شهر رمضان يفرح فيه المتعبدون ويتنافس في خيراته المتنافسون فهو سيد الشهور أنزل فيه القرآن لهداية الناس واخراجهم من الظلمات إلى النور وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر أي من عبادة ثلاثة وثمانين سنة نستقبل هذا الشهر الكريم ،كما استقبلته الأمة العربية والإسلامية وها نحن نشرف على توديعه في هذه الخواتم المباركة لهذا الشهر الفضيل .. « الجمهورية» استطلعت آراء عدد من المواطنين وابداء آرائهم مقارنة بين زمن الماضي وزمن الحاضر وعن العادات والتقاليد الرمضانية لاسيما في المناطق الريفية والتي كانت فرحتهم بقدوم شهر رمضان الكريم أكثر من فرحة قدوم العيد..في البداية تحدث إلينا الحاج رزاز الشميري قائلاً: إن فرحتنا زمان باستقبال شهر رمضان تختلف كثيراً عما هو الآن.. صحيح فإننا نستقبل رمضان كل عام بالطاعة وقراءة القرآن وذكر الأحاديث النبوية الشريفة ، ونتجنب فيه الغيبة والنميمة ولكنه كان في السابق ماشاء الله فيه البركة ،والرزق الوفير والأرض تنعم بخيراتها وكان الناس في زمن الماضي قليلين ليس مثل اليوم كثيرين وأصبح الغلاء له تأثير عليهم نوعاً ما ، فواجب على كل مسلم منّ الله عليه ببلوغ شهر رمضان أن يغتنم الفرصة. حتى الأطفال كانت فرحتهم لاتوصف عندما يقبل شهر رمضان وإذا قارنا بينهم وبين أطفال اليوم نجد أن أطفال هذا العصر يفتقدون لتلك الفرحة ،حيث أصبح همهم الركض وراء الملهيات كمتابعة المسلسلات التلفزيونية أو الانترنت بل أن بعض الشباب وصل بهم الأمر والجرأة لقضاء ليالي رمضان بالتسكع في الأسواق والشوارع العامة للتحرش بالنساء والفتيات دون أي رادع ديني أو أخلاقي. أما اطفال الماضي هم من يصنعون النكهة الخاصة في هذا الشهر الفضيل حيث كانت لديهم ألعاب شتى كانوا يستمتعون بها كثيراً بنين وبنات وكل جنس منهم لديه العابه الخاصة وكان الشباب حينها لاينفردون عن آبائهم وإنما يبقون في كنفهم ويستمعون إلى القرآن والاحاديث الدينية وكان شهر رمضان شبيهاً بمدرسة دينية يتلقى فيه الناس العلوم الدينية بأكملها ويحرصون كل الحرص على اداء صلاة «التراويح والتهجد» جماعة في المساجد وبعدها يذهبون لتناول القات والسمر كل يوم في بيت وأغلب الأيام في بيت الشيخ أو عاقل القرية ،وأما الآن حدث ولا حرج رعى الله أيام زمان. ويضيف الأخ عبدالرحيم دحوة قائلاً : إن رمضان هو شهر مبارك ويرحل ضيفاً عزيزاً علينا وعلى الأمة العربية والإسلامية وعندما نستقبله في الأرياف اليمنية ومن ضمنها ريفنا في السابق كان له طنه ورنه ويختلف عن وقتنا الحاضر كثيراً ،كان عندما يقبل علينا هذا الشهر العظيم نستقبله بالفرحة والابتهاج تغمر الارجاء ،حيث كان الأطفال يجولون هنا وهناك وهم يحملون بأيديهم الفوانيس متنقلين من منزل إلى آخر ومرددين الأناشيد الترحيبية الخاصة بهذا الشهر. ونقيم الليالي الرمضانية في المسامر الخيّرة والطيبة في دخول وقت السحر ومن حلاوته تلك التي عشناها في الماضي كان الناس وبعد أن يؤدوا صلاة العصر يظلون في المسجد يرددون الأدعية ويقرأون القرآن حتى وقت صلاة المغرب أي وقت الأفطار ويتبادلون طعام الفطور الذي كان قد أتى به الأطفال من كل بيت في القرية وبعد ذلك نودي معهم صلاة المغرب في المسجد ونذهب وعند المساء نعود ونودي صلاة العشاء والتراويح ومن ثم نجتمع ونلعب قليلاً هكذا كان يمر علينا الشهر الكريم بنكهته الخاصة ونودعه ونرحب بشهر شوال وقلوبنا تتقطع ألماً على شهر رمضان.. وأما في وقتنا الحاضر أصبح رمضان من عام إلى آخر وفرحتنا به تذبل شيئاً فشيئاً بسبب الظروف المعيشية التي نعاني منها جميعاً. ويحدثنا الأستاذ ابوبكر الشعبي قائلاً: أن شهر رمضان فيه تتجلى القوى الإيمانية والعزائم التعبدية وبلوغه نعمة كبرى ،ولكن أصبح المرء لايستغله كما كان في السابق وهذا شيء مؤسف للغاية فهو يأتي ويذهب وقلوب الكثيرين من الناس متكدرة وكل همهم هو كيف يوفرون المتطلبات الغذائية اليومية لهم ولأسرهم كل ذلك بسبب الحياة الصعبة التي وصلنا إليها ،حيث كنا في السابق نجتمع مع أهلنا ومعارفنا أما الآن لقد أحببنا الانطواء ولا أحد منا يريد الآخر حتى زيارة الجار أصبحت ثقيلة علينا ، مضيفاً في سياق حديثه أن المواطنين في تلك الفترة كانت لديهم قناعة في كل شيء وتراحم واحترام ولايفكرون إلا بيومهم ويصل الأمر إلى أنه يجتمع جميع أبناء القرية للسهر في ليالي رمضان ويظل السمر حتى الساعة الثانية عشر ليلاً وبعدها يذهب كل شخص إلى منزله يواصل السهر في قراءة القرآن والتعبد إلى وقت السحور وأذان الفجر ،كما أننا لم نكن نستعد للمأكولات والمشروبات التي نراها اليوم وتستعد لها كل بيت قبل حلول الشهر..وكأنه أصبح شهر الأكل وليس الصوم والتقرب إلى الله وكانت الوجبات الرمضانية في السابق لاتختلف عن بقية أيام السنة غير أنه يصبح عبارة عن وجبتين والدخن تطحن بالمطحن اليدوي ، وأما الفطور تمر وشفوت لحوح من حبوب الدخن مع الحقين الطازج وبعد صلاة التراويح يتم العشاء وهو عبارة عن لحوح بالبيض مع القهوة أو الشاهي والفتة البلدي المغمورة بالسمن والحليب الطازج البقري. منوهاً إلى موائد الطعام التي يراها اليوم فهي لاتخلو من الزيوت غير الطبيعية والتي تؤثر بشكل كبير جداً على صحة الإنسان بعكس زمان ،حيث كان الناس يستهلكون مما ينتجون ، فلم يعرف آباؤنا واجدادنا في السابق معنى مرض السرطان إلا عندما ظهرت هذه الزيوت وبينما كنت ماراً وسط الزحام في قلب شوارع مدينة تعز التقيت بأحد الشباب وطرحته عليه سؤالاً: كيف تستقبل شهر رمضان المبارك خاصة ونحن في هذه الخواتم المباركة.. وماذا يعني ذلك؟ رد قائلاً : استقبله بكل سرور وفرحة فهو يعني لي الكثير في حياتي.. إلا أن اختلافاً كبيراً بين رمضان اليوم ورمضان زمان ،حسب قوله حيث كانت الأسعار منخفضة ولايفكر المواطنون بقوت يومهم أكثر من تفكيرهم بشهر رمضان كما هو الحاصل اليوم حيث لم يعد المواطن يفكر بالشهر الفضيل أكثر من تفكيره بمتطلبات البيت والأطفال وارتفاع الأسعار. والدليل على ذلك أيضاً اختفاء معظم العادات والتقاليد التي كانت تمارس في تلك الأيام منها الموالد التي ارتبطت بالتراث والمتوارث عن اليمنيين والاجداد من آلاف السنين والدليل على ذلك تواجد الكثير منا في الشوارع والأزقة في ليالي رمضان بدلاً من الاجتماع والذكر في أماكن السمر.