هو واحد من أقدم وأشهر المقاهي في الشيخ عثمان ... افتتحه المرحوم الحاج عبده مكرد احمد العزعزي عام 1952 و كان حينها مبنياً من الصفيح والألواح والأعمدة الخشبية والطرابيل ... ذاع صيته في عموم اليمن ودول الخليج ليس لجودة الشاي والقهوة الفاخرة التي كانت تباع آنذاك من الساعة الثالثة فجراً وحتى الساعة التاسعة مساء او لتنوع المأكولات الشهية وأنواع الخمير وخبز الطاوة؛بل لأنه تجاوز ذلك وصار صالوناً سياسياً،ادبياً، فنياً ورياضياً وثقافياً عاصر عبر مراحل من التاريخ الوطني أحداثاً سياسية و احتضن في جنباته أدباء وسياسيين وشعراء ورياضيين وصحفيين وموسيقيين وفنانين مخضرمين لمعت نجومهم في سماء هذا الوطن .. كان لبعض رواد هذا المقهى أدوار بارزة في أحداث وطنية وسياسية في كثير من المنعطفات التاريخية منها الكفاح المسلح ضد المستعمر الاجنبي وابان فترة الاحتلال البريطاني لعدن وصولاً الى اعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م.... من اولئك من توفي ومنهم مازال يتردد على «مقهى الشجرة» ... هذا المقهى الذي تمثل تجربته قصة رائعة وفصلاً من فصول تاريخ عدن النضالي والابداعي والانساني ..قصة جديرة بأن نقف امامها ونعكسها في هذا اللقاء الذي اجرته «سبأ» مع ابن صاحب المقهى ، الدكتور «احمد عبده مكرد العزعزي»؛فكان هذا الحوار : بداية ... لماذا سمي مقهى الشجرة بهذا الاسم ؟ - للموضوع حكاية ترجع جذورها الى العام 1945 م وهو العام الذي حط فيه المرحوم الحاج عبده مكرد احمد العزعزي رحاله في عدن واستقر بعد ان هاجر من مسقط رأسه في قرية العزاعز في محافظة تعز 1925 بحثاً عن العمل ولقمة العيش واغترب في الحبشة عشرين عاماً و زار عدداً من البلدان وتعرف على عوالم اخرى وشارك في الحرب العالمية الثانية و الواقع انه بعد ان حط رحاله في عدن و استقر عام 1954 شرع في بناء مقهى له من الصفيح والخشب والطرابيل في منطقة كانت تعرف آنذاك باسم(بودي تمر) وهي مساحة مسجد النور وسوق القات حالياً وقد سماها الزبائن آنذاك بمقهى الشجرة نسبة الى شجرة قام عبده مكرد بغرسها امام المقهى والاهتمام بها حتى صارت وارفة الظلال وصار الزبائن يفضلون الجلوس تحتها للاكل ولشرب الشاي وكان الناس بعد ذلك يطلقون على المقهى تارة (مقهى الشجرة) وتارة اخرى مقهى (عبده مكرد) وفي اغسطس من العام 1969 تم تسميتها رسمياً بمقهى الشجرة بعد ان وضعت الحرب الاهلية اوزارها وعلقت عليها لافتة تحمل هذه التسمية وهي نفس السنة التي تم فيها بناء المقهى من الحجر المنجور والاسمنت المسلح بشكلها الكائن حالياً. نقطة التقاء برأيك..ماسبب شهرة مقهى الشجرة عن غيره من مقاهي الشيخ عثمان؟ - في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين المنصرم اصبح مقهى الشجرة مركز تجمع لابناء المحافظات الجنوبية من جهة ولابناء المحافظات الجنوبية والشمالية من جهة اخرى حيث تحول المقهى الى محطة جذب ونقطة التقاء للكثير من الشخصيات الاجتماعية على مختلف مشاربهم واختلاف محافظاتهم بفعل عدة عوامل : أولاً : موقع المقهى الممتاز، اذ يحتل موقعاً ركنياً مطلاً على شارعين شارع بيروت وشارع فيتنام وهذان الشارعان يقعان في قلب مدينة الشيخ عثمان حيث تتواجد المحلات التجارية المهتمة ببيع السلع المرتبطة بحياة الناس . ثانياً :جميع محطات نقل الركاب تحيط بمقهى الشجرة من كل جانب وبسبب كل هذا تحول مقهى الشجرة الى نقطة لتلاقي الافكار بين أبناء المحافظات الجنوبية من جهة وبين ابناء المحافظات الجنوبية والشمالية من جهة اخرى. ثالثاً :مقهى الشجرة يوجد بقرب مركز الشرطة الذي كان في الفترة مابين 1964- 1967 يستهوي الفدائيين من مختلف الجبهات ( الجبهة القومية - جبهة التحرير- والتنظيم الشعبي والجبهات الاخرى) نظراً لتواجد قوات الاحتلال البريطاني فيه فكان الفدائيون يجلسون في مقهى الشجرة إما لرصد تحركات قوات الاحتلال البريطاني المتواجدة في مركز الشرطة او لاستطلاع المكان والتخطيط لشن هجمات عليه . رابعاً:مقهى الشجرة قريب من الاسواق الشعبية (اللحم -السمك- الخضروات والفواكه والتمر) فكان الناس يترددون على المقهى في طريقهم الى السوق او في طريق عودتهم منه. خامساً: شخصية صاحب المقهى المرحوم عبده مكرد احمد العزعزي الودودة والصبورة والقنوعة التي كانت تسمح للناس بالجلوس على كراسي المقهى لأوقات طويلة حتى ولو لم يطلبوا شيئاً من المقهى بل انه في معظم الاوقات كان يقدم لهم الشاي والمأكولات على حسابه الخاص. إسهام فاعل كان للمقهى دور مؤثر في دعم حركة الثوار ضد الاستعمار في عدن .. كيف ساهم هذا المقهى في الحركه المسلحة ضد الاستعمار البريطاني ؟ - ساهم مقهى الشجرة في الحركة المسلحة ضد الاستعمار البريطاني في الفترة من 1964 - 1967م بطرق ثلاث اولها دعم الثوار بالمال لشراء السلاح وتقديم المأوى لهم والمشرب والمأكل. ثانياً: اخفاء الثوار والتستر عليهم وتغيير ملامحهم وهيئتهم بإعطائهم قمصاناً وفوطاً ومشدات اخرى غير التي كانت عليهم اثناء العملية الفدائية وإثر كل هجوم يشنه الثوار على قوات الاحتلال المتواجدة والمتمركزة في شرطة الشيخ عثمان لأن غالبية هجمات الثوار على قوات الاحتلال المتواجدة والمتمركزة في شرطة الشيخ عثمان كانت تشن من امام المقهى او من الجانب الشمالي للمقهى لتوفر امكانية الهروب والاختفاء عن عيون قناصة الانجليز مستغلين فرزة باصات سالم علي عبده و استور البلدية وسوق الحراج كساتر لهم لإعاقة حركة الانجليز. ثالثاً: كان من بين العاملين في المقهى ثوار يتوزعون على الجبهات المختلفة التي تعمل ضد الاستعمار فكانوا يشكلون استطلاعاً متقدماً مهمته رصد قوات الاحتلال المتواجدة في الشرطة وقد سقط من عمال المقهى شهيدان هما سعد محمد غانم ومحمد منصور محمد غانم فيما حكم بالسجن لمدة عام ونصف على المناضل الوطني عبدالله مكرد احمد العزعزي وكذلك اصيب اثنان من عمال المقهى وهما عبده غالب الرنجله رحمه الله وعبدالمجيد سعد سعيد رحمه الله فيما تم التحقيق مع المرحوم الحاج عبده مكرد احمد العزعزي وحجزه في شرطة الشيخ في الفترة مابين 65-67 تسع مرات لمدة تتراوح مابين 24 ساعة و48 ساعة. حكايات نادرة من ذكرياتك ... ما أشهر الحكايات النادرة التي شهدها المقهى ؟ - هناك حادثة نادرة وقعت عام 67 حين جاءت فرقة الشياطين الحمر الاستعمارية الى عدن فعند مجيئها اشتدت حركة الثوار على جنود الاحتلال وازدادت العمليات الفدائية ضعف ماكانت عليه واشتدت ضراوتها وبالمقابل انتشرت دوريات الاحتلال الراجلة و زاد اعدادها في الشيخ عثمان واخذت تمشط كافة الشوارع والاحياء والبيوت وفرض منع التجول من الساعة السادسة مساء وحتى الخامسة صباحاً للحد من هجمات الثوار ...وفي احدى المرات وتحديداً عند الساعة الثالثة عصراً قام الثوار بمهاجمة قوات الاحتلال الانجليزي المتواجدة في شرطة الشيخ عثمان بقذائف الهاون والرشاشات المتوسطة وردت الفرقة الانجليزية المتمركزة على اعالي شرطة الشيخ بالرشاشات المتوسطة واستمر الاشتباك بين الطرفين لاكثر من ربع ساعة وكان المقهى واقعاً وسط تبادل اطلاق النار ولاتتوفر الحماية اللازمة لعماله وزبائنه لانه لازال مبنياً من الليحان والخشب والصفيح وعندما سمع الخباز اصوات الانفجارات وازيز الرصاص ارتبك وسيطر عليه الخوف فأخذ عجينة الخبز وهي كبيرة جداً وبدافع الخوف والارتباك اخذ يحشرها في خانة المغل الصغيرة جداً ظناً منه انه يضعها في الاناء المخصص لها والعجينة تكبر و تكبر ثم بدأت تتدلى من المغل الى ان وقف اطلاق النار عاد الى صوابه و ادرك ماكان يفعله. هل صحيح ان والدك هو اول من ادخل جهاز الراديو الى منطقه الشيخ عثمان؟ - نعم ، كان والدي رحمه الله من الاوائل الذين سارعوا لشراء الراديو اثر ظهوره الى الوجود مباشرة وكان يستهويه ويستهوي الناس سماع محطة صوت العرب وخطابات الرئيس عبد الناصر وتعليقات محمد حسنين هيكل واحمد سعيد وسماع اذاعة BBC لندن ويتابع كافة نشراتها وكان الناس يتجمهرون بكثافة حول المذياع ويستمعون الى نشرات الاخبار والاناشيد والفقرات الغنائية حتى انه من شغفه بالراديو كان بعد ان يغلق المقهى في الساعة التاسعة مساء يفرش طاولة كبيرة بجوار المقهى يحيطها بالكراسي ثم يضع الراديو الضخم وبطاريته الضخمة عليها ويبدأ بتشغيلها متابعاً الاخبار من صوت العرب واذاعة لندن مع مجموعة كبيرة من اصدقائه وزبائنه حتى ساعات متأخرة من الليل ...وهكذا كان يفعل كذلك كل ليلة بسعادة وشوق كبير ، وعندما ظهر الجرام فون في السوق وكذلك المسجلة ذات الشريط والمسجلة ذات الكاسيت تم ادخاله مباشرة الى المقهى و بدأ المقهى يبث الاغاني المصرية من الجرام فون لفنانين منهم : سيد مكاوي ،سيد درويش ، عبده الحامولي ، محمد عبد الوهاب ، ام كلثوم وفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ وغيرهم ،ثم شرع بعد ذلك ببث الاغاني اليمنيةالعدنية واللحجية والحضرمية والتعزية والصنعانية من المسجلة ..ومايزال المقهى يبث جميع هذه الاغاني حتى يومنا هذا ولكن بواسطة المسجلة ذات الديسك. شخصيات هامة من أبرز الشخصيات الأدبية والسياسية والفنية التي كانت ترتاد المقهى؟ - ابرز الشخصيات التي كانت ترتاد المقهى في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين المنصرم ولازالت حتى يومنا هذا فمن السياسيين والعسكريين نذكر الرئيس المرحوم سالم ربيع علي ،سلطان الدوش، عائش الدوح ، صادق عبدالولي زيد ، العميد حسن العزعزي ، محمد سعد عبدالله ،طه فارع،محمد مرشد ناجي، محسن عطروش وغيرهم الكثير اما من الادباء والشعراء والكتاب والصحفيين فنذكر منهم محمد سعيد جرادة ،ادريس احمد حنبلة، والدكتور احمد علي الهمداني ،الدكتور سلطان الصريمي ،الدكتور حسن اوسان ،عبدالله عبد الكريم وغيرهم ..اما من الرياضيين: علي المنصوري ، ناصر احمد مريدي،عبدالرحيم قائد، عبدالله عبيدو ، محمد صالح عراسي وغيرهم ..ومن الشخصيات الاجتماعيه نذكر :السيد عبدالرب السروري ، محمد علي عفارة ، عبدالكريم فضل عطا ، سعيد مرشد ، عبدالرحيم باوزير وغيرهم ومن روادها محمود جميع بطل الجمهوريه في الملاكمة ومدرب الفريق الوطني والاستاذ الفاضل والتربوي القدير عبده علي البعيصي ومن الفنانين ايضاً : يوسف احمد سالم ، نجيب سعيد ثابت، جعفر عبدالوهاب، محمد صالح عزاني .. وغيرهم.