إنها انفلونزا محلية هذه المرة تختلف كلياً عن الانفلونزا المستوردة مثل انفلونزا الخنازير أو الطيور أو حتى انفلونزا الماعز التي لا تزال في طور النشأة الدعائية والإعلامية إنها انفلونزا القات.. لكن هذا الاختلاف لا يعني عدم وجود تشابه في الأعراض المرضية التي تخلفها الفيروسات الأخرى مثل الصداع والحمى والفتور جراء الامتناع عن تعاطي ومضغ الوريقات الخضراء. لقد قفز إلى ذهني هذا المسمى الذي قد يكون في غير محله وأنا أطالع هذه القضية التي تعتبر أنموذجاً حياً وملموساً لقضايا أشخاص آخرين قدموا حياتهم رخيصة من أجل الحصول على ربطة قات وإن كان في العمر بقية فقد لا يتورع بعضهم في بذل الغالي والرخيص من أجل مصافحة الساعة السليمانية والعيش لساعات في كنفها الدافئ الساحر. فهذا «حسين» شاب يصغر أخاه الأكبر بحوالي السنتين وكلاهما عاش في بحبوحة وإدلال مفرط وفره لهما والدهما ويبدو أن هذا النوع من التربية جاء كرد فعل من الوالد الذي رزق بهما في الخمسينيات من عمره بعد ذريته من البنات وها هو الأب يقترب من الثمانين من العمر وكان قبل ذلك بسنوات وعندما أحس بعجزه عن إدارة أعمال مزارع القات المتعددة التي تقع في نواحي مختلفة من وادي القرية أوكل شئون الإدارة والتسويق إلى ابنه الأكبر «أحمد» الذي مع ذلك التطور إلى ترك المدرسة على أن يظل الشقيق الأصغر «حسين» يواظب على الحصص الدراسية أملاً في حصوله على شهادة عليا لكن هذا الأمل سرعان ما تضاءل أمام الهروب المتكرر من المدرسة ورغبته الجامحة في المشاركة في بيع قات مزارعهم في أحد أسواق مدينة ذمار وبالفعل تحققت أمنيته وكان يبيع كميات مختلفة من القات على متن سيارة نوع «حبه» اشتراها له أخوه لهذا الغرض وما هي إلا سنوات قليلة حتى تغيرت أحوال «حسين» فلم يعد ذلك الحريص على المحصول المالي الذي يوافيه شقيقه كل مساء بل إن التلاعب والغموض وكثرة النوم أمور اكتنفت تجارته التي سجلت خسائر فادحة لدرجة أنه لم يتحصل على أي عائد في الآونة الأخيرة فما كان من شقيقه «علي» إلا أن اقتفى أثره ليقف على حقيقته ليتبين أن «حسين» تعرف على رفاق سوء لهم ارتباطات وثيقة بشريحة المهمشين الذين استعذب أمسياتهم وجلساتهم القاتية الطويلة التي تتخللها الرقصات المصحوبة بالطبلة والمزمار وحتى يؤمن ديمومة هذه الطقوس كان لزاماً عليه أن يؤمن تزويد شلة الأنس من ذكور وإناث بحزم القات الملائمة المصحوبة بنثريات مالية «لزوم الكيف طبعاً». وهو وضع مقلوب اضطر «علي» إلى قطع علاقته بتسويق القات وأراد إضافة ذلك إلى سحب السيارة لكنه هرب إلى مدينة عدن وبعد شهر تقريباً قضاه في سواحل ثغر اليمن الباسم عاد «حسين» بدون سيارة فقد باعها لمواجهة متطلباته ورفاقه لقضاء أمتع الأوقات في المنتجعات السياحية الراقية. وما إن استنفذ آخر مبلغ مالي كان بحوزته هجره أصدقاؤه القدامى ليعود باحثاً عن ربطة قات تقيه أعراض فيروس انفلونزا القات الذي استشرى في دمه وأصبح لا يطيق فراقه فلجأ إلى والدته الحنون التي كانت تمده يومياً بحزمة من القات والطعام خلسة إلى أحد الأماكن التابعة لهم سراً كونه مطلوباً أمنياً إثر بلاغ من والده الكبير للقبض عليه بعد أن تبين له تلاعبه بتسويق القات وبيعه للسيارة واختفاء مبلغ مالي كبير قيل إنه سرق من الشمطة الخاصة بالوالد إلا أن الأم انكشف سرها ليفر الشاب من جديد وما هي إلا فترة حتى تعالت حوادث السطو والسرقة لمزارع قات القرية من قبل «حسين» وافتعاله في بعض الأحيان مشاكل مع حراس مزارع والده وتبادل في أحايين أخرى لإطلاق النار معه. أهل الخير لم يرضوا هذا الحال فتوسطوا بين الشاب ووالده لإصلاح ذات البين وقد نجحوا في هذا المسعى نوعاً ما على أن يتم تأمين تخزينه يومياً ومصروف جيب إلا أن الوضع لم يستمر أكثر من ستة أشهر ليعاود سرقة القات في الليل ودخول ذمار للالتقاء بأصدقائه القدامى أي إنه أصبح مصدر قلق لأسرته بالمقام الأول قبل الآخرين فتبرأ منه والده معلناً تنازله المسبق عن دمه إذا سفك على مزرعة أحدهم في القرية أو غيرها وفي إحدى ليالي رمضان المبارك عثر على حارس لم يتجاوز عمره ال71عاماً مقتولاً بطلقة نارية إصابة رقبته وهو يمضغ القات فتوجهت أصابع الاتهام إلى «حسين» الذي اختفى عن الأنظار وبعد شهرين من الواقعة ألقي القبض عليه في أحد شوارع مدينة ذمار ليقر بجريمته التي قال إنه لم يقصدها وأراد من ورائها تخويف الحارس ليتركه يقطف القات لكن الطلقة النارية أصابته في مقتل.