من الصعب جدا الحديث عن الجوانب الإنسانية وما تستند إليه من القيم والمبادئ الرفيعة والأخلاق النبيلة، وغيرها من السمات والمزايا الحميدة.. في ظل هيمنة مبدأ الربح والخسارة أو سيطرة عوامل اقتصادية بحتة على جملة الأفكار والأهداف بل والأحاسيس لدى سكان المعمورة حتى أصبح ذلك أبرز ملامح العولمة اليوم .. نقول ذلك ونحن بصدد الحديث عن عالم شركات الاتصالات الجوالة أو” اللاسلكية “ العاملة على الصعيد الوطني ، وهي تمارس دور الشد والجذب بين ما يصبو إليه المواطن اليمني من ألوان الخدمة الاتصالية وامتيازات كثيرة، وما ترصده هذه الشركات من تكاليف ورسوم نظير هذه الخدمات . ذلك هو ما دفعنا للبحث عن نقاط القوة والوهن في علاقة شركات الهاتف النقال وما تقدمه من خدمات لجمهورها من ناحية، ومعرفة جوهر الأسس الصحيحة التي يمكن من خلالها تجاوز مراحل الإخفاق بين هذه الشركات والجمهور، وتعزيز مسيرة الخدمة الهاتفية اللاسلكية في يمننا الحبيب من ناحية ثانية. أحد ميادين الاحتكار ندخل إلى عالم شركات الهاتف المحمول اليوم وهي ترتدي أقنعة متعددة وتمارس أساليب متضاربة في علاقتها بجمهورها، ليس اقلها أسلوب الابتزاز والتحايل عبر أساليب عدة منها أسعار تعبئة الكارتات والمدة المفترضة لاستخدام الرصيد، وكذا تسعيرة الاتصال، ناهيك عن استغلالها لخدمات وأمور أخرى. فالاحتكار كظاهرة اقتصادية سلبية تخل بالتعاملات التجارية وتقضي على مبدأ المنافسة الحرة والنزيهة ، لا تقتصر على صعيد المواد الغذائية والتموينية فقط، وإنما هو سلاح ذو شفرات عدة يمكن استخدامه في ميادين وخدمات أخرى ومن ضمنها خدمة الاتصالات . وبحسب مسؤولي جمعية حماية المستهلك فإن القاعدة ذاتها يمكن تطبيقها فيما يتعلق بالخدمات الأخرى وفي مقدمة ذلك خدمة الاتصالات التي تتطور وتزداد أهميتها بالنسبة للمستهلك وأصبحت قطاعا اقتصاديا خدمياً نشطاً ومتطوراً. ويرى الأمين العام المساعد لجمعية حماية المستهلك انه وعلى الرغم من وجود أكثر من مشغل لخدمات الهاتف النقال في اليمن إلا أن منطق الاحتكار يمكن ان نلمس تأثيره من خلال الإبقاء على التعرفة ذاتها في قيمة الاتصالات وخصوصا على خدمة الدفع المسبق، وعلى الاتصالات مابين الشركات التي تعمل بنظام ال (جي اس ام) من ناحية ، وبين الهاتف الثابت من ناحية ثانية . أبعاد أخلاقية وقانونية وفي حين يعد العدد القائم حاليا من شركات الاتصال الجوالة العاملة على الساحة المحلية احد ملامح السوق الاستثمارية المفتوحة التي تنتهجها بلادنا والتي تقوم على المنافسة الشريفة من ناحية..فإنه من ناحية ثانية يعد أيضا ابرز المجالات الخدمية الحيوية التي فيها الجمهور هو الحكم، وصاحب النصيب الأوفر في تحديد هوية من الأحق والأجدر بالبقاء في السوق التنافسية، ليكون أهلا للاشتراك في خدماته، عبر تقييمه لما تقدمه وتتنافس عليه هذه الشركات من خدمات وتسهيلات وتخفيضات وامتيازات عدة . وحول هذا الاتجاه يوضح الأخ محمد حميد الأهجري وهو مسؤول العلاقة العامة في مؤسسة خاصة بقوله: إن مبدأ المنافسة هو العنوان الأبرز لاستقطاب عوامل النهوض والارتقاء والاستثمار في أي مجال من المجالات المختلفة، وليس من الحري بنا ان نطالب الشركات الاستثمارية المتمثلة بشركات الهاتف المحمول بأن تقدم عنوان الطاعة والإخلاص في عملها وتعاملاتها، ولكن الأمر مرتهن بشكل كبير بالتفكير في صنع أدوات المنافسة بين الشركات من اجل ان نظفر نحن المستهلكين بما نصبو اليه، وهو الحصول على خدمة جيدة وبأسعار تفضيلية وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.. ويضيف: ما من شك بأن ما تمارسه شركات الهاتف النقال في اليمن اليوم لا يتعدى كونه عملية ذات بعدين الأول أخلاقي والثاني قانوني، أما بخصوص الشق الأول فهم يستغلون الفضاء اليمني من خلال فرض رسوم الاتصال بأسعار عالية لا تتناسب بشكل ايجابي مع الخدمة المقدمة، اما بخصوص الجانب الأخلاقي فهو يتمثل في ممارستها لما نستطيع وصفه بسلطة السطو على احتساب مدة الاتصال وتسعيرة الاتصال في ذات الوقت. وحسب الأستاذ الأهجري فإن ثمة صورة دقيقة جدا تكشف عن غياب البعد الأخلاقي وعدم وجود إستراتيجية مقننة تخدم الطرف الثاني «المواطن» بأكبر قدر من الامكان، وهو ما يفضي الى مساحة لا يستهان بنتائجها المستقبلية المؤثرة سلبا في الاقتصاد الوطني عموما، وتفتح الباب على مصراعيه للتلاعب بمقدرات المواطن اليمني تحت اطر وصيغ لا ترتقي إلى مستوى الخدمة الحقيقية . أسعار قياسية حتى الابتزاز حسين الدربي وهو مهندس الكتروني، ذهب إلى القول: ربما تحتمل الكثير من الآراء المطروحة بخصوص خدمة شركات الاتصال المتمثلة بخدمة الهاتف النقال الكثير من الحقيقة وخصوصا ما يتعلق بالخدمة.. حيث إن المواطن اليمني يفتقد كثيراً إلى الجوانب الجيدة بتلك الخدمة على الرغم مما يردده البعض في أحيان كثيرة بأن حسناتها لا تحصى . ويضيف: فنحن قد صدمنا بتلك الشركات وقد بات هاجسها الأول أن تجني اكبر قدر ممكن من الموارد المالية بغض النظر عما تقدمه من خدمة، فضلا عن ذلك فإن الأسعار المعتمدة الآن في احتساب مبلغ المكالمة ومدتها هي قياسية تصل الى حد الابتزاز مقارنة بما يقدم على مستوى الدول الشقيقة والمجاورة والذي يكاد لا يذكر . ويشير قائلاً: ففي مصر على سبيل المثال، ترى شركات الهاتف النقال تتنافس بشكل لافت للنظر مما يجعل المشترك حائراً لأي الشركات يذهب للاشتراك في خدمتها ، علما ان تسعيرة الاتصال هناك ايضا لا تتعدى في بعض الشركات السنت الواحد للدقيقة، أما في اليمن فسعر الدقيقة الواحدة يبلغ 50 ريالاً. المهندس الدربي رأى أيضاً: ان شركات الاتصال المنتشرة في كافة أرجاء المعمورة تنشد باستمرار إلى تقليل التسعيرة الى اقل ما يكون من اجل ان تضمن جمهورا أكثر إقبالا على الاشتراك في خدماتها الاتصالية بكل أنواعها، إلا أن الوضع القائم في اليمن يعزف عن انتهاج ذلك المنحى تحت ذرائع شتى.. حسب تعبيره . تخفيضات غير هادفة الأستاذ محمود قايد باحث اقتصادي وموظف حكومي قال: لايمكن ان نغفل أو نتجاهل ما تشكله الثورة الحاصلة في عالم الاتصالات وهي تعد من حسنات التطور التكنولوجي والصناعي، وربما أضحت احد مقومات الواقع الراهن، والدليل على ذلك ما تشكله تلك الخدمة من توأم شرعي لنعمة الكهرباء والماء بالنسبة للكثيرين وان كان هناك اختلاف في جودتها من هذا البلد أو ذاك من حيث أسلوب الخدمة وأنواعها أو التسعيرة. ويضيف قايد: لكن ما يحصل في بلدنا اليمن اليوم يثير الكثير من التحفظات والاستغراب، فشركات الهاتف النقال هنا على اقل تقدير تملي على المشترك أسعاراً عالية جدا، كما انها تصنف التسعيرة بما ترغب وذلك لاعتبارات عدة ، منها حسب تقديري أنها تعرف كيف تقنع المستهلك بخدماتها مهما كان المستوى الخدمي الذي تتمتع به وفي مقدمة ذلك مدى تغطيتها للإرسال لكل شبر في الوطن . ويتساءل قائلاً: أضف الى ذلك ملاحظة مهمة وتتعلق بخصوص نظام التسهيلات أو التخفيضات التي تعلن عنها بعض شركات الاتصالات، ومن ذلك على سبيل إعلانها بأن الاتصال بعد منتصف الليل بتكلفة رمزية حتى الساعات الأولى من الصباح، وهذا يبعث في النفس الكثير من التساؤلات عن جدوى هذه الخدمة الترويجية في هذه الوقت المتأخر من الليل، فلماذا لا تذهب هذه الشركات إلى تخفيض تسعيرة الاتصال في النهار اذا كانت فعلا تسعى الى تقديم أفضل خدمة لمشتركيها . مبدأ الربح والخسارة وأخيراً ولمعرفة وجهة نظر الوكلاء والموزعين المعتمدين، التقينا الاخ جهاد زايد وهو إحد الوكلاء المعتمدين لبيع شرائح خطوط وكارتات إحدى شركات الاتصال المحلية، حيث قال:” أنا لا احمّل شركات الهاتف النقال المسؤولية المباشرة، فجميعنا نعلم علم اليقين ان هذه الشركات تعمل على مبدأ الربح والخسارة وهي بالتأكيد تسعى جاهده بكافة الوسائل إلى الوصول إلى حالة الكسب المادي بغض النظر عن وازع الضمير أو وازع الإخلاص فنحن ببساطة شديدة أمام تجارة هدفها الأول والأخير جني اكبر قدر من المكاسب المادية. ويضيف جهاد: ولذلك فهذه الشركات تمارس اليوم الدور المنوط بها لتحقيق هذا الربح من خلال اعتماد تسعيرة جيدة بالنسبة لها لكي تتحقق اكبر قدر ممكن من الاستفادة من دون ان يجهد أصحابها أنفسهم في تقديم الخدمة الجيدة، وهذا الأمر بالتأكيد يأتي منسجما مع جملة معطيات ليس اقلها عدم وجود رقيب حقيقي، إضافة إلى غياب روح المنافسة الفاعلة وان كنا نشاهد نحو خمس شركات عاملة في هذا المجال.. جدير بالذكر أن حجم ما ينفقه اليمنيون على الهاتف المحمول سنويا بلغ حوالي 12.4 مليون دولار، وفقا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء.. الذي أشار إلى تزايد مستمر في استخدام الأسر اليمنية لهذه الخدمة، تتراوح ما بين المليون ونصف المليون أسرة سنويا .. وحسب التقرير ، تقدر نسبة إنفاق الأسرة اليمنية بنحو 15 في المائة من إجمالي الإنفاق العام على النقل والاتصالات، وان أغلب تكاليف الإنفاق على الهاتف المتحرك تتركز في المناطق الحضرية والمدن بنسبة 58 بالمائة بإجمالي يصل الى نحو 14 مليار ريال، بينما يبلغ الإنفاق في المناطق الريفية نحو 10 مليارات ريال حسب التقرير .