تشكيل "قوات درع الوطن" لصاحبها "رشاد العليمي" غير قانوني (وثيقة)    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    قبيل التطبيع: اتفاقيات أمنية سورية مع إسرائيل قبل نهاية العام    الخونة خارج التاريخ    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    للمرة السادسة.. "فيتو" أميركي في مجلس الأمن يفشل مشروع قرار لوقف النار في غزة    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    ذكرى استشهاد الشهيد "صالح محمد عكاشة"    جنوبيا.. بيان الرئاسي مخيب للآمال    لماذا تراجع "اليدومي" عن اعترافه بعلاقة حزبه بالإخوان المسلمين    راشفورد يجرّ نيوكاسل للهزيمة    حين تُغتال النظافة في مدينة الثقافة: افتهان المشهري شهيدة الواجب والكرامة    تعز.. إصابة طالب جامعي في حادثة اغتيال مدير صندوق النظافة    تجربة الإصلاح في شبوة    صندوق النظافة بتعز يعلن الاضراب الشامل حتى ضبط قتلة المشهري    مسيّرة تصيب فندقا في فلسطين المحتلة والجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة ثانية    سريع يعلن عن ثلاث عمليات عسكرية في فلسطين المحتلة    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    وعن مشاكل المفصعين في تعز    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    انخفاض صادرات سويسرا إلى أميركا بأكثر من الخُمس بسبب الرسوم    مجلس القضاء الأعلى ينعي القاضي عبدالله الهادي    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    المحرّمي يعزِّي في وفاة المناضل والقيادي في المقاومة الجنوبية أديب العيسي    الأرصاد: حالة عدم استقرار الأجواء ما تزال مستمرة وتوقعات بأمطار رعدية على أغلب المحافظات    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    برغبة أمريكية.. الجولاني يتعاهد أمنيا مع اسرائيل    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    يامال يغيب اليوم أمام نيوكاسل    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة حياته الثقافية والسياسية
مذكرات أحمد محمد نعمان
نشر في الجمهورية يوم 22 - 02 - 2010

المطاع أول معتقل سياسي في اليمن وولي العهد يعترض على الأدب المعاصر
أول اعتقال سياسي في اليمن
وأثناء الحرب السعودية اليمنية التي كانت بسبب الخلاف بين الإمام يحيى والملك عبدالعزيز آل سعود, وتطور الخلاف إلى حرب بين البلدين سنة 1934م،مما اضطر الإمام إلى أن يطلب الصلح،وتدخل المشكلة من رجال العرب شكيب أرسلان وأمين الحسيني ومحمد علوبة باشا وهاشم الأتاسي، قبل أن تكون هناك دول عربية مستقلة جاءوا كأشخاص بغيرة على العرب والعروبة ووصلوا إلى اليمن والسعودية وأوقفوا الحرب بين البلدين وتوصلوا إلى صلح واتفاق، وهذا ما يجعلنا نأسف لأن البلاد العربية وقد أصبحت دولا مستقلة لم تستطع أن تحل أية مشكلة في أي بلد،بل تضاعفت المشاكل، وبعد أن انهزم الإمام يحيى بدأت قداسته تهبط وهيبته تتراجع، فتجرأ السيد أحمد المطاع وأربعة من رفاقه على أن يقدموا مذكرة يطالبون فيها بتغيير طرق إدارة الحكم ويقدمون النصائح للإمام،وكان شيئاً غريباً على الإمام أن يتجرأ هؤلاء هكذا، فسيقوا إلى السجن،وهكذا كان أول اعتقال سياسي سنة 1934م، وظلت المخاوف في نفوسنا من أن يسري الحبس إلينا باعتبار أن لنا ارتباطاً بهؤلاء،ولكن بقينا نتربص لكي ننفذ من اليمن ونخرج إلى الخارج، وبالمصادفة وصل إلى الحجرية أحد اليمنيين سنكون فيما بعد سوية وشريكين في القضية ورفيقين وزميلين إلى أن استشهد،وهو محمد محمود الزبيري، كان عمه قاضياً شرعياً في صنعاء وحاكماً من حكام الإمام ومستشاراً للإمام يحيى، مات والد الزبيري وهو يتيم، ولكن رزق شاعرية مبدعة، ولما زار مدرسة الحجرية في فترة من فترات هذه المدرسة،تأثر بما فيها من نهضة وأدب وصحافة.
الزبيري في الحجرية
لماذا زار مدرسة الحجرية؟
جاء مرافقاً للأمير السيد علي الوزير الذي كان يحكم لواء تعز،كان الزبيري هذا من جملة أولاد يرعاهم، فلما زار الأمير الحجرية كان الزبيري معه، فتكونت عنده انطباعات، ولم يحدثني ولم يتكلم معي، مع أنني أعرف أباه من أيام دراستي في زبيد، وهو القاضي محمود الزبيري،الذي أعرفه وكان بيني وبينه بعض الصلة بحيث كلفني أن أنقل له بعض الكتب بخط يدي من الإجازات العلمية التي تصدر في اليمن، كانوا بدلاً من أن يكتبوا شهادة للطالب يكتبون له إجازة، والإجازة معناها تصريح لهذا الطالب الذي أخذ العلم بأن يعلم وأن يصدر الفتوى عن مشايخ العلم.ولفظ الإجازة:”أجزته رواية كل ماتجوز روايته، وتنقل درايته،من معقول ومنقول” فتصبح هذه الإجازة مثل الشهادة العلمية، عرفت أب الزبيري وأنا في زبيد أقرأ، وكتبت له هذه الكتب بخطي، فلما جاء ابنه هذا اليتيم الوديع وهو شاعر في طور الشباب، لم يعمل شيئاً ضد الحكم لأن ذلك كان محظوراً افترقنا، ثم حدثت ضجة حول مدرسة الحجرية، وحينما ثارت ضجة حول المدرسة من السيد علي الوزير الذي كان يحكم لواء تعز، أثارت ضجة بحجة أن هذه المدرسة تعلم أفكاراً عصرية وتخرج الناس من عقائدهم وتعلمهم العلوم الجديدة وأنها ضد الإمام، فاستجدنا بولي العهد أحمد الذي أصبح إماماً بعد أبيه فيما بعد، وبعثنا له الرسائل إلى حجة، لكي نكون تحت حمايته وتكون هذه المدرسة تحت إشرافه ويكون النادي تحت إشرافه، وأجاب علينا أيضاً وشجع المدرسة، فعملت هذه الأمور عند الوزير شيئاً في نفسه ضدنا، وظل يعقب علينا إلى أن وصل الأمر إلى إغلاق هذه المدرسة .
إغلاق مدرسة الحجرية والسفر إلى مصر
بعد إغلاقها وجدت أنه لامناص من السفر إلى مصر على أساس أني ذاهب للدراسة، لكن بيني وبين نفسي كنت أنوي أن أنشر عن المظالم التي تجري في اليمن، وكان يخيل لي أنه بمجرد القضية، سترتاع حكومة اليمن من الكلام عنها في الصحف في الخارج، وخاصة جريدة “الشورى” لأن صاحبها أبو الحسن كان يهاجم الحكام بجرأة، فكان الحكام يحسبون له حساباً كبيراً في اليمن، سيما وهو معروف أنه لا يرتشي ولا يكتب في جريدته حتى ولا إعلانا واحداً، بل يكتب فيها مظالم العالم العربي، فقلت سأسافر إلى مصر وجعلت مبرر الخروج الحج، وفي الحج حدثت لي قضية، وهي أنني أردت أن أذهب إلى مصر من الحج، وكان جواز السفر غير متعارف عليه في اليمن، إنما يكتبون ورقة فيها اسم الشخص، وأوصافه الظاهرة، وسنه، ويوقع عليها أي حاكم من الحكام في منطقته .
فكتبت هذا الجواز بنفسي، ودخلت به السعودية، فلما ذهبت إلى السفارة المصرية أريد السفر إلى مصر رفضوا هذا الجواز ورموا به على أساس أنه لا يعتبر جوازاً، فذهبت إلى جدة،إلى قائم مقام جدة، ابن معمر، ليكتب لي توصية إلى السفارة المصرية لتسهيل سفري، لأنني أريد أن أذهب إلى مصر،فأبدى اهتماماً بي، وكان سفير العراق موجوداً عنده، فسألته: “هل أنت عراقي؟” أجاب:” بماذا عرفتني !” قلت له:”ملامحك تدل على أنك عراقي “فقال:”هذا ذكاء يمني عجيب.
تفضل، نعم أنا عراقي وسفير العراق، فماذا تريد؟ “أخبرته قصتي، قال:” أتريد الذهاب إلى العراق ، فأنا أيسر لك السفر بأسرع ما يمكن:” وهو كذلك”. قال:” هذا عنواني في السفارة تأتي إلي في الساعة الفلانية” وقد ذهبت لمقابلته.
وبعد أخذ ورد معي في الحديث رتب مذكرة واتصل بالسفارة المصرية ورتب السفر على ضمانته لكي أذهب إلى مصر ،وقال لي “أنا وجدت أن مثلك يجب أن يدرس في مصر لأن مصر أوسع علماً من العراق” وليس في العراق سوى مدارس محدودة حتى الآن” فقلت له: “لكني حيل بيني وبين مصر قال: تفضل،هذه ضمانتي ومذكرتي، وقد تفاهمت مع السفارة المصرية،” ذهبت إلى السفارة المصرية فأستقبلني السفير بنفسه مرحباً وأعطاني التصريح بضمانة السفير العراقي.
النعمان وشكيب أرسلان
ذهبت إلى القاهرة وأول من سألت عنه هو أبو الحسن، أريد أن أذهب إلى أبو الحسن، هذا هو الغرض الرئيسي ولكن المبرر للدخول إلى مصر أني أريد أن أدرس في الأزهر لكنني قلت لنفسي لن أدخل الأزهر لأن الدراسة في الأزهر لا تختلف عن الدراسة في اليمن، فلابد أن أذهب إلى الجامعة المصرية، وبعد أيام، وفد الزبيري إلى القاهرة، فبدأت أكتب في الصحف، في صحيفة الشورى فجاء الزبيري وأردت أن أردف القضية به جاء الزبيري من الحجاز، لأن علي الوزير كان قد تضايق من قدوم سيف الإسلام أحمد، ولي العهد الذي كنت أكاتبه لينحيه من السلطة ويقعد مكانه في لواء تعز فهاجر الوزير إلى السعودية وكان الزبيري معه مرافقاً وصل الزبيري إلى مصر وأول ما وصلها بحث عني فجاء إلى الأزهر نتذاكر سوية ونتدارس ودخلنا في تشاور من أجل القضية اليمنية، وارتبطت بنا جماعة من أبناء الجنوب: محمد علي الجفري الذي هو الآن “عام 1969” رئيس رابطة أبناء الجنوب العربي، وسالم الصافي وهو عضو في رابطة أبناء الجنوب، على أن نضع مخططاً لتجمع نسميه “الكتيبة اليمنية”، وهناك في مصر التقيت بالأمير شكيب أرسلان، ويلقبونه “أمير البيان”، جاء من جنيف وهو ممن ذهبوا إلى اليمن لحل المشكلة بين اليمن والسعودية وهو متعلق باليمن ويقول: “نحن وإن كان لنا سبع مائة سنة في لبنان لكننا من قبيلة لخم، وهي قبيلة من قبائل اليمن”، تعرفت عليه عند أبو الحسن، وذات ليلة أراد أن يكتب مقالاً ولكن يده كانت ترتعش عند الكتابة، فسأل هل يوجد أحد يجيد الكتابة، قالوا له عندك نعمان، أملي المقال وأنا أكتب، فلما انتهيت من الكتابة استعرضه ولم يجد ماينتقد أعطى المقال للنشر وقال: “أتستطيع يا ولدي أن تساعدني على الكتابة كل يوم حوالي ساعة؟” فانشرحت نفسي لأن أكون كاتباً مع امير البيان واستفيد من علمه، فلازمته وخلال ملازمتي له جاء الفضيل الورتلاني، تعرفت به عند الأمير شكيب ارسلان، وقد كان مهاجراً من الجزائر هارباً منها، وكان من أحرار الفكر في الجزائر، ارتبطت بالزبيري وبالورتلاني وكنا دائم الاتصال ببعضنا البعض، الورتلاني جزائري ولكنه نشيط في جماعات الأخوان المسلمين، وفي التحركات السياسية في مصر، وبخاصة في الجمعيات وكان مفكراً عربياً كبيراً..
بدأت الاتصالات، وبدأت أكاتب المهاجرين اليمنيين خارج اليمن وأنا مقيم في مصر، لإصدار صحيفة تعنى بشئون اليمن لكن حيل بيننا وبين هذه الصحيفة وكان التفاهم بيني وبين الزبيري أساس العلاقات بيننا وبين القضية اليمنية.
العودة إلى اليمن واعتقال الزبيري
وبعد هذا تركت مصر ورجعت إلى اليمن، فاستقبلني ولي العهد أحمد الذي كنت أكاتبه ايام علي الوزير، فالتقيت به وقد أصبح يحكم المنطقة التي نحن فيها.. فرحب بي، بقيت في تعز، وبعد فترة من الوقت وصل الزبيري إلى صنعاء من مصر متأثراً بالأفكار التي كنا نتداولها، وارتبط مجموعة من الشباب ليقدموا للإمام يحيى مذكرة تطالب بتغيير الأوضاع، وكتب لي إلى تعز، فكتبت له أنصحه بأن لا يتعجل، فرد علي دون ذلك “أيمان وطيد وقلب أشد من الحديد وستسمع”، وإذا بي أسمع أنه أعتقل هو وأحد عشر شخصاً في صنعاء، أما أنا فكنت أسير في هدوء مع أن الزبيري قبل خروجنا من مصر وجه لي نصيحة وقال لي إياك أن تصب أفكاري على مواطنيك صباً فتصدمهم، “قول معروف خير من صدقة” ولكنه أورد هذه الآية مازحاً وهو يقصد السجان في صنعاء “صدقة” ولما عاد إلى صنعاء من مصر كتبت له من تعز وقلت له: “قول معروف خير من صدقة” فأنت لم تهتد فيجب أن تتنبه، “لم يصل كتابي إلا وقد أصبح في السجن فقد أعتقل مع مجموعة من اليمنيين الذين ينتقدون الأوضاع وينكرون على الإمام، بقيت متعلقاً بالزبيري أريد إطلاق سراحه.
في أي سنة كان ذلك؟
سنة 1941، لأننا كنا في مصر بين سنة 1937 1940، رجعت أنا في سنة 1940 وهو رجع في سنة 1941 واعتقل وكنت في تعز مديراً للمعارف بعد أن عينني ولي العهد أحمد في هذه الوظيفة ولكنني كنت إلى جانب ذلك صديقاً لولي العهد، يأنس بي ويألفني، وكذلك ابنه محمد البدر.
ظل الزبيري حوالي تسعة أشهر يرسل إلى الإمام يحيى قصائد من السجن ومن جملة ما وجه إليه قوله:
نور النبوة من جبينك يلمع
والملك فيك إلى الرسالة ينزع
إلى أن يقول فيها:
رحلوا بنا منذ الصباح ولم نكن
ندري أرحلة سائح أم مصرع
عرضت لنا تلك المطي كأنها
نعش يؤم بنا المقابر مسرع
وأتت مواكب أهلنا لتردنا
بنحيبها عما إليها نزمع
قلنا لهم إنا لنأسف إذ نرى
أكبادكم من أجلنا تتقطع
فاسعوا إلى المولى الإمام لعله
يحنو على هذي القلوب ويخشع
وتحملوا معكم صغاراً رضعاً
فعسى يعطفه الصغار الرضع
صبوا المدامع تحت ظل حنانه
إن المدامع للشفاعة أسرع
وصلت القصيدة إلى الإمام وهي طويلة، فتأثر بها وقال: “القصيدة طنانة، ولكن من أين لنا رجوعه، فإن أفكارها مسمومة”، ظلوا يتضرعون إلى الأمام إلى أن أخرجه من السجن وعندما خرج من السجن لم يبق في صنعاء إلا ساعات ثم جاء إلى تعز فالتقينا مرة أخرى سوية في تعز وأصبحنا عند ولي العهد معاً نتناجى ونتنادم ونتبادل النكت والآداب والآراء والأفكار وكنت أنا ألقي خطبة في المناسبة وهو يلقي قصيدة وحصل صراع بين الشعر والنثر، ونظم تلك القصيدة التي أشرنا إليها آنفاً وقال فيها لولي العهد احمد:
إن تنصر النثر في حرب عليه فقد
جازيته مثلما جوزي سنمار
اعتراض ولي العهد على الأدب المعاصر
لبثنا في تلك الفترة نحاول أن نؤثر في ولي العهد أحمد لكي يحدث نوعاً من التغيير والتعديل ولكن كنا نلتقي معه بالعواطف ونختلف بالعقل كانت العاطفة قوية بيننا وبينه إلى حد كبير حتى أنني كنت أكتب له شيئاً وهو يكتب شيئاً في طريقه إلي حول نفس الفكرة فكتبت إليه مرة أن الارواح تتصل بعضها ببعض ويتناجى بعضها مع بعض فلما يئسنا، وكنا في مجلس ولي العهد أحمد، أثاره أن بعض المحتكين بابنه من الأدباء يطرحون أفكاراً يشم منها رائحة التمرد، وقال إن هؤلاء “العصريين” لابد أن يعاقبوا وباعتباري من خاصته ومديراً للمعارف، حضرنا إحدى الجلسات وهو يسأل ويناقش هؤلاء الذين أطلقوا بعض الأفكار ويقولون ماهو الفرق بين علي بن أبي طالب وبين أي رجل من الرجال؟ كان رجلاً شجاعاً، ولكن يوجد رجال شجعان كثيرون، وعلي بن أبي طالب في نظر الإمام من الأئمة المقدسين فكيف يقارن بشخص آخر وكيف يقال إنه لايوجد فرق بينه وبين أي شخص آخر؟ كانوا يطرحون هذه الأفكار فتثير الشكوك والشبهات حول الدين وحول قادة الإسلام وحول الإمام، غضب ولي العهد غضباً شديداً في ذلك اليوم وظل يسأل: أنت يافلان، أتقرأ الأدب؟ أجابه: “لا يامولاي أنا لا أقرأ الأدب”، ثم سأل الزبيري والزبيري شاعر وأديب: أتقرأ الأدب؟ فتحير وصمت فسأل شخصاً اسمه السراجي أتقرأ الأدب فرد قائلاً “اقطعوا رقبتي بالحذاء لو قرأته، لم أقرأ الأدب ولم أعرف ماهو الأدب”، والتفت إلي وقال: “وأنت ما الذي تدرسه في المدارس، أدب طه حسين؟” قلت له: “كلا. نحن نعطيهم محفوظات من الشعر” قال: “ولكن قلت محفوظات أدبية”، قلت له: “محفوظات من الشعر تتحدث عن فضائل الإمام ومن هذه الأبيات الشعرية:
العرش عرشك لاسواك ولن ترى
ندا إلى آفاق عرشك يرمق
وكان بجانبي كتاب لطه حسين أهدي للإمام بواسطتي! فقال: “وقالوا إن من الأدب كتاباً لطه حسين” قلت: “أبداً” وطويت الكتاب تحت إبطي دون أن أقدمه للإمام، ورجعت إلى البيت فلحق بي الزبيري وقال لي: “لم يبق لنا مجال، نحن معرضون للسجن، فليس لنا إلا أن نشد الرحال”، وسبق أن ذكرت أنني كنت قد كتبت رسالة إلى الإمام فيها نصيحة وفيها إخلاص وصدق، وكتب له الزبيري ولكن بدون علمي، فكنا دائماً نلتقي في تعز ونتشاكى مع الأدباء.
النعمان والزبيري والرحيل إلى عدن
وقررنا الهجرة معاً، أنا والزبيري فهربنا من تعز وتركنا نساءنا بدا لنا أن هذا الأمر لايجوز السكوت عليه، وأن بلادنا يجب أن تخرج من هذا الظلم والظلام، وكان الارتباط بيني وبين الزبيري وطيداً من الذي دبر خروجنا ويسر أمرنا؟. جازم الحروي ذلك الشخص الذي كان ثالثنا بتدبير الخروج، وهناك أخوة آخرون.. هنا يجر الحديث بعضه وتتشابه هذه الأسماء بحيث لايستطيع الإنسان أن يحدد شخصاً بعينه، دبر جازم لنا الأمر وقضينا اليوم عند ولي العهد، إذ كان من الضروري أن نحضر يومياً مجلسه، فرتبنا الجلوس عنده بعد العصر لكي نخرج آخر النهار ونقضي الليل كله في السفر بحيث لايلحق بنا أحد إذا عرفوا بفراقنا.
ودعنا عائلاتنا ونحن لاندري إن كنا سنلتقي بهم فيما بعد أم لا سيطرت علينا عقيدة أننا مسئولون أمام التاريخ إن لم نقل كلمة الحق من أجل هذا الشعب وقطعنا العهد على أنفسنا، غادرنا تعز، وكنا نحس بإحساس إنسان يرى أن لا عودة إلى الوطن مادام هذا الوضع قائماً، ومادام معرضاً للمطاردة فإنه الآن يودع الوطن الوداع الأخير أيعود أم لايعود؟ حدث ذلك في سنة 1943، وكانت عدن مركزاً ومنطلقاً بسبب وجود الانكليز فيها، ففيها صحافة وفيها طباعة وفيها حرية، وهي مركز لليمنيين وأكبر مهاجرهم، لأن ليس بينهم وبين اليمن سوى ساعات، والحدود بينهما مثل الحدود بين لبنان وسوريا فكان الناس ينزحون إليها، الهاربون من الظلم، والهاربون من الفقر، والباحثون عن العمل، والباحثون عن التجارة، إنها سوق تجارية تكاد تكون سوقاً لكل شبه الجزيرة العربية بوجود الانكليز فيها.. فمركز عدن شهير.
يتبع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.