المدينة التي فجرت براكين غضب رهائن قلعة القاهرة وطلبة المدرسة الأحمدية ولقاءات مطعم بلقيس واستديو أحمد عمر وهي ذاتها المدينة التي صدرت الثوار إلى صنعاء لإسقاط البدر وإلى عدن لطرد الانجليز. يجمع رجال التاريخ الحديث لاسيما من عاصروا وشاركوا في ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين أن مدينة تعز هي من صدرت الثوار ورسخت مفاهيم واسعة للثورة الخالدة سبتمبر وأكتوبر ولكون المدينة محطة التقاء رجال الثورتين سواء الهاربين إليها من عدن أو الفارين منها إلى عدن فقد أدى ذلك الانخراط الوطني ذو الاتجاهين إلى طريق واحد هو واحدية الثورة المجيدة سبتمبر وأكتوبر. وبعيداً عن نظرات الأنا والسعي وراء المصالح فقد كان هدف الثوار هو إزاحة الاستعمار وإسقاط الإمامة.. لنرى كيف تم ذلك: البعلية ولبوزة من صالة إلى ردفان الاستاذ محمد راجح ثابت البعلية قال في ندوة الثورة اليمنية: كنا في ردفان مع أناس من قبائل مقاتلة، سمعنا النداء من صوت العرب عن ثورة 26 سبتمبر فانطلقنا من موقعنا وساهمنا في الثورة في منطقة المحابشة وبعد ذلك عدنا وعاد راجح غالب لبوزة مع ستين نفراً من أصحابه.. الجيش البريطاني علم أن راجح غالب عاد من شمال الوطن فطلبه يريد رهائن منهم وأن يسلموا الاسلحة، رفض راجح غالب وتعصى فقامت الثورة في جبال ردفان واستشهد راجح في جبالها، انطلقت بعدها ثورة «14» أكتوبر، بعد الملتحقين بالثورة تقدم عليهم الجيش البريطاني حوالي خمسة وعشرين ألفاً في جسر ردفان الحبيلين متمركزاً هناك فهرب المقاتلون من ردفان إلى حدود يافع، أغلبيتهم تركوا المنطقة العسكرية، مات الأطفال من الجوع ومن القصف الجوي العشوائي لطائرات العدو في الليل ناهيكم عن الضحايا من الشيوخ والنساء والمواشي ودمار المنازل حتى خلت القرى من السكنى وتشرد من جرح فيها أو نجا في أماكن بعيدة. واستمرت الثورة حتى طلب قادة الثورة فرقة تذهب إلى تعز تتدرب على يد المصريين وكانت أول فرقة تدربت على البوازيك والقنابل والألغام. نزل مننا حوالي «18» فرداً.. توجهنا إلى صالة وبيننا سعيد صالح وقاسم عبود الزوكي، بالليل جيوب، مثنى صالح، صالح ناصر وحسين عيدروس وحسين سالم. تدربنا حوالي شهرين حتى سمح لمعظمنا بالعودة إلى الجنوب وبقي أربعة من فريقنا يتعلمون استعمال اللاسلكي والبرقية وقد حملنا عند عودتنا أول برقية دخلت ردفان تضمنت خطوات التواصل مع القيادة المصرية.. وقد كنت أنا من ضمن الأربعة الباقين في صالة وهم: أحمد جودت والزومحي وصالح ناصر دربه ومحمد عبدالله. بعد ذلك خرجنا أنا ومحمد عبدالله المجعلي بالبرقية إلى إب ثم إلى البيضاء حتى وصلنا ردفان في اليوم الثالث ومع وصولنا كانت المعارك دائرة مع الجيش البريطاني فانضممنا إلى إخواننا مع حدود يافع وكنا نشكل فرقاً للهجوم على مواقع حبيل الذنب والشحة وحبيل جلده، وكان قادتنا في تلك الفرق المهاجمة محمد الزومحي ومحمود ناصر وبالليل راجح لبوزة ومحمد البعلية ومحمد السباط ونصر بن سيف وسعيد صالح وفضل عبدالكريم وغيرهم في جبهة ردفان الشرقية أما جبهة ردفان الغربية فكانت في ماوية وقائدها السيد محمد عبيد.. كنا نتسلم الاسلحة التي تصل إلى هناك من لدى القيادة المصرية ونوصلها حتى ذي ناعم في البيضاء على ظهور «200» من الجمال حتى نوصلها إلى الخوابة في ردفان، البعض من أصحابنا في تلك المهمة أصيبوا ومرضوا وتعبوا من جور السفر فالطريق إلى ردفان طويل وشاق أما الطريق الأقرب من قعطبة فمقطوعة وفي الضالع مواقع عسكرية ضخمة للجيش البريطاني. ويعود الأستاذ محمد راجح ثابت البعلية للتأكيد واستنباط أعمق الدلالات التي حملتها تلك الفترة النضالية الهامة بقوله: لقد تميزت تلك الفترة بعلاقة أخوية بين الجميع في شمال الوطن وجنوبه بهدف التحرر من الاستعمار ويجمعها في النضال قيادة واحدة وخلال وجودنا في تعز لم نحس يوماً بأننا غرباء وكذلك الاخوة الذين كانوا يأتون إلينا في الجنوب للمشاركة في قتال العدو المستعمر وأذكر منهم عبدالسلام سيف وكان الدعم الذي نتلقاه في تعز سخياً وبلاحدود وهذه شهادة للأمانة وكان لذلك الاسهام والدعم الفضل الكبير في صمودنا في وجه القوة البريطانية والتمركز في جبهة ردفان والحفاظ على مواقعنا فيها ببسالة.