حتماً سيكون هذا اليوم كبقية الأيام والشهور والسنوات السابقة ترحل متشابهة ومكررة، منذ سنوات، وأنا استيقظ، لمزاولة نفس الروتين اليومي المعتاد بتفاصيله المملة أشعر بالضيق والاختناق ولا أحد يكترث لأمري، مع كل صباح يتملكني هذا الشعور فلا يكاد يفارقني، وأنتظر قدوم المساء لأعانق أحزاني وخسارة أحلامي وأخلد للنوم. لعلني، مازلت ارتقب كل صباح كي أظفر بشيء جديد يجعل للحياة نكهة جميلة لبلوغ السعادة الحقيقية، مذ قرر أهلي أن أترك مقاعد الدراسة والبقاء لمساعدة والدتي في الأعمال المنزلية لم أعد أر إلا جدران وسقف هذا البيت وأواني الطهي والملابس المتسخة، لا أعلم سبباً لعدم مبالاتي في استكمال دراستي والاستجابة لقرار أهلي بضرورة الجلوس في البيت، فقد ارتسمت على محياي ابتسامة عفوية ماكرة حاولت إخفاءها عن الأعين، وحدثت نفسي: «أخيراً أترك المذاكرة والكتابة وارتاح من الهم الثقيل». استفقت من استغراقي في التفكير وأمي تطلب مني البدء في تنظيف نوافذ الغرف والأرضيات، أخذت عبوة المنظف وهممت بالبحث عن إحدى الجرائد القديمة، وجدت في الدرج قصاصة من جريدة طالعتها عن قرب كانت تحمل صورة امرأة وخبراً يتعلق ب: تعيينها وزيرة..رفعت نظري من على الجريدة وأسرعت انظر إلى نفسي في المرآة، عجبن لأمري..لماذا لا أكون مثلها؟! لماذا توقفت أمنياتي وأحلامي؟! ثمة أمر ما يجتاحني، أشعر بالدماء تتدفق في عروقي تملأني حيوية وإرادة أمام الكم الهائل من الأحاسيس المتدفقة شعرت بالأسى والندم على ما آل إليه حالي. يا للهدر، أأكون فوّت على نفسي الفرصة فتأخر الوقت وضاع العمر فلا مجال لتحقيق الأمنيات والنتيجة هو ماأراه في المرآة من روح الانكسار والضعف، الآن..ماذا لو عزمت على العودة للدراسة؟ اندهشت كيف بدأ الحلم يراودني ويتسرب شيئاً فشيئاً إلى روحي؟!. بالمناسبة، يبدو أن هذا الصباح مميز، ما كنت أفكر هكذا في السابق، لم أدرك يوماً أن السعادة تغدو مرهونة بتحقيق الأمنيات، سأقرر وأحاول إقناع أهلي بالعودة مجدداً للدراسة،هي أمنية ثائرة لم تولد اليوم فقط، بل كنت اليوم شجاعة بما يكفي للاعتراف بها مع نفسي، كان عليّ أن أقرر، هل أقبل العيش على هامش الحياة أم سأعيش الحياة بذاتها؟؟ حتى اللحظة صوتي المتمرد مازال حبيس جدران ذاتي. نضجت أفكاري ووصلت إلى اليقين وتلمست الحقيقة بيدي، تمنيت أن أكون امرأة تفتخر بها النساء، عليّ أن أتحدث مع أهلي للرد على تساؤلي: لماذا فرقوا بيني وبين إخواني الصبيان، وحرموني من حقوقي، وأولها التعليم بحجة أن البنت خُلقت للمطبخ والخدمة؟!. بالأمس فقط تأملت مكتبة أبي وأخرجت من هناك كتيباً مكتوباً عليه الدستور اليمني قرأته لأعرف حقوقي، وقرأت فيه : "إن المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، والنساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات بما تكفله وتوجه الشريعة وينص عليه القانون.آآآآآه، كم تحسرت على جهلي، وحقوقي في مهب الريح. كم يسعدني الخروج غداً، تتسارع خطواتي هرباً من الأمس، عيناي تحلقان نحو المدى البعيد، استقر على أحد المقاعد الدراسية وأفرد دفاتري وكتبي على طاولتي معلنة العصيان والتمرد على أواني وطناجر الطهي وكنس البيت والطبخ وغسل الملابس. هنا أمام كل أمنية،يحضرني قول رالف و.أمرسون"إن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب".