بعد أن طوى معرض صنعاء الدولي ال26 للكتاب صفحات دورته السادسة والعشرين، نتساءل عن إمكانية تميّز وتطوير هذه التظاهرة الثقافية التي تمثل فرصة ثمينة للقارئ والناشر.. وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) ناقشت ذلك التساؤل مع عدد من أصحاب دور النشر المشاركين انطلاقاً من رؤيتهم لما تميزت به دورة المعرض لهذا العام. المنافذ يقول صاحب مكتبة مدبولي المصرية محمود مدبولي: من الضروري أن تسهم إدارة المعرض في إخراج كتب الناشرين من المنافذ البرية والبحرية، وبأن يكون ذلك ضمن نظام المعرض، لافتاً إلى تأخر كتبه في الميناء عشرين يوماً ووصولها إلى المعرض قبل الافتتاح بيوم واحد. ويقول ناصر رجب من دار بن حزم للطباعة والنشر والتوزيع اللبنانية: "لم يوجد أي تأخير أو عرقلة في الميناء، فقد سارت الأمور بشكل طبيعي، وصار قليل تأخير نتيجة إجازة العيد، ولكن البضاعة وصلت في وقتها". ويفيد مدير معرض صنعاء، منير الدبعي: "إن من ضمن التسهيلات التي يقدمها المعرض الاتفاق مع الشاحن في وقت مبكر، وتعيين مندوب في كل منفذ "بحري، جوي" يقوم بمراسلة الناشرين والحصول على الأولويات، ومتابعة بضاعاتهم من لحظة دخولها المنفذ حتى وصولها إلى المعرض". ويشير الملحق الثقافي بالسفارة السعودية في صنعاء عبدالرحمن مساعد حسينان إلى ضرورة ان تتولى الهيئة العامة للكتاب تخليص الكتب كما هو الحال في باقي المعارض. فيما يؤكد رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور فارس السقاف إلغاء جمارك كتب الناشرين المشاركين في المعرض، مرجعاً خضوع البعض للجمارك إلى أنها قد تكون كمية تجارية غير مشاركة في المعرض وذلك لوجود اتفاق مع الناشرين على النسخ والعناوين المشاركة في المعرض قبل حضورهم. وعزا وزير الثقافة الدكتور محمد أبوبكر المفلحي التأخر في المنافذ إلى وصول كميات كبيرة كقرابة 400 ألف عنوان قبل الافتتاح بأيام قليلة، مشيراً إلى الوقت الذي يستغرقه مجرد الاطلاع على عناوين تلك الكتب. وأضاف: "هناك في معارض أخرى لا تخرج الكتب إلا بعد انقضاء فترة المعرض، ولدينا تجربة حصلت في أكثر من معرض؛ كتبنا لم تخرج إلى المعرض إلا بعد انقضاء فترة المعرض". التنظيم والتجهيزات يفيد محمد الزعبي، صاحب دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع السورية أنه تم افتتاح المعرض قبل ان يكمل الناشرون ترتيب أجنحتهم وكتبهم نتيجة تأخير المعرض لاستقبال المشاركين، منوهاً بضرورة الانتهاء من ترتيب وتجهيز الأجنحة قبل الافتتاح. معتبراً إقامة الخيام بجوار صالة المعرض غير مناسبة لتعرضها للغبار والرياح وأن ذلك يؤثر على عملية استقبال الزائرين للمعرض. ويرى محمد الفارس، من دار نشر مكتبة المجتمع العربي الأردنية أن تنظيم المعرض لهذا العام أفضل من الأعوام السابقة. فيما أشاد ناصر رجب بجهود إدارة المعرض في توسيع المعرض من خلال عمل الملحقات بجوار الصالة الرئيسة، مستدركاً: "إلا أن هناك بعض القصور في الإدارة، التنظيم، تفعيل الأنظمة والقوانين المنظمة للمعرض". وانتقد إدارة المعرض لتأخير السماح للناشرين بالدخول للمعرض إلى ما قبل الافتتاح بيوم بالرغم من تواجدهم قبلها بثلاثة أيام، مضيفاً: "وهذا لم يتح لنا الفرصة لعرض بضاعتنا بشكل جيد نتيجة عدم السماح لنا بالدخول". فيما يؤكد مدير المعرض الدبعي تسليم الأجنحة للناشرين قبل الافتتاح بيومين حسب الآلية المعمول بها في جميع معارض الكتب عدا الناشرين المصريين الذين دخلوا المعرض قبل الافتتاح بيوم نتيجة تأخر وصول حاوياتهم إلى الميناء. ولفت إلى استكمال تجهيز أجنحة المشاركين قبل الافتتاح عدا الخيمة الثانية، حيث تأخر تركيب الرفوف بسبب نقص الألواح والسواند، مؤكداً تسابق الناشرين للعرض في الخيام الخارجية وتفضيلها على الصالة لأنهم يعتبرونها واجهة لمدخل المعرض. ويشير الدبعي إلى التنظيم المسبق للمعرض من خلال التواصل مع اتحاد الناشرين العرب والاتحادات في كل دولة لمعرفة الدور المشاركة في معارض الكتاب. مبيناً أن الأولوية تعطى لأعضاء اتحاد الناشرين العرب، ثم أعضاء اتحادات الدول، ثم بقية الناشرين الذين يتم معرفتهم عن طريق الاتحادات نفسها. ويؤكد الدكتور السقاف أن القضية محسومة قبل حضور الناشر، ويقول: القضية محسومة قبل إقامة المعرض، حيث يتم تحديد المساحة المخصصة لكل ناشر، ويدفع مبلغ الإيجار المستحق عليه ويعطى فاتورة بذلك، منوهاً بأن التوزيع تم بحسب المساحة الموجودة. ويقول وزير الثقافة الدكتور محمد أبوبكر المفلحي: يحكمنا المكان، ومن الصعب إرضاء كل الناس في ظل هذه المساحة الضيقة، ولذا أعتقد أنه يجب أن نفكر في السنوات القادمة بإيجاد مساحة أكبر لنستطيع استيعاب كل رغبات الناشرين. لافتاً إلى اضطرار إدارة المعرض في التوسع أفقياً عبر نصب الخيام المجاورة لصالة العرض لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الناشرين. ويشير الوزير المفلحي إلى حرصهم على مشاركة أكبر عدد ممكن من الناشرين في المعرض، مضيفاً: "كل عام نحاول أن يأتي أكبر عدد ممكن من الناشرين لكي يكون معرض صنعاء دولياً بمعنى الكلمة، أما إذا خفضنا العدد فأعتقد أنه ليس في صالح المعرض". الجوانب المالية فيما يفيد رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور السقاف أن الموازنة المخصصة لمعرض صنعاء للكتاب بلغت 22 مليون ريال. ويوضح أن الهيئة تستأجر المتر من مالك القاعة المخصصة للعرض ب 20 دولاراً، وتؤجره للناشرين ب 60 دولاراً، ومن ثم يتم توريد المبالغ للمالية. مشيراً إلى المبالغ التي تصرف على خدمات المعرض "الدعاية الإعلامية، اللجان التنظيمية المشاركة، لجان أمنية، شرطة سياحية". وتفاوتت آراء الناشرين المشاركين في هذا التحقيق حول مدى مناسبة الإيجار؛ فمنهم من رأى أنه مناسب، ومنهم من قال بأنه متساوٍ مع باقي المعارض، مجمعين على انعكاس ذلك على سعر الكتاب. ونوّه الفارس من دار نشر مكتبة المجتمع العربي الأردنية بأن سعر الكتاب يختلف من دولة إلى أخرى بحسب الحالة الاقتصادية، ويضيف: "مصاريف الشحن وأجرة السكن والجناح، هذه مصاريف تحسب على تكلفة الكتاب غير تكلفته الرئيسية، وبالتالي يزيد سعر الكتاب نوعاً ما. ويؤكد مدير المعرض الدبعي أن إيجار معرض صنعاء أقل تكلفة من أي معرض آخر. مبيناً التسهيلات التي يقدمها المعرض للناشرين لإلزامهم ببيع الكتاب بأقل ثمن ممكن ومنها تخفيض الإيجار وإلغاء الجمارك بالإضافة إلى تقديم دفاتر المبيعات والأكياس البلاستيكية مجاناً. الرقابة ويشير الدكتور السقاف إلى وجود رقابة على زيادة أسعار الكتب في المعرض، وعن الرقابة على مواضيع الكتب فيقول: "ليس هناك كتب ممنوعة، وليس هناك رقابة مسبقة؛ تصل إلينا قوائم بعناوين الكتب المشاركة التي تراجعها لجنة مصنفات مشتركة من وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب ومن خلاها تتم الموافقة على تلك القوائم". ولفت إلى وجود نوعين من المنع المسبق: الأول للكتب الجنسية الفاضحة. الثاني للكتب التي فيها سب للعقائد والمذاهب والأديان. ويؤكد الوزير المفلحي عدم وجود رقابة قائلاً: نريد للناشر أن يكون هو المراقب لضميره بدرجة أساسية؛ لأن هذه هي الثقافة التي ممكن أن تنتشر في مجتمعنا. مضيفاً: "نريد من الناشرين في السنوات القادمة أن يأتوا بالكتب التي تدعم ثقافتنا الوطنية وعملية التطور والنمو الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع". وأردف قائلاً: لاحظت أن هناك بعض الكتب التي ربما يحاول الناشرون تسويقها هنا لأنها لم تسوق في أماكن أخرى، ونحاول بقدر الإمكان ان لا نتدخل في نوعية الكتب التي تدخل؛ لكني أرجو من الناشرين أنفسهم أن يكون لديهم هذه الرقابة بحيث إن الكتاب الذي يدخل يجب ان يساعدنا جميعاً على بناء ثقافة وطنية حقيقية في المجتمع اليمني. ضيف الشرف في خطوة تُحسب لإدارة المعرض هذا العام تم استضافة جمهورية ألمانيا الاتحادية كضيف شرف؛ الأمر الذي أشاد به الجميع ومنهم الملحق الثقافي السعودي حسينان، متمنياً استمرارها في المعارض القادمة لما لذلك من حراك وزخم ثقافي للمعرض من خلال إقامة الفعاليات الثقافية المتنوعة. الشاعر محمد عبدالسلام منصور، مستشار وزارة الثقافة شارك في إحدى الفعاليات الثقافية الألمانية، رأى أن إدارة المعرض لم تثرِ المعرض بالفعاليات. ويضيف: "لم يدع شعراء ومثقفون ومفكرون عرب وعالميون لإحياء المعرض حياة أدبية وثقافية وفكرية وشعرية وعلمية تشد الجمهور ليس للكتاب فقط ولكن إلى ما أنتجه الكِتاب في عقول هؤلاء المفكرين وأرواح هؤلاء الفنانين والأدباء والشعراء". الإقبال والمبيعات انخفضت مبيعات المعرض لهذا العام، حيث بلغت 800 مليون ريال، مقارنة بمليار ريال العام الماضي. وزاره أكثر من 750 ألف زائر طيلة 12 يوماً هي فترة انعقاده، عرضت خلالها 350 دار نشر محلية وعربية وعالمية قرابة 400 ألف عنوان من الكتب والمراجع في مختلف مجالات العلوم والمعرفة. ويشير عدد من الناشرين إلى أن الإقبال لهذا العام أقل من العام الماضي ما أدى إلى انخفاض معدلات الشراء. الوزير المفلحي لدى سماعه شكواهم أرجع ذلك إلى التوقيت غير المناسب للمعرض قائلاً: أتى المعرض في ظروف صعبة للناس، ربما لخروجهم من رمضان والعيد وبالتالي هذا قد يكون أثر إلى حدٍ ما. إلا أنه لفت إلى المكانة المهمة التي أصبح يحتلها معرض صنعاء للكتاب في المنطقة العربية، مستشهداً بارتفاع عدد الراغبين في المشاركة بالمعرض. فيما يرى الدكتور السقاف بأن الإقبال كبير، وهناك أنشطة ثقافية ونجاح ملموس، مشيراً إلى صعوبة إرضاء الجميع ويقول: الآن معرض صنعاء للكتاب هو المعرض الثاني بعد معرض القاهرة الدولي نتيجة للتنظيم والمشاركات الواسعة من دور النشر والإقبال الجماهيري الذي لا يستطيع أحد إنكاره. ولفت إلى أنهم تلافوا أخطاء العام الماضي من خلال الاستبيان الذي يوزع على الناشرين المشاركين بعد انتهاء المعرض. ويقول الوزير المفلحي: "كل عام نصحح بعض الأخطاء التي ترتكب، وهي مسألة تجارب، في الأخير الهيئة العامة للكتاب سوف تتعلم من أخطائها، وتزيد من إمكانية تقديم خدمة أفضل للناشرين وفرص أكبر لهم ليوزعوا كتبهم بطريقة عادلة؛ بحيث يحصل كل ناشر على نفس فرصة وصول الزوار إليه.. منوهاً بضرورة توزيع الهيئة لاستبيان على الناشرين المشاركين لمعرفة أهم نقاط القوة فيعظموها، ونقاط الضعف فيحاولوا تجاوزها في السنوات القادمة. وقال: أتمنى من خلال هذا اللقاء أن تطّلع الهيئة على أهم الإشكالات لهذا العام لتداركها في الأعوام القادمة.