الفنان المتميز أحمد محمد ناجي كتلة من المشاعر والأحاسيس الإنسانية المفعمة بطاقات وقدرات إبداعية أشاعت البهجة والجمال في مشواره الغنائي والفني الحافل بعطاءات غنائية موسيقية جميلة رائعة تنم عن ذائقة وحنكة استندت على مرجعية موسيقية ممنهجة علمياً وثقافياً مكنته من الطواف والتحليق بفنه وبموهبته الفذة إلى فضاءات إبداعية متسعة رحبة ساهمت بفاعلية في خدمة الغناء اليمني في الداخل والخارج.. فهو العارف المتمكن على مختلف الآلات الموسيقية «والملحن الشامل» الذي استطاع بنجاح لافت غير معهود التعاطي مع كل قوالب وأشكال الغناء والموسيقى المتداولة في الإطار المحلي والعربي منها على سبيل المثال: المسرح الغنائي، الغناء العاطفي، الأوبريتات، الأغاني الجماعية الوطنية والعاطفية، فن الديالوج،الغناء الفردي بكل أشكاله وألوانه المتعددة ، أغاني الأطفال بالإضافة إلى تقديمه وتلحينه مجموعة من «الموشحات اليمنية» فقد اتسمت أعماله بفرادتها وخصوصيتها شكلاً ومضموناً بل وتُعد تجربته في تلحين الموشح اليمني من أهم التجارب في هذا النمط الموسيقي الغنائي في سياق الغناء اليمني المعاصر بشكل عام. رافد للفنانين والفرق الموسيقية قدم الفنان الرائع أحمد محمد ناجي مجموعة من الأصوات الشابة في ساحة الغناء اليمني وزودها بأعماله المتميزة ليجعل منها أصواتاً قادرة مؤهلة لتصبح «معتمدة فناً وأدباً» في إذاعة وتلفزيون عدن منذ وقت مبكر من ظهورها، من أبرز هذه الأصوا:أمل كعدل،عصام خليدي،.أبوبكر سكاريب، حسن المهنى ،نوال محمد حسين فيصل الصلاحي ، محمد علي محسن، مريم برتوش ،حسن كريدي ،عباد الحسيني،محمد الحسني،فهد شاذلي...وآخرون. جمعته صداقة حميمة وعلاقة وطيدة بالأستاد القدير متعدد الملكات والمواهب أديب قاسم وشكل الفقيد مع الشاعر الغنائي المبدع علي عمر صالح ثنائياً ناجحاً متألقاً، كما كان الفنان الكبير أحمد محمد ناجي مؤسساً وعضواً نشطاً وفاعلاً في كثير من الفرق الفنية الموسيقية في عدن لعل أهمها وأبرزها فرقة الشرق ، فرقة وزارة الداخلية، فرقة القوات المسلحة، فرقة الثقافة...وكانت له أعمال كثيرة ساهمت في إحياء وتفعيل نشاط هذه الفرق الفنية وتركت أثراً وبصمة واضحة جلية دونت في سجل تاريخ كل الفرق الموسيقية الفنية التي تعامل معها كعازف وملحن بارع متميز.. إن الحديث عن الفقيد الفنان أحمد محمد ناجي لا يمكن أن نعطيه حقه بكل المحاور والاشتغالات الغنائية والموسيقية الهامة والجادة التي تبناها في مسيرته الفنية الزاخرة لكننا سنخصص في هذا المقام حديثنا عن أحد هذه المحاور الإبداعية التي أشرنا إليها بعنوان هذه المداخلة «أهمية دور أحمد محمد ناجي في الموشح اليمني المعاصر». من أشهر الأعمال الغنائية التي قدمها الفنان أحمد محمد ناجي: الطبل في الحوطة، أعلنها صراحة، سووا فضيلة، ياطير يامسافر، وين الحبايب، هلت ليالي الأنس، نجمة الصبح، طاب السمر طاب، يرضيك كذا ياقلب، كتبت الرسالة، يرعى مع الراعي، مرة لو تجيني، ياعيني عليكم، وغيرها من الأغنيات الجميلة التي تغنت بها أصوات رائعة. الناجي والموشح اليمني المعاصر في عام 1984م قدم الفنان أحمد محمد ناجي عملين جديدين لفرقة وزارة الداخلية خرج بهما عن المألوف بتعامله كملحن مع الفرقة وبالأخص«فرقة الإنشاد والغناء الجماعي» وكان لهذين العملين بالنسبة لنا كأصوات شابة في تلك الفترة وقع المفاجأة التي لم نتوقعها لأنه عودنا تقديم العديد من الأعمال الجماعية الوطنية والعاطفية الجديدة بالإضافة للأعمال التراثية إلا أنه في هذه المرة اختلف الأمر تماماً باختياراته للنصوص الغنائية والتي كانت من الشعر الجاهلي الفصيح للشاعر «عنترة بن شداد» فالقصيدة الأولى بعنوان «لو كان قلبي معي» والقصيدة الثانية «إن يمنعوا عيني لحسنك أن ترى» وبالفعل حضر إلينا حاملاً عوده وأشعاره الغنائية الجديدة التي اختارها» ليبدأ معنا جميعاً رحلة إبداعية ممتعة وشائقة بمنتهى الروعة والجمال كانت تكمن عظمتها بأهميتها الغنائية والموسيقية على صعيد الغناء اليمني بشكل عام. ورغم ذلك لم يشعرنا بصعوبة تلك التجربة التي نجح فيها بمصاحبة «فرقة إنشاد الداخلية» وبالفعل تم توثيقها في تلفزيون عدن كمرجع سيظل شاهداً ليؤكد عبقرية الفنان الكبير أحمد محمد ناجي في تطوير الغناء اليمني بأسلوب يحاكي الموشح العربي بكل تفاصيله وقواعده وأصوله المؤسسة ونظراً لروعة الاختيار والانتقاء الفني والأدبي للفنان المبدع أحمد محمد ناجي بقصيدتي عنترة بن شداد وما تضمنتاه من صورٍ شعرية رائعة في أبياتها نقتطف بعضاً منها بالإضافة لتحليل الموشحين مقامياً وموسيقياً توضيح الإيقاع المستخدم بهما ونوعه : 1 «لو كان قلبي معي» لوكان قلبي معي مااخترت غيركمُ ولا أردتُ سواكمُ في الهواء بدلا لكنه راغب فيمن يعذبه وليس يقبل لي قولاً ولا عملا أشكو إلى الله من جور بليت به من اللئام الألى قد احكموا زللا مالي سواه معيناً أبتغي عوضا لأنه عادل..لا يرتضي بدلا 2 «إن يمنعوا عيني» إن يمنعوا عيني لحسنك أن ترى أو يحجبوا عني خيالك في الكرى يامن بدهشته تحيرت الورى زدني بفرط الحب فيك تحيرا وارحم..حشا بلظى بهواك تسعرا التحليل الموسيقي للموشحين قام الفنان أحمد محمد ناجي بتلحين المذهب في موشح لوكان قلبي معي على مقام «الحجاز بدرجة الدوكا» ثم ينتقل برشاقة وعذوبة في الكوبليه الذي يقول فيه: أشكو إلى الله من جور بليت به من اللئام الأُلى قد أحكموا زللا وينتقل بنا إلى مقام آخر«راست على درجة الصول» من ثم يعود مرة أخرى في المقطع الأخير بيُسر إلى المقام الأصلي لبداية الموشح الذي استخدم به الإيقاع «8/4مصمودي كبير» مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الضغوطات في الإيقاع الذي استخدمه بهذا العمل. أما في الموشح الثاني «إن يمنعوا عيني» فإن المذهب يبدأ به على «مقام الكرد على درجة الدوكا» ثم ينتقل في الكوبليه الذي يقول فيه: يامن بدهشته تحيرت الورى زدني بفرط الحب فيك تحيرا ليستند بنقلته الموسيقية الرائعة على نغمة «سيبكار» ومنها ينتقل بجمال إلى «مقام الصبا الشجي على درجة الري» في المقطع الثالث الذي يقول فيه: النفس قد أمست اليك رقيقة...فاجعل بحقك للوصال طريقة ليعود برصانة واستقرار نغمي رائع إلى مقام الموشح الأصلي «الكرد على درجة الدوكا» مستخدماً الإيقاع «8/4مصمودي كبير».. كان الفنان المبدع أحمد محمد ناجي شاعراً مقتدراً من أبرز كلماته المغناة المسجلة إعلامياً كما عرقوب ،مرة لو تجيني، كتبت الرسالة، توب ياقلب. جدير بالذكر أن الفنان الكبير محمد سعد عبدالله أيضاً قدم موشحات يمنية عديدة لعل أهمها موشح «يا ساري البرق» للأستاذ الشاعر العملاق محمد سعيد جرادة وكان كعادتنا به مبدعاً خلاقاً متميزاً بالإضافة لتجربة الفنان العازف المخضرم «سعيد مزماز» الذي لحن موشحين بأسلوب رائع جميل.. عرف الفنان أحمد محمد ناجي «بطرائفه ومداعباته» وباسلوبه الساخر والصادق في التعبير عن معاناته. الختام رحل الفنان الكبير أحمد محمد ناجي تاركاً وراءه ثروة فنية ضخمة من الأعمال الغنائية والموسيقية المتميزة الموثقة والمسجلة في مكتب إذاعة وتلفزيون عدن بالإضافة للأعمال الغنائية الرائعة المتفرقة والمحفوظة في ذاكرة ووجدان أبنائه وتلاميذه من الفنانين وعلى وجه الخصوص مع فرقتي وزارة الداخلية والقوات المسلحة التي توقف نشاطها الفني والإبداعي منذ فترة بعد أن شهدتا نجاحات فنية متميزة في عصرهما الذهبي تحت رعايته وإشراقه، رحم الله معلمنا وأستاذنا الجليل أحمد محمد ناجي إنساناً وفناناً متواضعاً قلما يجود بمثله الزمان.