحن فيها.. فرحب بي، بقيت في تعز، وبعد فترة من الوقت وصل الزبيري إلى صنعاء من مصر متأثراً بالأفكار التي كنا نتداولها، وارتبط مجموعة من الشباب ليقدموا للإمام يحيى مذكرة تطالب بتغيير الأوضاع، وكتب لي إلى تعز، فكتبت له أنصحه بأن لا يتعجل، فرد علي دون ذلك “أيمان وطيد وقلب أشد من الحديد وستسمع”، وإذا بي أسمع أنه أعتقل هو وأحد عشر شخصاً في صنعاء، أما أنا فكنت أسير في هدوء مع أن الزبيري قبل خروجنا من مصر وجه لي نصيحة وقال لي إياك أن تصب أفكاري على مواطنيك صباً فتصدمهم، “قول معروف خير من صدقة” ولكنه أورد هذه الآية مازحاً وهو يقصد السجان في صنعاء “صدقة” ولما عاد إلى صنعاء من مصر كتبت له من تعز وقلت له: “قول معروف خير من صدقة” فأنت لم تهتد فيجب أن تتنبه، “لم يصل كتابي إلا وقد أصبح في السجن فقد أعتقل مع مجموعة من اليمنيين الذين ينتقدون الأوضاع وينكرون على الإمام، بقيت متعلقاً بالزبيري أريد إطلاق سراحه.
في أي سنة كان ذلك؟
سنة 1941، لأننا كنا في مصر بين سنة 1937 1940، رجعت أنا في سنة 1940 وهو رجع في سنة 1941 واعتقل وكنت في تعز مديراً للمعارف بعد أن عينني ولي العهد أحمد في هذه الوظيفة ولكنني كنت إلى جانب ذلك صديقاً لولي العهد، يأنس بي ويألفني، وكذلك ابنه محمد البدر.
ظل الزبيري حوالي تسعة أشهر يرسل إلى الإمام يحيى قصائد من السجن ومن جملة ما وجه إليه قوله:
نور النبوة من جبينك يلمع
والملك فيك إلى الرسالة ينزع
إلى أن يقول فيها:
رحلوا بنا منذ الصباح ولم نكن
ندري أرحلة سائح أم مصرع
عرضت لنا تلك المطي كأنها
نعش يؤم بنا المقابر مسرع
وأتت مواكب أهلنا لتردنا
بنحيبها عما إليها نزمع
قلنا لهم إنا لنأسف إذ نرى
أكبادكم من أجلنا تتقطع
فاسعوا إلى المولى الإمام لعله
يحنو على هذي القلوب ويخشع
وتحملوا معكم صغاراً رضعاً
فعسى يعطفه الصغار الرضع
صبوا المدامع تحت ظل حنانه
إن المدامع للشفاعة أسرع
وصلت القصيدة إلى الإمام وهي طويلة، فتأثر بها وقال: “القصيدة طنانة، ولكن من أين لنا رجوعه، فإن أفكارها مسمومة”، ظلوا يتضرعون إلى الأمام إلى أن أخرجه من السجن وعندما خرج من السجن لم يبق في صنعاء إلا ساعات ثم جاء إلى تعز فالتقينا مرة أخرى سوية في تعز وأصبحنا عند ولي العهد معاً نتناجى ونتنادم ونتبادل النكت والآداب والآراء والأفكار وكنت أنا ألقي خطبة في المناسبة وهو يلقي قصيدة وحصل صراع بين الشعر والنثر، ونظم تلك القصيدة التي أشرنا إليها آنفاً وقال فيها لولي العهد احمد:
إن تنصر النثر في حرب عليه فقد
جازيته مثلما جوزي سنمار
اعتراض ولي العهد على الأدب المعاصر
لبثنا في تلك الفترة نحاول أن نؤثر في ولي العهد أحمد لكي يحدث نوعاً من التغيير والتعديل ولكن كنا نلتقي معه بالعواطف ونختلف بالعقل كانت العاطفة قوية بيننا وبينه إلى حد كبير حتى أنني كنت أكتب له شيئاً وهو يكتب شيئاً في طريقه إلي حول نفس الفكرة فكتبت إليه مرة أن الارواح تتصل بعضها ببعض ويتناجى بعضها مع بعض فلما يئسنا، وكنا في مجلس ولي العهد أحمد، أثاره أن بعض المحتكين بابنه من الأدباء يطرحون أفكاراً يشم منها رائحة التمرد، وقال إن هؤلاء “العصريين” لابد أن يعاقبوا وباعتباري من خاصته ومديراً للمعارف، حضرنا إحدى الجلسات وهو يسأل ويناقش هؤلاء الذين أطلقوا بعض الأفكار ويقولون ماهو الفرق بين علي بن أبي طالب وبين أي رجل من الرجال؟ كان رجلاً شجاعاً، ولكن يوجد رجال شجعان كثيرون، وعلي بن أبي طالب في نظر الإمام من الأئمة المقدسين فكيف يقارن بشخص آخر وكيف يقال إنه لايوجد فرق بينه وبين أي شخص آخر؟ كانوا يطرحون هذه الأفكار فتثير الشكوك والشبهات حول الدين وحول قادة الإسلام وحول الإمام، غضب ولي العهد غضباً شديداً في ذلك اليوم وظل يسأل: أنت يافلان، أتقرأ الأدب؟ أجابه: “لا يامولاي أنا لا أقرأ الأدب”، ثم سأل الزبيري والزبيري شاعر وأديب: أتقرأ الأدب؟ فتحير وصمت فسأل شخصاً اسمه السراجي أتقرأ الأدب فرد قائلاً “اقطعوا رقبتي بالحذاء لو قرأته، لم أقرأ الأدب ولم أعرف ماهو الأدب”، والتفت إلي وقال: “وأنت ما الذي تدرسه في المدارس، أدب طه حسين؟” قلت له: “كلا. نحن نعطيهم محفوظات من الشعر” قال: “ولكن قلت محفوظات أدبية”، قلت له: “محفوظات من الشعر تتحدث عن فضائل الإمام ومن هذه الأبيات الشعرية:
العرش عرشك لاسواك ولن ترى
ندا إلى آفاق عرشك يرمق
وكان بجانبي كتاب لطه حسين أهدي للإمام بواسطتي! فقال: “وقالوا إن من الأدب كتاباً لطه حسين” قلت: “أبداً” وطويت الكتاب تحت إبطي دون أن أقدمه للإمام، ورجعت إلى البيت فلحق بي الزبيري وقال لي: “لم يبق لنا مجال، نحن معرضون للسجن، فليس لنا إلا أن نشد الرحال”، وسبق أن ذكرت أنني كنت قد كتبت رسالة إلى الإمام فيها نصيحة وفيها إخلاص وصدق، وكتب له الزبيري ولكن بدون علمي، فكنا دائماً نلتقي في تعز ونتشاكى مع الأدباء.
النعمان والزبيري والرحيل إلى عدن
وقررنا الهجرة معاً، أنا والزبيري فهربنا من تعز وتركنا نساءنا بدا لنا أن هذا الأمر لايجوز السكوت عليه، وأن بلادنا يجب أن تخرج من هذا الظلم والظلام، وكان الارتباط بيني وبين الزبيري وطيداً من الذي دبر خروجنا ويسر أمرنا؟. جازم الحروي ذلك الشخص الذي كان ثالثنا بتدبير الخروج، وهناك أخوة آخرون.. هنا يجر الحديث بعضه وتتشابه هذه الأسماء بحيث لايستطيع الإنسان أن يحدد شخصاً بعينه، دبر جازم لنا الأمر وقضينا اليوم عند ولي العهد، إذ كان من الضروري أن نحضر يومياً مجلسه، فرتبنا الجلوس عنده بعد العصر لكي نخرج آخر النهار ونقضي الليل كله في السفر بحيث لايلحق بنا أحد إذا عرفوا بفراقنا.
ودعنا عائلاتنا ونحن لاندري إن كنا سنلتقي بهم فيما بعد أم لا سيطرت علينا عقيدة أننا مسئولون أمام التاريخ إن لم نقل كلمة الحق من أجل هذا الشعب وقطعنا العهد على أنفسنا، غادرنا تعز، وكنا نحس بإحساس إنسان يرى أن لا عودة إلى الوطن مادام هذا الوضع قائماً، ومادام معرضاً للمطاردة فإنه الآن يودع الوطن الوداع الأخير أيعود أم لايعود؟ حدث ذلك في سنة 1943، وكانت عدن مركزاً ومنطلقاً بسبب وجود الانكليز فيها، ففيها صحافة وفيها طباعة وفيها حرية، وهي مركز لليمنيين وأكبر مهاجرهم، لأن ليس بينهم وبين اليمن سوى ساعات، والحدود بينهما مثل الحدود بين لبنان وسوريا فكان الناس ينزحون إليها، الهاربون من الظلم، والهاربون من الفقر، والباحثون عن العمل، والباحثون عن التجارة، إنها سوق تجارية تكاد تكون سوقاً لكل شبه الجزيرة العربية بوجود الانكليز فيها.. فمركز عدن شهير.
يتبع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.