يتسلل صوت الموسيقى الصادر من سيارة بيع الأيسكريم المتجولة إلى نافذة حجرتها، ينقض على مسامعها على غير عادته بوحشية رغم عدم تغيره أو حتى استبداله بنغمات أخرى. تطل من نافذتها، تقذف عيناها كل ما يعيقها عن تتبع السيارة منذ ولوجها للحارة، يشدها تقافز الأطفال كل باتجاه منزله طلباً للنقود قبل أن تغادر السيارة، يبهجها خروجهم من ثنايا الأزقة يسابقون أقدامهم للوصول إلى العربة، يحرضها تجمعهم حولها على فعل مماثل لا تستطيعه. تزيل عن يديها المقبض الحديدي للنافذة بعد أن طوقته بقوة للحظات، تجلس ذكرياتها على الكرسي أمامها.. - “ماما.. ماما أرمي لي نقوداً لأشتري أيسكريم فراولة” يوقظها صوت “حمادة” ابن جارتها في الدور الثاني. هي أيضاً تحب آيسكريم فراولة.. كانت تعيد نقودها دون نقصان، عادة في اللحظة الأخيرة دون أن تشتري آيسكريم فراولة.. يدلل أطفال الحي جميلته ويتناوبون شراءه لها. الآيسكريم الذي يذوب في يدها بحرارة غيرة الصديقات وتباهيها.. - ماما.. أرمي لي نقوداً أريد المزيد .. آيسكريم الفراولة لذيذ.. هي أيضاً.. كانت تطلب المزيد.. آيسكريم الفراولة..! لذة آيسكريم الفراولة.. كل خطَّابها كانوا يجلبون لها قالباً كبيراً منه عند زيارة والدها الذي اقتنع بأنها موضة الجيل الجديد، فمن غير المقنع أن تكون مصادفة جلبهم جميعاً لقالب آيسكريم فروالة بالذات.. عوضاً عن الأزهار التي كانت سائدة على أيامه. القالب الذي ما أن يحط حتى تزيحه ابنته جانباً كأنما تنتظر قالباً بمذاق ألذ. - ماما.. أرجوك..! لن يعود بائع الآيسكريم غداً.. إرمي لي نقوداً لأشتري المزيد.. هي أيضاً… تباعدت المسافة بين قوالب آيسكريم الفراولة التي كانت تأتيها حتى انعدمت.. تزين حائط حجرتها بلوحة آيسكريم فراولة داهمتها خطوط سوداء تتعمد وضعها كلما طالت عيناها بياضاً يغزو ليل شعرها، تطل من نافذتها ترقب أطفالاً أهدى لهم أباؤهم يوماً آيسكريم فراولة وغادروا دون أن تأكله.