رمضان محطة روحانية ذات خصوصية في أجوائها وسلوكيات المجتمع المسلم الذي يتخذ من هذا الشهر الفضيل موعداً يجدد فيه حياته، ويتعود خلال أيامه على التحلي بالصفات الطيبة التي يجلبها رمضان بنفحاته، فتصفو النفوس، وتتهذب، وتتقي الوقوع في منزلقات الأخطاء والكسل والإهمال والكراهية، وتعلو الهمم لأن هذا الشهر الكريم ذو طقوس خاصة، ويتعلم منه كل مؤمن الجود والإنتاج، والمثابرة والإتقان، والإخلاص والصبر والحلم والتأني فهو شهر الصبر.. وفيه أنزلت التعاليم السماوية والتشريعات الإلهية على سيد البشرية محمد عليه الصلاة والسلام. ولأن حكمة الله اقتضت أن يصفد شياطين الجن لإعاقتهم عن تنفيذ مخططاتهم للإغواء، والحؤول دون تعكير الصفاء النفسي والنقاء الروحي لبني آدم طيلة أيام وليالي شهر الرحمة والبركات الربانية.. فإن العدو اللدود للإنسان صودرت منه قوته التدميرية، وتم تجريده من أسلحته التي تلوث صفاء وسكينة الصائمين، ولم يتبق للنفس البشرية من خصوم إلا هي ذاتها التي يحملها بنو آدم، ورمضان من أفضل الأوقات لإعلان حالة الانسجام بين المطالب العبادية وبين التزود من النفحات الروحانية، والتخلص من شوائب تعلقت بالأجساد وأدران أصابت القلوب في «330» يوماً. وإذا مانجح المسلم في تزكية نفسه من عوالق دنيوية، وأقام علائقه الربانية، فذلك أعلى رصيدٍ يحققه، وأغلى ربح يكسبه.. وهو الغاية المأمولة من فريضة الصوم، المتضمنة في قوله تعالى «ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، إذاً فالنجاح والأرباح الحقيقية هي بلوغ الإنسان بنفسه تهذيباً قولاً وعملاً مراتب الانسجام ودرجات الوسطية والاعتدال بين فرائض الدين واستحقاقات الدنيا، مرضاة لله تعالى، وتجديداً للحياة كي تسعد البشرية، وتذوق طعم العبادة، ولذة التقوى، فتصفو النفوس، وتعلو الهمم ويلبس الكون سندس المحبة، واستبرق التسامح، وتتغذى القلوب الطاهرة بسحور الإخلاص، فيكون إفطارها الدائم الصبر الجميل، والشكر للكريم الجليل. المحرر