قال ابن الإمام “ذبحان” ستكون ك “لبنان” فسحبوا الأستاذ حيدرة من مدرسة الحجرية عند ظهور الطائرات أمر الإمام قراءة سورة “الفيل” في المساجد لمقاومتها ماهي وظيفة المرأة هناك؟ تذهب تحتطب من أسفل الجبال، وتنقل ماجمعته على رأسها أو على ظهرها، وتنظف البيت، وتطعم البقرة، ويقوم الرجل خارجا من كيس النوم لايعرف العمل، كيس النوم لأنهم في اليمن لايعرفون الخيام. كانوا يعملون أكياسا من القماش, ووقت النوم يتجرد من ملابسه ويدخله ثم يربطه على جسده. عندما يسافر اليمني، يسافر وكيسه معه، أينما حل دخل الكيس. لكن بعض اليمنيين انتقلوا إلى المهجر والبعض منهم استوطنوا وتزوجوا هناك. كانت عدن أقرب مهجر. وكان سبب هجرتهم الهرب من سوء الأوضاع، ولأنهم متطلعين إلى الحياة وبقينا على هذه الوتيرة حتى سنة 1932, وأنا أدرس للميتين في المقابر والناس يدعون ويتوسلون بالموتى ويتكحلون بأقفال توابيت أولياء الله المقبورين لعلاج من يصاب بالرمد. عندما يعتري الإنسان مرض شديد يسمى الحمى الثالث (أي تتردد كل ثلاثة أيام)، أما حمى الرابع (كل أربعة أيام) فيسهل علينا علاجها بكتابة” عزيمة”لكن المريض يذهب إلى قبر من قبور الأولياء المشهورين ويحمل معه ذبيحة ويرقد على قبر الولي ويشفى، بهذه العقلية وبهذه الأفكار عاش الإنسان في اليمن إلى سنة 1932. وكما ذكرت لكم، بدأت الحرب بين الإنكليز واليمن في سنة 1927، وبدأت الطائرات تظهر فما الطريق لمقاومتها؟ أمر الإمام أن يقرأوا سورة الفيل في المساجد والتي تقول: «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل.فجعلهم كعصف مأكول”. إنني لأذكر أننا دعونا الناس وقرأنا البخاري، لأن كتاب البخاري ماقرئ في بلد إلا وأذهب الله عن سكانها الخوف والحزن. فدعونا الناس وبدأنا بقراءة البخاري. كان أخي مجنداً ومحارباً مع الإمام ويحكم منطقة في حدود الإنكليز. كتبنا له حينما تشاهدون الطائرات تحلق أقرأوا قول الله سبحانه وتعالى (ألم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن. مايمسكهن إلا الرحمن..) كان أخي مستنيراً نوعا ما. كان اليمنيون يأتون من عدن متفتحين، فكانوا يتصلون به ويعطونه الجرائد، فكان يقرأ ويتفتح. ما اسم أخيك؟ أخي الكبير علي، أستشهد في الحرب اليمنية المصرية في الستينات. كان يأتي إلى البيت يحمل الكتب وفيها التصاوير (الصور) وكان أبي متديناً ومحافظاً، وكان سعيداً لأنه رزق عالماً في بيته، يأتي الناس ويطلبون العلم والحكمة في منزلنا بعد أن كنا نحن نبحث عن العلم. كنا في بيئة متدينة. وأتى أخي الأكبر ومعه الجرائد وفي الجرائد صور لايجوز بقاؤها في البيت. لأن الله سبحانه وتعالى يقول للمصورين يوم القيامة أحيوا ماخلقتم. كما لعن الله المصورين بدايات التحول الفكري لدى النعمان أبو زيد والكواكبي تحت يدي كتاب عنوانه “هدي الرسول” لمحمد أبو زيد، الذي كتب له مقدمة يقول في أولها: ما أعسر الدين في كتب الفقهاء، قرأت الكتاب بتمعن. ماذا قال فيه؟ قال إن الإنسان يظل طيلة أيام حياته ينتقل من كتاب إلى كتاب، أما النبي فعلم الناس ببساطة وقال كذا وكذا، ماذا نفعل نحن في مدارسنا؟ ماذا يفعل الكفار وهم أعداء الرحمن في مدارسهم؟ نحن نتنازع حول جلود الميتة وطهارتها وهم يدخلونها المعامل والمصانع، نحن نتجادل حول تأبط شراً وعمرو بن معدي كرب وفي التركيب المزجي وهم يركبون الأسلاك والمدافع، نحن ننقب في مسائل الحيض والنفاس وهم ينقبون تحت البحار وبعد ذلك يقف خطيبنا على المنبر في المسجد ويقول “من صام ثلاثة أيام من رجب غفر الله له ذنوبه”، كان وقع هذه الأفكار على نفسي مثل الثقاب، لأنني كنت قد مررت بأزمة، فقد قضينا سبع سنوات نقرأ كتب الفقه، 7 سنوات ندرس، وكلنا نقر نفس الكتاب ونفس الأبواب، وحين استوعبت هذه الأفكار الجديدة كانت منطلقاً لأن نتوقف عن الاقتصار على كتب الفقه لنقرأ كتب السنة النبوية وحين علم المشايخ في زبيد أننا خرجنا على طريقتهم وأننا بدأنا نقرأ ونتحرر ونجدد في كل ماكنا نقرأه من خرافات ومن جمود، قالوا إن الرجل قد أصابه مس من الشيطان، ارسلوا لي رسولاً يدعوني لأن أنزل إليهم في زبيد وذهبت إليهم في زبيد، فقالوا لي: ماذا أصابك وما حل بك؟ وبقيت أجادلهم لأني أعتنقت مبدأً جديداً فقالوا إنهم سيقرأون القرآن عليّ لأنني ولاشك قد أصابني مس من الشيطان، أو أن جماعة أخرى فتنتني عن ديني، فلابد أن ندعو الله عليهم، لكنني صممت على التمسك بما كنت قد اقتنعت به، ورجعت إلى منطقتي دون تغيير عقيدتي، وبينما أنا أخوض في هذا التيار بانتقالي من مرحلة التقليد إلى مرحلة أخرى أصح، ولكن بقى عندي التمسك بالدين، جاء إلى عندي الأستاذ محمد أحمد حيدرة، وهو شاب يمني تعلم في عدن وفي الخارج، تعلم الجغرافيا والتاريخ، جاء به أخي من عدن لكي يعلم التلاميذ الذين يدرسون هذه المواد في حين أعلمهم أنا الأناشيد، جاء هذا الأستاذ ودخلت إليه ورأيته بلباس لا يدل على أنه عالم وإنما سوقي، سلمت عليه ببرود وعرفت أنه الأستاذ محمد أحمد حيدرة، ثم أمرت الأولاد بأن يتحضروا في المسجد، وكانوا حوالي 70 تلميذاً اشتغل بتعليمهم ليل نهار فتبين لي فيما بعد بأن الأستاذ يعزف على العود فقلت بأنه فاسق ويجب طرده من البلد لأن بقاءه سيجلب كارثة على البلد وغضباً من السماء، وبالتالي لابد من طرده ولكن أخي لم يقبل بطرده بل صمم على بقائه. كان الناس قد أخذوا يتفتحون بواسطة الصحف وبقي الأستاذ حيدرة يعلم مادتي التاريخ والجغرافيا ومرة سمعته يعلمهم أن الأرض كروية وهنا جن جنوني ولم أعد أستطيع الصبر، كيف يقول ذلك والله سبحانه وتعالى قال: “والأرض بسطها للأنام”، وهذا الزنديق الكافر يقول إن الأرض كروية وإن الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور كيف ذلك؟ أخذ الأولاد جبراً إلى المدرسة وأخذ يعلمهم ثم بعد ذلك كان يعلمهم الرياضة البدنية واحد، اثنان، ثلاثة، بدلاً من أن يدخلهم إلى المساجد ليعلمهم العبادة فقلت للآباء يجب طرده من المدرسة، فما العمل؟ منعوا أولادهم من الذهاب إلى المدرسة فتم إرسال الجنود إلى بيوت الآباء، لأن العادة كانت أن كل من يرتكب مخالفة يرسلون له العسكري فيسكن في البيت وينزل في أحسن غرفة في البيت، هكذا كان الحكم، وهكذا فعلوا بالآباء لعدم حضور أبنائهم للدراسة بعض الأولاد هربوا فأخذوا آباءهم إلى السجن إلى أن يأتوا بأبنائهم إلى المدرسة بعض الأولاد استهوتهم الدروس الجديدة، والبعض استنكروا هذه الدروس والأفكار ورفضوها والبعض الآخر استجابوا لها، كتبنا للسيد علي الوزير، نائب الإمام في لواء تعز آنذاك، وشرحنا له القضية كان حاكم الشريعة الموجود محمد بن علي المجاهد من أنصاري، علمنا مرة بأن الأستاذ ذهب ليعزف العود هو وجماعته، فصدر القرار باعتقاله، سلم للعامل الموجود، فقال الحاكم: ما القصة؟ قال العامل: “والله إن لم يعاقب لا أبقى في هذا البلد ساعة واحدة، ولا أجلس في أرض يعصى الله فيها” يعزف العود! هذا غير ممكن سفروه إلى عدن ورجع الأولاد إلى المدرسة وابتدأت النشاطات في المدرسة من رياضة وكشافة وأناشيد حتى الحكومة كانت تقرر لهم الأناشيد مثل: “أعتزل ذكر الأغاني والغزل” وكان الأستاذ حيدرة قد أتاهم بنشيد: “الوطن الوطن ياشباب اليمن ماله من ثمن غير أرواحنا” ولحنه تلحيناً مناسباً، كنت بيني وبين نفسي مسروراً من ذلك ولكن لايمكن أن أتراجع أمام الناس الذين حرضتهم وأن أغير رأيي بسهولة، أما في قرارة نفسي فكنت متضايقاً من الوضع وكنت مستروحاً لما يفعله الأستاذ حيدرة وأريد اللعب وقضاء الوقت معهم، لأنني كنت متعباً من المضايقات، فالأستاذ منهك، يمشي رويداً رويداً كأن العلم واقف على أرنبة أنفه خوفاً من أن يسقط أصبح المقصود عندي هو التطلع ومعرفة الجديد، تعلم الجغرافية والتاريخ وغير ذلك، وحين بدأت وقع في يدي كتاب طبائع الأستبداد لعبدالرحمن الكواكبي، وكتاب هدي الرسول لمحمد أبو زيد كنت قد أنتقلت من كتب الفقه إلى مرحلة السنة، إلى الفكر الإسلامي الخالص. الدراسة الأولى كانت دراسة إسلامية ولكن محشوة بالخرافة فانتقلنا إلى مرحلة الديانة الإسلامية المجردة من الخرافة، وجاء كتاب طبائع الاستبداد وكتاب هدي الرسول، وإذا بنا ننتقل إلى الحكم والسياسية، إلى طبائع الاستبداد وطبائع المستبد. المستبد هو الذي يريد أن يضع قدمه على أفواه الملايين، ويريد من الأمة أن تعيش كبقر الجنة لايطمحون ولايرمحون لايريد أن يعرف الشعب كلمة لا إله إلا الله، بل يريد أن يخضعهم لإرادته هذا وصف المستبد وكانت الشعلة الثانية ماذا أعمل؟ من أين لي الكتب؟ كان الأستاذ حيدرة قد جلب معه الكتب العديدة وتركها وذهب ابتدأت أقرأ فيها، وإذا بكتب التاريخ فيها شرح لحاضر العالم الإسلامي. بقيت أقرأ وألتهم الكلمات وأغيب الفصول غيباً، مثل غرائب الغرب لمحمد كرد علي، كنت أغيب الفصول غيباً عن تطورات الشرق والغرب، أول شيء قمت به أن عملت لإعادة الأستاذ حيدرة أعددت له المنزل وحشدنا الطلاب وأطلقنا لهم الحرية وقمت أنا بتدريس اللغة العربية بأسلوب حديث. كيف استقبل الناس هذا التغيير؟ حدثت مقاومة لنا، ولكن التغيير عندما جاء من “النبي” كان وقعه خفيفاً عليهم، لأن النبي رفض آياته الأولى والناس معه، بدأت أقنعهم وهم بدورهم أخذوا يقتنعون كنت أدخل المساجد وأتحدث معهم وبدأنا نهيئ الأمور لهم شيئاً فشيئاً وإذا بمدرسة الحجرية تنشأ وتؤثر وتشتهر ثم أنشأنا مكتبة، وبدأت الأمور تسير رويداً رويداً، إلى أن دخلنا في صراع مع الحكومة، كان لابد من أن يحدثوا لنا فتنة، ولابد من أن يفصلوا هذا البلد كما فصل لبنان وسوريا، جاء أحد أبناء الإمام إلى الحجرية “الأمير القاسم بن الإمام يحيى حميد الدين الذي زار الحجرية ومعه الأمير علي الوزير في سنة 1935م” وقال: “ذبحان هذه ستكون كلبنان” وذهب إلى الإمام الذي أمر بسحب الأستاذ حيدرة فأخرجوه حالاً، وأتوا بمعلمين آخرين إلى المدرسة بعد هذا الحادث سحبت نفسي وقررت أن أذهب إلى الحج وكانت بعثة مصرية قد جاءت إلى اليمن وزارت بعض مناطق اليمن ووصلت إلى المدرسة وأعجبت بها وكتبت عنها سمعوا التلاميذ يخطبون ويدردشون وأعجبوا بهم. بدأت الأوضاع تتغير وبدأت الكتب تصل أيضاً، أثناءها قررنا تكوين جمعية هدفها شراء الكتب وغير ذلك، فأوحي للإمام يحيى بأن هذه الجمعية ضد الحكم. الدراسة في الأزهر هل أسميتم هذه الجمعية؟ نعم، دعوناها باسم “الجمعية اليمنية” أخيراً رحلت إلى الحج في سنة 1936، ومن الحج إلى مصر عندما وصلت إلى مصر كان في خيالي بأني سأدخل الجامعة المصرية لأن أسلوب الأزهر وتعليمه يشابه تعليم زبيد لهذا أردت أن أدخل الجامعة المصرية، ولم يكن عندي أي علم بمقدمات الدخول وصلت وأتصلت بسليمان حزين لأنه كان يرأس البعثة إلى اليمن أيام الملك فؤاد فأخبرته بأنني أريد أن أدخل الجامعة؟ قال لي: هل لديك شهادة البكالوريا؟ قلت له: لا، ثم سأل عن الشهادة الثانوية ولم تكن موجودة، وأخيراً قال لي: لابد أن يتعلم الطالب اللغات الأجنبية، وأن يكون لديه الشهادة الثانوية أيضاً لكي يقبل في الجامعة، لكنني أفضل لك الأزهر لكي تأخذ الشهادة العالمية من هناك، ذهبت إلى الأزهر استقبلت هناك وامتحنوني، وكان الامتحان قراءة آيات من القرآن أخذت أقرأ، ولما قرأت دهشوا وقالوا ما شاء الله، بارك الله فيك، قالوا لي: هل تعرف اللغة العربية والنحو! قلت لهم: أعرف ولكن ليس مثلكم فقالوا لي: يجب أن تنتسب حالاً، وسجلوا اسمي ودخلت الأزهر هناك في الأزهر يوجد قسم يسمونه القسم العام، تستطيع فيه أن تأخذ الشهادة العالمية خلال سنة. تسأل عن المواد التي ستمتحن فيها ومن ثم تحضر نفسك للامتحان، ويعطوك الشهادة العالمية، اندمجت في الأزهر وبالمجتمع. ودخلت روح المقاومة للوضع في اليمن، كنت قد تشربت بها وخرجت من اليمن لأن الحكام فيها لم يمكنونا من العلم، ولأني كنت قد عرفت الاستبداد الذي يسود في البلاد، وكان يتصور لي بمجرد أن يخرج الإنسان من اليمن سيكتب عنه أبو الحسن،؟ وأبو الحسن هذا هو محمد علي الطاهر، فلسطيني من يافا، كان يصدر جريدة اسمها جريدة “الشورى” أصدرها في يافا سنة 1924، وانتقل بها فيما بعد إلى مصر وكانت الجريدة الوحيدة التي تصل إلى كل الأقطار العربية وتنشر الأخبار وكان الكتاب فيها من كبار الكتاب، ومنهم الأمير شكيب أرسلان، وسعد الله الجابر، وأمين الحسيني كانت هذه الجريدة تصلنا إلى اليمن ونتصور أن الدنيا كلها أبو الحسن، كنا نخرج ونشتكي له أحياناً كان ينشر في جريدته نقداً للأوضاع في اليمن ولأوضاع الإمام ويقول إن اليمن بحكم الإمام متخلف ومتأخر. كان اليمنيون في المهجر يكتبون إلى أبوالحسن ويستقدمون الجريدة وعندما كانت هذه الجريدة تصل إلينا كنا نرتاح لها، ويخرج الإنسان من اليمن يسأل عن أبو الحسن، ويشرح له حال اليمن، لم يكن خروجي رغبة في الإقامة بمصر ولا من أجل العلم، وإنما من أجل اللقاء بأبي الحسن، وكان الأزهر عبارة عن مأوى. وزرت أبو الحسن في مكتبه، وحين دخلت إلى مكتبه كان عنده رجال من المكافحين الأولين من أجل استقلال الجزائر وتونس، وكان الرجل يتمتع بشجاعة نادرة، ولذلك تنتشر جريدته خارج مصر، وكانت الحملات تشن على الجريدة من الانكليز والفرنسيين لإيقافها، فكان الإنسان يتصور أية قوة وراء هذا الرجل تعطيه هذا القدر من المهابة والتأثير.