يقول الأسلوبيون إن الأسلوبية هي كل شيء في المسألة الابداعية شعراً وأدباً وفكراً وفناً ونقداً.. فالنص والأسلوب لدى دعاة الأسلوبية أول الاشياء وآخرها..فيصح فيهم قول الشاعر القديم: عرفت شيئاً..وغابت عنك أشياء والسؤال المهم: هل تستطيع الأسلوبية الإتيان بنص دون مبدع؟ ذاك قولهم وقولنا هذا: إن الأسلوبية في الأدب ليست إلا عملية فكرية افتراضية وليست نظرية أدبية نقدية ترقى إلى مستوى النظريات الأدبية النقدية، كنظرية ابن رشيق القيرواني أو الجرجاني، أو الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهؤلاء لهم نظريات قديمة تعتمد عليها المدارس الأدبية الجديدة..وتقريباً هي مرجعيتها الكبرى. إن الاسلوبية المعاصرة تجعل من النص الأدبي شيئاً عظيماً، وهو الأهم حتى ممن أبدعه!! وكأنه لاعلاقة بين المبدع ونتاجه الأدبي.. وهي بذلك تعزله عن ابداعه، متخذة من النص أساساً تبنى عليه افتراضات خاطئة.. وكأن النص جاء تلقائياً فتم تلقيه فأصدر المتلقي استنتاجاته حول ذلك النص الأدبي وبأي أسلوب حتى وإن كان بعيداً عن الموضوعية...والأسلوبية بهذا تلغي المبدعين مغلبة المواضيع النصوص على مبدعيها، لأنها هي الأهم، وغير ذلك لا يستحق اهتماماً يذكر. ومن هنا يتوجب علينا طرح بعض التساؤلات حول مدى صحة افتراضاتها، التي لاترقى إلى مستوى النظريات، وهي ليست كذلك أصلاً.. هل النصوص انتجت نفسها؟؟ وأي النصوص الأدبية العظيمة شعراً ونثراً وأدباً وفكراً وفناً غنائياً أو تشكيلياً جاء من تلقاء نفسه؟؟ ألم يكن هذا النص نتاجاً أبدعه العقل أو الفكر أو العاطفة؟؟أي أن النص أنتجته الذات الإنسانية المبدعة ولم يأت هكذا بمحض الصدفة..وإذا كان دعاة الأسلوبية ومروجوها قد أرادوا جعلها نظرية أدبية، فإنها خاطئة كعملية افتراضية فكرية في المجال الأدبي والنقدي. إنها خاطئة علمياً وموضوعياً ومنطقياً ونقدياً..إنها تفترض افتراضاً مادياً أن النص هو المحور الابداعي الأهم بما يحمله أسلوبه من جماليات، وليست الشخوص التي تبدع النصوص غير عوامل مساعدة ألهمت أو تسببت في عملية الانتاج والابداع الأدبي!! أي عقليات هذه؟؟وكيف تفكر بهذا الأسلوب السقيم؟؟ إننا إذا أردنا أن نتكلم بموضوعية أدبية ونقدية، فيجب أن نضع نقاطاً فوق الحروف فنقول: إن المبدع والنص شيئان متلازمان، لأن المبدع هو منتج النص، وافراز معاناته وهمومه وآماله وتطلعاته وتصوراته وأحلامه الكبيرة ومجال رؤيته للحياة بتناقضاتها وتفاعلاتها، بمرارتها وحلاوتها،بشقائها، وسعادتها، أي أن النص لم يأت اعتباطاً، ولا بمحض الصدفة، ولا جاء تلقائياً.. وإذا كان النص قد حمل الصفة الابداعية، فصار راقياً ومتميزاً، ليس لأنه أجمل وأفضل من غيره وحسب، ولكن لأن الذي أبدعه كان مبدعاً ومتميزاً، فهو من أنتج النص وليس العكس..فلمبدعه الفضل الأول الذي لا يمكن تجاهله أو جحوده..وأن مجرد اعجابنا بالنص الأدبي وأسلوبه لا يجعلنا نلغي من أبدعه ونتمسك بالنص والأسلوب لا سواهما..إن هذا التصرف لا ينم إلا عن رؤية فكرية عبثية خاطئة..ونتساءل أيضاً. ?أيهما أهم نتاجات المتنبي كنصوص وأسلوب أم المتنبي؟؟ ومن الذي انتج الآخر أدبياً وابداعياً النص انتج المتنبي؟؟ أم المتنبي انتج النص؟؟ وهل صار النص عظيماً لأنه «نصاً» أم لأن الذي أبدعه هو الشاعر المتنبي؟؟ ?وإذا غنى مغنٍ وأجاد بغنائه واعجبتنا اغنياته، وصفق له الناس، فبماذا نفسر ذلك؟؟ هل أعجبوا بالفنان أم بصوته أم بألحانه أم بكلمات الأغنية أم بالموسيقى؟؟ أم أنهم لم يفهموا الأسلوبية بعد؟؟ ?وإذا أحببنا لوحة فنية لفنان ما فهل نرد ذلك إلى الفنان؟؟ أم إلى الأسلوب؟؟ ? وإذا رقص راقص بارع هل انتج الأسلوب الراقص ؟؟ أم الراقص أنتج الأسلوب؟؟ ? وإذا قرأ شاعر علينا قصيدة رائعة له هل يجب علينا أن نحب الأسلوب فقط، ونرفض الشاعر، لأننا نؤمن بالأسلوبية وحدها؟؟ ونرفض الشعراء؟؟ وهل يجب أن نكثف اعجابنا بفصاحته اللغوية أو طريقة أدائه أم بمعاني الشعر؟هل تستطيع الأسلوبية الاجابة عن هذه التساؤلات؟؟ ?إن هذا هو خطأ الاسلوبية الأول، الذي يجعلها مجرد افتراضات نقدية غير صحيحة أما الثاني فهو افتراضها أن الأسلوب الأدبي هو كل شيء في العملية الابداعية فالأسلوب لديها «هو أولاً وهو أخيراً!!» وإذا كان جميلاً فلا داعي للبحث عن عوامل أخرى في المسألة الأدبية، وهنا يمكننا أن نقول: إن النص الابداعي نتاج واقع اجتماعي، أنتجه المبدع مستخدماً، الألفاظ اللغوية، والبلاغة الأدبية، مختاراً الفكرة أو تختاره الفكرة أحياناً، تحت ظروف معاناته، ليعبر عن واقع حالاته الذاتية أو الموضوعية، مستنفراً طاقاته الفكرية والشعورية والعاطفية ليعطي ابداعاً يداوي به همومه، ويمتع به الناس، وبذلك يكون الأسلوب بجمالياته عاملاً مكملاً لعوامل أخرى من ضمن بنائه الابداعي، وبذلك يكون الأسلوب شكلاً وليس مضموناً ،لأن المعاناة والفكرة، وحرارة المشاعر وصدق تعبيراتها هي المضمون والألفاظ والأسلوب هما الشكل، فكيف تسنى لدعاة الأسلوبية وضعها موضع الأهمية المحورية أو وضعها بجوار النظريات؟؟إن الأسلوبية ليست هي «أولاً وأخيراً» في المسألة الابداعية وإنما هي عامل من عوامل أخرى في أي عمل أدبي أو ابداعي...أهم مافيها المبدع وليس النص أو الأسلوب. وفي الختام بإمكاننا أن نقول أن الأسلوبية اجتهاد فكري أخطأ مقاصده ولا يمكن أن يقنعنا مائة كتاب أنها ترقى مستوى النظرية، لأنها مجرد افتراضات فكرية مغلوطة في كثير من استنتاجاتها لأن النظرية في مفهومنا ما طرحت حقائق موضوعية لا يرقى إليها شك ،ولا ينكرها العلم والفكر والتجربة وتطبيقاتها، ولاتتناقض مع المنطق والواقع النظري والعلمي، وإلا صار كل عمل تجريبي نظرية علمية..علماً أن بعض الأعمال التجريبية تكون مقدماتها ونتائجها صحيحة بهذا ترقى مستوى النظرية بعد نجاحها. والأسلوبية مقدماتها خاطئة وبالضرورة تكون نتائجها خاطئة إذا قارناها مع النظريات الرياضية والكيميائية في مجال العلم ووفق المنطق والموضوعية في الفكر والأدب والنقد والإبداع..فمثلاً إذا قرأنا نصاً أدبياً وأعجبنا بأسلوبه دون أن نعرف مبدعه منتجه مافائدة النص بدون صاحبه..؟ إننا فطرياً نعجب بالأسلوب ونشعر به منقوصاً دون معرفة كاتبه أو مبدعه ،ولاتكتمل لدينا متعة المعرفة إلا بتكامل الصورة «النص ومبدعه معاً» والأسلوبية أخطأت حينما اعتبرت النص هو الأساس بينما المبدع هو الأساس والنص يعد نتاجاً من نتاجاته..في التالية : نتناول «التأويلية» في الفكر الاسلامي وفي الفكر الأوروبي.. ? على الأسلوبيين مراجعة افتراضاتهم نظريتهم المغلوطة مراجعة علمية فاحصة..