تجسد مشروعية الزكاة في الإسلام إحدى مبادئ التراحم والتكافل الاجتماعي بين أبناء الأمة ووسيلة إصلاح النفوس وتهذيبها وتزكيتها من دنس البخل والشح والطمع وتنويرها بنور الإيمان والخيرات والبركات . ولا يكتمل إسلام المرء وإيمانه إلا بإخراج الزكاة الواجبة لأي نوع من أنواع الأموال باعتبار أن الزكاة ركن رئيسي من أركان الإسلام والذي أجمع الأئمة على وجوبها وتأديتها كضرورة حتمية لها أثار ايجابية في تعزيز دعائم المجتمع وتوفير الرعاية الاجتماعية لكافة شرائح المجتمع. وبينت السنة المطهرة مكانة الزكاة في الإسلام لحديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم “ أخرجه البخاري ومسلم . ويقول العلامة محمد بن إسماعيل العمراني:” إن الزكاة ركن من اركان الإسلام لا يتم إسلام المرء إلا بإخراجها وأدائها “ .. مضيفاً إن الإنسان لا يسمى مسلماً حقيقياً كاملاً الإسلام إلا إذا حافظ على أداء الصلوات الخمس وصيام رمضان وكذا شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وفريضة الحج إن استطاع . وأشار العلامة العمراني الى أن الزكاة فريضة واجبة ومن أنكر مشروعيتها فهو كافر مرتد لأنه انكر شيئاً قطعياً معلوماً من الدين وضرورة في الكتاب والسنة والإجماع .. معتبراً تارك الزكاة متساهلاً فاسقاً وعاصٍ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وأضاف :” وكأي من شخص نراه يحافظ على صلاته في أوقاتها ويصوم رمضان كل عام لكن لا يؤدي الزكاة ويتساهل في اخراجها، فهو ذلك الذي يتساهل في بعض الصلوات وبعض أيام رمضان وإذا قلت له فطر متعمداً يقول حاشا لله “ .. مؤكداً أنه لا يجوز ترك فرض من الفروض الواجبة والمكتوبة وعلى رأسها الزكاة لما ورد في القرآن الكريم “ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ “ . وهذه الآية أكبر وعيد وفي الحديث الشريف عن الرسول عليه الصلاة والسلام ما اخرج زكاته فليس بكنز وقال فضيلة العلامة العمراني : “ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليخرج زكاة ماله مهما بلغ النصاب وحال عليه الحول حتى يخشى ان يدخل في عموم الآية الوعيدية “ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ إليم “. فيما يرى فضيلة العلامة الشيخ محمد بن علي الشوكاني أحد أعلام اليمن في كتابه نيل الأوطار” الزكاة في باب الحث عليها والتشديد في منعها “ أن الزكاة ارتبطت بثلاثة من أركان الاسلام الخمسة هي الشهادتان والصلاة والزكاة لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن : إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب . وفسًر العلامة الشوكاني حديث رسول الله بأن الأصل في الدعوة الى الله يجب أن تبدأ بالشهادت لأنهما أصل الدين ولا يصح شيء إلا بهما ثم يلي ذلك بقية الفرائض من صلاة وزكاة وصوم وحج عند الإستطاعة . وبين أن الزكاة ركن من أركان الاسلام الخمسة التي قام عليها الدين الاسلامي لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “ بني الاسلام على خمس شهادة أن لا إله الا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا “ . موضحاً أنه يجب على المسلمين أداء الزكاة واخراجها حتى قبل صلاة عيد الفطر لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة أي صلاة عيد الفطر المبارك، فإن لم تؤد بقيت في ذمة صاحبها لأنها تزكي صاحبها كما جاء في قوله تعالى “ “ قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى “ . وعنه فإنه ثبت في روايات أخرى أن قوله تعالى قد أفلح من تزكى نزلت في زكاة الفطر كما روى ذلك ابن خزيمة قوله “ زكاة الفطر” أضيفت الزكاة إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان وقال ابن قتيبة المراد بصدقة الفطر صدقة النفوس مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة . ولم يبين العلامة الشوكاني في كتابه باب الزكاة مشروعية الزكاة لفرضي الصيام والحج، لكنه رجح القول لعدم ذكرهما في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لمعاذ عندما بعثه الى اليمن لتقصير بعض الرواة رغم ان فريضتي الصوم والحج كانتا قد فرضتا آنذاك. وأجاب الكرماني في هذا الشأن أن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر لتكرارهما في القرآن الكريم، ومن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام، وقيل إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه بشيء كحديث بني الإسلام على خمس فإذا كان الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الحج والصوم لقوله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فيما يرى العلامة عبدالله بن جارالله الجارالله في كتابه “أحكام الزكاة “ أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه ومبانيه التي لا يقوم إلا عليها واستدل على ذلك بقوله تعالى “ وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين” وقوله “ وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم اجرا واستغفروا الله . وأكد العلامة الجارالله إن الزكاة فرضت على المسلمين امتثالاً لأمر الله وطلباً لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه وتزكية للنفوس من الشح والطمع كما جاء في قوله تعالى “قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها “ . وقال أن الزكاة تطهر النفس من أنجاس الذنوب وتزكي أخلاقه بتخلق الجود والكرم وترك الشح إذ أن النفوس مجبولة على محبة المال وإمساكه فتتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام : “ خُذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم “ . وتابع: “ لقد ارتبطت الزكاة بالصلاة في القرآن الكريم والسنة المطهرة كما جاء في قوله تعالى “وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ “ وقوله “ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا “ . كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله” رواه البخاري ومسلم . ولقد حسم أبو بكر الصديق في عهده بأمر الزكاة فقال “ والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه “ . أما العلامة أبي حامد الغزالي فيرى في كتابه أسرار الزكاة أن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. أخرجاه من حديث ابن عمر . وقال العلامة الغزالي:” هناك وظائف على مريد طريق الآخرة بزكاته الأولى فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان، منها أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد باللسان قليل الجدوى “