سعيدة تعمل في مصنع الغزل والنسيج منذ افتتاح المصنع في منتصف الستينات كعاملة نسيج مع فتيات جيلها وبجانب أخيها الرجل .. توقفت عن العمل بسبب حصار صنعاء وضرب المدفع للمصنع .. سعيد يعمل في عمل آخر. بدأ الحوار بينهما عندما قام سعيد بتجهيز نفسه للذهاب الى مقر المقاومة الشعبية لأداء نوبته في حراسة احد شوارع العاصمة واخذ التوجيهات المباشرة من رئيسه .. كانت هناك مناوشات عند الجهة الشرقية لبني حشيش . . النسوة العائدات من ( التفرطة ) يتحدثن عن المدفع الذي يضرب على مشارف صنعاء وعلى المصنع .. جاء ذلك بعد يوم حافل من الانتصارات لقواتنا المسلحة . اخذ سعيد سلاحه التشيكي وراح يتخطى سلالم المنزل.. كانت سعيدة وراءه ترتدي (ستارتها ) شرشفها الصنعاني . بخطواتها الرقيقة لاتريد أن يعرف بها . سعيدة : كان الندى رقيقا . هل صحيح ياسعيد أن صنعاء ستسقط في أيدي الملكيين ؟ سعيد : ومن قال لك ذلك ؟ سعيدة : النسوان بيحكين في التفرطه . وان الملكيين محيطون عليها من كل مكان وان الجبل الطويل قد سقط بيد الملكيين .. هو الآن بيد المرتزق .. ويدعى .. مشتي أقول اسمه .. وإنهم متقدمون عن طريق عصر , سعيد : هذا كلام نسوان لا تصدقيهن يا سعيدة .. كلنا فداء لصنعاء . ولن يستطيعوا دخولها مادمنا على قيد الحياة . نحن هنا بالمرصاد لكل من تسول له نفسه رجال ونسوان .. كانت سعيدة تسير وراء سعيد في خجل لاتعرف كيف تعبر عن حبها له. تداخلت الكلمات وكأنها تفقد شيئا، الكلام تسمر في حنجرتها . سعيد : هيا ارجعي يا حبيبتي . لم يستطع أن يخفيها سعيد أيضا (أضاف ) : لاتخلي في خاطرش أي شي . غدا ستذهبين إلى المصنع وسترين الرجال حاملين السلاح للدفاع عن صنعاء. سعيدة : اني داريه قالوا أن المدافع تضرب على مشارف صنعاء. وما هذا الذي نسمعه من ضرب. كانت سعيدة لاتزال تهمهم بكلام وهي تجري بعد سعيد . ترفع طرحتها وتخفي معالم وجهها . سعيد : هذه مناورة تقوم بها قواتنا .. والمدفع الذي يضرب على مشارف صنعاء وعلى المصنع قد استولت عليه قواتنا المسلحة . هيا ارجعي . وخلي بالش على أمش .. هيا ارجعي . سعيدة : وأنت أين سائر ياسعيد ؟ سعيد : أنا رايح - اخذ ورديتي في الحراسة وأشوف اخواني هناك في المواقع الأمامية واشترك في ألمناورة حق قواتنا المسلحة .. كان الحصار قد أحكم على صنعاء .. الشمس على وشك الغروب وبرد تشرين يدخدخ الأجسام . الناس لا شغل لهم سوى التحدث عن حصار صنعاء وعن المدفع الذي يضرب على مشارف صنعاء اخذ سعيد طريقه بخطى ثابتة حاملا معه بندقيته التي هي سلاح المقاومة أما سعيدة فقد ظلت تنظر إليه من طرف خفي حتى غاب عن ناظريها.. غابت الشمس عن الأفق وبدأ الليل يفرد رداءه . عادت سعيدة بخطى متثاقلة وهي تفكر باليوم الذي سينزاح هذا الكابوس عن صنعاء وتفرح هي بسعيد ، أصلحت طرحتها واستدارت للرجوع الى منزلها .. حل الظلام على صنعاء وبدأ أزيز الرصاص وأصوات المدافع تأخذ مكان الهدوء .. في فترة القيلولة . جلست سعيدة في عقب الدار ترصد تلك الطلقات الكاشفة وهي تفكر بسعيد الذي ذهب منذ ساعة يحمل بين ضلوعه بندقيته .. ظلت سعيدة جلوسها أمام منزلها تدعو الله بأن يحفظ صنعاء ويحفظ سعيد وإخوانه الذين معه .. اذرفت دمعه ساخنة مسحتها بطرف سترتها وأغلقت دارها . ( غداً سأذهب الى المصنع وسأرى بنفسي .. لقد تركت المصنع منذ أن ضرب ذلك المدفع شعوب ) قالت في نفسها ، ثم سمعت دوي انفجار قوي هز المدينة طلعت مسرعه إلى أمها . الام :ماذا اسمع ياسعيدة .. لملمت سعيدة اخوانها الصغار الى غرفة قرب أمها . الام كانت كفيفة لاترى شيئاً . سعيدة : بلا العسكر يضربوا بالمدافع .. قال سعيد أنها مناورة . الام : هذا ضرب قوي . سعيدة : والله مالي علم !! قالوا إن صنعاء محاصرة من قبل الملكيين هذا ماسمعت من بيت التفرطة. الام : اغلقي باب الدار وهاتي لقمة وقهوة نأكلها احنا واخوتش ( قده ليل ).. ظلت سعيدة تفكر بسعيد ولم تنم تلك الليلة تنتظر سعيد . يأتي الصباح ولم يأت سعيد تذهب سعيدة الى مصنع الغزل والنسيج لترى بأم عينيها الرجال حاملين أسلحتهم للدفاع عن المصنع، تلتحق سعيدة بأفراد المقاومة تتدرب على السلاح لتحمي أول مكسب للثورة .. طردت تلك الخواطر من مخيلاتها . يزداد الحصار على صنعاء ويركز العدو ضرباته على المصنع وبدأت المواد التموينية والبترولية تأخذ بالتناقص .. وتسقط بعض الجبال المطلة على صنعاء مثل تبة النهدين وبعض من أجزاء عصر وتزداد الحرب ضراوة لتقف المقاومة وافرد الشعب في خندق واحد .. توقف المصنع عن العمل ليكون هدفا لضرب المدفع اللعين، يستمر الحصار سبعين يوما ظلت سعيدة تنتظر الغائب .. كان الضرب قد وصل إلى مشارف المدينة . . ويأتي الفرج بفضل الله ثم اولئك الابطال الذين زرعوا الأمل وحققوا بدمائهم الزكية أروع انتصار .. وتنقلع تلك الغمة عن صنعاء . ويعانق نقم عيبان تخرج يومها سعيدة تبث حبها الأول و لكل الناس , توزع الكعك للعائدين من مواقع الشرف ممن دافعوا عن صنعاء .. تبحث عن سعيد الذي لم تره منذ خروجه في أول الحصار من داره لم تجده ضمن القادمين .. تنظر إلى وجوه الناس لم تر سعيدا ضمن العائدين، الجماهير ترفع علم الجمهورية وشعار المقاومة ( الجمهورية أو الموت ) كان الناس عائدين يحملون مشاعل الحب والنصر وهي تبحث عن الحب في الوقت الضائع.. سعيدة تبحث وتبحث هنا وهناك لم تجد (سعيد) لكن وجدته هناك ضمن قائمة الشهداء الذين أعلن عنهم .. والذين وزعت لهم نياشين البطولة . زغردت سعيدة وراحت تبحث عن بندقيته التشيكي التي كانت معه لتحملها وتحتفظ بها لتكون رمزاً للمقاومة ولحبها الذي ماضاع أبدأ .. ولن يضيع ماكانت الحياة .