هل انتقلت عائلة الزبيري إلى عدن؟ طبعاً، وعائلتي أيضاً، أم الأولاد محمد وعبدالرحمن ماتت بعد أن هربنا في عدن وكان لها تأثير إلى حد بعيد حتى أن موتها كان أول محنة بعد خروجنا ولما رآني الزبيري متأثراً نظم أبياتاً يعزيني بها، منها: كفكف الدمع واعتصم بالعزاء ليس في الحرب فرصة للبكاء ومنها أيضاً: ياصديقي في مبدئي يازميلي في جهادي ياسلوتي ياعزائي كنت أعددت أدمعا فتماسكت ونهنهت أدمعي وبكائي خفت أن يحسب الخصوم بأنا قد خضعنا لمحنة وبلاء ابكها ما استطعت وحدك واملأ ساحة القبر من دموع وفاء سقطت كالأبطال في ساحة الحرب وكانت طليعة الشهداء كانت العلاقة التي توطدت بيني وبين الزبيري مصدر كل ماحدث من حركة وكنا لانريد أن نعلن اسم شخص لئلا يتعرض للأذى هذا كان سبب تشددنا ولكن الاخوة كانوا يعتبرون أنه عدم ثقة، ويقولون إن الزبيري ونعمان محتكرون لكل شيء ولكني كنت أتحمل كل الاعتراضات في سبيل مصلحة أصحابي. الشامي والموشكي من هو الشامي ومن الموشكي؟ هما من الرواد الحقيقيين وكانا عونا للقضية ومن الأحرار فعلاً ولكن هناك درجات حساسية تصنع النفس الانسانية في بعض النواحي لابد منها وكان بعض الأشخاص الآخرين مثل مطيع دماج، ومحمد الفسيل وعقيل عثمان وغيرهم من الأشخاص الذين حقدوا علينا بدوافع أيضاً غير الخلاف مع أولئك كان دافع هؤلاء المركز الأدبي، لأن الشامي والموشكي والزبيري وأنا، عندما أوقفنا عن النشاط السياسي عملنا كلنا مدرسين ذهبنا للعمل بالتعليم وكنا نتقاضى رواتب التدريس وكان مايعطى لهؤلاء الاخوة يأتي من المهاجرين من الحجرية، من أهل وأصحاب واخوة من الأسرة فكان مايزودوننا به دائماً يكون من أجل القضية، ولا يعرف به إلا الزبيري ولاشعر الآخرون بشيء إنما أنا شريكهم في الغذاء، كما يأكلون آكل معهم وأنا معهم، نحن سيان في هذه الأشياء وصرنا نحن الأربعة، أنا والزبيري والشامي والموشكي نمثل القيادة السياسية وكان آخرون يثيرون الموشكي والشامي علي وعلى الزبيري، ويظلون يحاولون التفريق بيني وبين الزبيري، لكنهم لم يستطيعوا أبداً ظلت الوحدة الحقيقية بين نعمان والزبيري، وهي التي ظلت أداة لوحدة الأحرار ورمزاً للاخوة، خاصة وأنه كان محسوباً من الزيدية وأنا شافعي ولهذا لن يفرق الناس بين الزبيري والنعمان، أو بين الزيدي والشافعي. كانت هذه الوحدة من الأسس التي ظلت دائماً لقضية الأحرار وللوحدة الوطنية هؤلاء الاخوة بعد أن انقسموا ورجعوا إلى عند الإمام عادوا إلى مناصبهم فترة، ولكن كانوا يحسون أنهم مطعونون ومتألمون منا لأننا لم نشركهم في أخص الأسرار ونحن كنا نحترمهم ولكن كان لكل واحد حدود وذات مرة جاءوا إلي يشتكون من الزبيري، فاستشهدت ببيتين لشاعر عربي يقول فيهما: فيا واشيي عفراء بالله خبرا بمن وإلى من جئتما تشياني بمن لو أراه عانيا لفديته ومن لو رآني عانيا لفداني هكذا أغلقنا الباب تماماً وحاولوا أن يشككوا الزبيري في، ولكن مر كل شيء وبقينا نحن باصرارنا العنيد ضاق الناس بنا وكنا نحن لانشكك في الآخرين. نمضي في شأننا والثقة قائمة ولاشك يتسرب إلينا فلما بدأت حركة الأحرار تقوى وتنتشر بفضل الصمود والوحدة الوطنية التي بيني وبين الزبيري، جاء سيف الحق إبراهيم ابن الإمام يحيى وانضم إلينا وخرج من قصر السلطان عبدالله بن عبدالكريم من عدن، وجاء لينضم إلى الأحرار استأجرنا له في الفندق واشترينا له سيارة، كل هذا كان مرصوداً لكي ترفع القضية نزل السيد أحمد الشامي وهو صديقنا من عند ولي العهد أحمد لكي يستدرج إبراهيم من بيننا ويعيده إلى اليمن. وكانت هذه أول ضربة توجه إلى الأحرار لونجح كان لنا تأثير على سيف الحق وكان نقياً كان يتحلى بالبساطة أحياناً ويؤثرون عليه، ولكنه كان قوياً في هذا الموقف تفاهم معهم على أن يسددوا ماعليه من ديون وماعليه للفندق، ولأحد التجار، ويأتوه بأمان من عند أخيه أحمد بأن لايناله مكروه رحبوا بهذه الفكرة ودفعوا للفندق في حين كنا نحن قد أعددنا له سكناً مستقلاً وتفاهمنا معه على أن يرتب حاله وعند الخروج للعودة معهم سينتقل إلى المكتب ذهبت أنا إلى بعض الأشخاص اشتكي سيف الحق إبراهيم وكنا كلفنا الزبيري بأن يقوم بهذا الدور ولكن الزبيري قال: أنا لا أطيق ذلك، قلت له: الحرب خدعة، ونحن في حرب. قال: اخدع بالنيابة عني، فذهبت إلى أحد الأشخاص من أنصار الإمام أحمد والذين يريدون من إبراهيم أن يعود وقلت لهم: هذا لاخير فيه، غدر بنا وصنع بناكذا. قلت ذلك ليثبت لهم أن الأمير إبراهيم أيدهم وذهبت إلى إبراهيم وأخبرته بالحقيقة أنني رتبت كذا فسددوا أولاً حساب الفندق، وتحملوا عشرة آلاف روبية لتاجر كان الأمير إبراهيم مدينا له، لأننا كنا نتحمل نفقات كثيرة للأمير إبراهيم ونريد أن نسددها فهذه مساعدات خاصة والناس قد يضيقوا إذا لم نقتصد فتحمل ذلك التاجر الذي شكوت له من إبراهيم (لعله الجبلي، وكيل الإمام) النفقات. وخرجوا وهومعهم، فقال لهم: أريد أن أمر لأودع الزبيري ونعمان لأنهم يطالبونني بمبالغ، سأستقل معهم السيارة خرجنا نحن وهو معنا في السيارة وهم خارجون بعده بسيارة إلى الطريق في اتجاه تعز وقد أبرقوا إلى ولي العهد بأنه سيصل في تلك الليلة.. رجعنا إلى دار النهضة وكنا قد استأجرناها بعشرين ألف روبية، قسم منه للأمير إبراهيم وقسم للأعضاء وقسم للمكاتب، وقد نشرت الصحف هذه القصة. وسارت العلاقات مع الزبيري على هذا النحو، فبدأت تثور الثائرات ويترسب في النفوس أن نعمان والزبيري ثائران وظل الإخوان في مصر المرتبطون بنا، وبخاصة محمد صالح المسمري من الأحرار ويحيى زبارة، يؤيدون خطوتنا وموافقون على أن تبقى القيادة متماسكة، عشنا على هذا النحو من التضامن والتماسك مع الزبيري إلى أن جاءت سنة 1948 وقتل الإمام يحيى وأعد الدستور. فعدنا إلى اليمن، ولكن كيف نلتقي نحن والزبيري مرة أخرى؟ بقيت أنا في سجون حجة سبع سنين وهو في باكستان ومصر، ولكن كان يرسل الرسائل إلى الإمام أحمد “أصبح بعد قتل أبيه في سنة 1948 إماماً” لكي يعطف علينا، وكانت رسالته مؤثرة إلى حد كبير ويقول فيها: “أقسم بالله إني لم أنم على فراش وثير، ولانلت لذة أنت منها محروم، ولانمت وأنت ساهر، ولا انطلقت وأنت سجين”، يعني مشاعر الإخاء الحقيقي وتدور الأيام دورتها علينا نحن والزبيري إلى أن جاءت أحداث 1955 الذي قام فيها سيف الإسلام عبدالله “بمحاولة للاستيلاء على الإمامة من أخيه أحمد” بقي الزبيري في باكستان، وتركه زميله عبدالله بن علي الوزير إلى الهند حيث مات، وبقي هو يذيع من إذاعة باكستان أحاديث دينية يكسب منها ما يقتات به. وكنا نحن لانعلم كيف سارت الأمور المطبعة التي اشتراها الأحرار لطباعة صوت اليمن أخذت من عدن إلى الإمام أحمد إلى تعز ونحن في السجن واليمنيون دائماً يصابون بفشل بعد الهزيمة ويصبون اللعنات على رؤوس المهزومين. الناس إخوان من والته دولته وهم عليه إذا عادته أعوان أو: والناس من يلق خيراً قائلون له مايشتهى، ويصيب المدبر الهبل حينما ينتصر الإنسان ولو كان على باطل يهادنونه، وحينما ينتكس ولو كان محقاً يلعنونه هذه طبيعة البشر، وهكذا أحدث هذا الفشل بعض التشتت بين الأحرار. بقينا نحن في السجن مع إخواننا والزبيري في باكستان يحتال على الإمام ويبرق ويكتب في سبيل التخفيف عنا، ويشعر الإمام بأنه معنا، وأنه بعد أن تهدأ نفسه سيعود، وكان هو من العوامل التي هدأت عواطف الإمام بالنسبة إلي،اعتقد الإمام أحمد أنه ربما يأتي الزبيري ويأتي آخرون ولم يكن عند الإمام حقد شخصي لأنه كان بيني وبينه ود، عندما كان الزبيري في باكستان وأنا في السجن، بدأت أتبادل الرسائل معه من السجن، ثم انتقل الزبيري إلى مصر، وكان للإخوان المسلمين فضل في نقله، كانت هناك علاقات قديمة بالإخوان المسلمين الأولين الذين حاربوا مع عبدالناصر في فلسطين في 1948، انتقل الزبيري إلى مصر وبدأ يذيع أحاديث من صوت العرب، لكنها كانت أحاديث معقولة، ولم يكن يتحدث بما قد يثير الإمام. وكان الإمام يعرف العلاقة بين نعمان والزبيري، ويعرف أن اليمن كلها تعرف أن الاثنين واحد، ظل الزبيري يكتب لنا، وكانت الحالة قد تحسنت عندنا في اليمن. وجرى أخذ ورد، وأنا باق على العهد مع الإمام أحمد، لم أكن أرغب في أن أخرج عليه بعد أن كان موقفه معي كريماً إلى أبعد الحدود، لأنه لو كان حاقداً علي لكان باستطاعته أن يختلق أي مبرر، ولكنه كان يعاملني كصديق فعلاقتي به كصديق من أوفى الأصدقاء، كذلك أبنه البدر، بدأنا نحن من السجن أنا والقاضي عبدالرحمن الإرياني الذي كان سجيناً أيضاً، نبعث رسائل إلى الأمام أحمد ونلفت دائماً النظر إلى ابنه البدر ولي العهد، نثير فيه الشفقة ونهيئه لأن يكون ولي العهد ونحن جنوده، كان هذا يؤثر في الإمام، وكان الزبيري يفعل الشيء نفسه من الخارج، كان يعرف علاقتي بالبدر، فيظل يكتب إلى البدر من جانبه، وصادف أن خرج البدر إلى مصر بعد الثورة المصرية وكان الزبيري قد جاء إلى مصر فالتقى بالبدر وظل يراجعه في شأننا والبدر يطمئنه ويقول له الأستاذ نعمان أستاذي لاتخف عليه. فنحن نعمل ونكتب معاً، جاءت أحداث سنة 1955 ضد الإمام، وكنا نحن والأحرار في الداخل والخارج مع البدر، نظهر كأننا بجانب الإمام أحمد وضد إخوته، لأن إخوته كانوا دائماً حاقدين علينا باعتبار أننا أعداء الإمام يحيى ويعتبرون الأحرار قتلته، وعندما ذهبت إلى السعودية وجدها الزبيري فرصة وزار السعودية من مصر لكي نلتقي، وكان الناس يتلهفون لمعرفة كيف سيكون لقاء نعمان والزبيري بعد هذا الفراق الطويل، حتى البدر نفسه، هذان اللذان قاما بهذه الحركة وهذه كلها آثارهم وفرقهم الزمان فجعل أحدهم في السجن والآخر في باكستان، ثم تأتي الأيام فتعيدهما ويلتقيان وكان لقاء مؤثراً حقاً قلت له يريدون أن تعود معنا من مصر إلى اليمن، احتقن الدم في وجهه وقال أعود إلى اليمن؟ لوعدت أنا وأنت سنقتل معاً، وكان الإمام أحمد يغريه كي يعود معنا، وألححت عليه فرفض وقال المصلحة أن أبقى في الخارج من المستحيل أن أعود الآن ظل في القاهرة ورجعت أنا والبدر إلى صنعاء وعندما حدث الخلاف بيني وبين الإمام انتقلت إلى القاهرة. إصدار صحيفة صوت اليمن ذهبت في أول زيارة أنا والبدر، وبعدها خرجت من اليمن والتقيت بالزبيري. ماذا نعمل؟ أصدرنا “صوت اليمن” من مصر كان ذلك سنة 1955 رحبت مصر بهذه الفكرة لأنها تريد من يعمل ضد الحكومات العربية سمحوا لنا بإصدار “صوت اليمن” وبالإذاعة من صوت العرب وبدأت في ألقاء الخطابات حتى بلغنا أن الإمام حطم الراديو عند سماع أحاديثنا لأنها كانت مفاجأة لم يكن يتصورها وهو على حق، لكنني كنت مخدوعاً بأنني أعمل لليمن، ففي سبيل اليمن كنت أضحي، وقد ضحيت بأهلي، فأهلي كلهم دخلوا السجون أيام الهجرة الأولى أنا والزبيري، لم يبق أحد من صغيرهم إلى كبيرهم لم يتعرض للضرر كانوا يعيشون في السجون والنساء مشردات فكان عند الإنسان إيمان باليمن، ويتساءل دائماً كيف ستسير؟ وماذا سيحدث لها؟ لهذا لم أنس كل ما فعله الإمام، ولكن قلت أعاتبه بدأنا نطلق أحاديثنا، وبدأ الزبيري يقدمني للمستمعين قائلاً: ستستمعون اليوم لنفس من أنفاس اليمن وصوت من أصوات اليمن، إنه فلان فكنت أتحدث وكان الحديث مؤثراً إلى حد بعيد في أوساط اليمنيين، إلى جانب تأثير الثورة المصرية بقيت أنا والزبيري معاً في السراء والضراء وهنا انطلقت العداوة، والحقد، وبدأت الاتهامات توجه لنا بأننا لصوص وسرقنا مال الأحرار. من وجه لكم هذه الاتهامات؟ من اليمنيين أنفسهم ومن بعض الأحرار المدعين. مثل من، مثل الشامي؟ كلا، عاد الوئام بيننا مرة ثانية لأنه سجن معنا سنة 1948 فبعد ذلك الخلاف التقينا نحن والشامي والموشكي، إلى درجة أن الموشكي أعدم سنة 1948، عاد واتصل الشامي بنا وسجن معنا سبع سنوات، كان محكوماً عليه بالإعدام وكلمني الإمام أحمد من أجله وقال لي بالنسبة للسيد أحمد الشامي فهو محكوم عليه بالإعدام فشرحت له أن ليس له اختيار وأنه في عنفوان شبابه ومضلل ومخدوع من جملة المخدوعين، قال : نفسي تنازعني فيه مابين الواجب والعاطفة، الواجب أن يقتل ولكن عاطفتي لا تسمح بذلك لأنه صغير السن، استمر الوئام بيننا نحن وهؤلاء،ولكن وجدت عناصر كثيرة. مثل من ؟ الأسماء التي وردت هنا مثل مطيع دماج، والفسيل، والأسودي، وشعلان، أسماء كثيرة تصدرت للعداء، بعضهم كانوا منضمين إلى الإمام أحمد لأننا نحن الآن مهزومون ليس بيدنا صحيفة ندافع بها عن أنفسنا،فانطلقت التهم والتخوينات.. تواجدت فئة كانت قد أصبحت بعثية، اعتبروا أن فكرة الأحرار قد انتهت وجاءت تيارات جديدة: الناصرية ،البعثية والشيوعية والقومية، أصبح الطلاب منتمين لأحزاب متفرقة، أما نحن فبقينا يمنيين، وكان من الشاب من أبنائنا محسن العيني ومحمد الرعدي، وكتب محسن العيني كتاباً يدافع فيه عن الأحرار بعنوان “ معارك ومؤامرات ضد ثورة اليمن” دفاعاً عن الزبيري ونعمان، قال فيه لولا هذان الاسمان من أين نعرف الوطن أو الوطنية أو نعرف أن لنا حقوقا، وفي الكتاب حملة على الانشقاقات التي وقعت، لأنه بعد مغادرة اليمن إلى القاهرة كانت وجدت جماعة مرتبطة بنا في القاهرة، منهم السيد عبدالرحمن أبو طالب، وأبناء علي الوزير، وحسين المقبلي،والجناتي، أسماء كثيرة ظهرت وكانت مع الزبيري فانشقت بمجرد ما سحبت الحكومة المصرية تصريح إصدار “صوت اليمن” وأسكتتنا من صوت العرب، انضموا إلى الإمام أحمد، وتوزعوا في المهاجر ليشنوا حملة على الزبيري والنعمان، وركزوا الحملة علي أكثر من الزبيري باعتبار أن الزبيري غير مسؤول،فأنا المسؤول وهو في رأيهم آلة بيدي.