في مثل هذا اليوم من كل عام (14) من فبراير يحتفل الكثيرون بهذا اليوم والمسمى (عيد الحب) هذا العيد الدخيل على ثقافتنا وحضارتنا .. العيد القادم من بلاد الغرب. في هذا اليوم هناك من سيهدي حبيباً له أو قريباً أوأخاً هدية جميلة أو وردة حمراء أو حتى بطاقة تهنئة .. تعبيراً - أو بالأصح تقليداً _ عن حبهم ومشاعرهم تجاه الطرف الآخر. في هذا اليوم تختفي كل الألوان .. إذ لا يبقى سوى اللون الأحمر .. فهو يٌعبر – حسب الفالانتانيين – عن الحب والغرام. فيا ترى من ذا الذي اختزل كل معاني الحب إلى يوم واحد .. ومن أين جاء هذا المصطلح (عيد الحب) ؟ّ ثم ما هو الحب .. وماذا قال عنه العلماء والأدباء .. وهل عشاق اليوم كعشاق ومحبي الأمس البعيد ..؟! بدأ ( عيد الحب) بالظهور في الكنيسة الكاثوليكية على يد قدَّيس يٌدعى (فالانتاين) الذي عاصر حكم الأمبراطور الروماني كلاديوس الثاني أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، حيث لاحظ الأمبراطور كلاديوس أن العٌزّاب أشدّ صبراً وتحملاً من المتزوجين الذين يرفضون الذهاب إلى المعارك. فأصدر أمراً بمنع عقد أي قران.. لكن القدّيس (فالانتاين) عارضه ورفض فكرته، واستمر في عقد القران سراً حتى اكتشف أمره الامبراطور الذي حاول إقناعه بالخروج من الدين المسيحي وعبادة آلهة الرومان كي يعفو عنه .. لكن (فالانتاين) رفض وآثر التمسك بدينه وعقيدته .. فحكم عليه بالإعدام والذي كان موافقاً ليوم (14) فبراير. ومنذ ذلك اليوم بدأ محبو القديس فالانتاين يحتفلون بذكرى رحيله إحياءً وحباً له لأنه – بزعمهم – دافع عن حقوق الشباب في الزواج والحب .. وأصبح للحب عيد في نظر عشاقه ومحبيه. ثم ما لبثت أن انتشرت هذه الظاهرة في عالمنا العربي والإسلامي، وأصبح لها أنصار ومؤيدون يحتفلون بها تقليداً لكل ماهو قادم إلينا من الغرب. جميل أن يكون للحب عيد .. لكن الأجمل أن يكون هذا الحب نابعاً من ذواتنا وقيمنا وحضارتنا .. لا مستورداً من بلاد العم سام. اليوم .. الحب في (عيد الحب) أصبح هدايا ووروداً حمراء.. وبطاقات تهانٍ وأغانٍ الحب.. أصبح وروداً بلاستيكية أو حتى طبيعية ينتهي الحب بمجرد ذبولها ورميها في سلة المهملات. الحب في هذه الأيام مضايقات ومعاكسات في الشوارع.. رسائل غرامية عبر الموبايل .. حب في غرف الدردشة والشات. الحب هذه الأيام أغان سريعة هابطة .. وموسيقي صاخبة.. ولا مانع أن تكون انجليزية أو حتى هندية. محبو اليوم شوّهوا باسم الحب أقدس وأطهر وأرق كلمة هي كلمة (الحب) هؤلاء (الفالانتانيون) يريدون أن يختزلون أيامنا وحياتنا إلى يوم واحد.. هذه الكلمة (الحب) التي سطر فيها الشعراء والأدباء أروع الأبيات والقصائد. فهذا عباس العقاد يقول في فلسفته للحب (إن أوجز ما يقال في الحب انه فضاء يملك الإنسان ولا يملكه الإنسان). (الحب عاطفة نبيلة إنسانية أودعها الله في قلب كل إنسان .. ولا ينكر هذه العاطفة الا جاحد منكر لكل العواطف النبيلة). (الحب عالم من العواطف .. ودنيا من الشعور .. فيها كل غريب وعجيب .. وليس لنا في هذه الكوة الضيقة إلا هذه الكلمة القصيرة ذات الحرفين .. الحاء والباء .. فالحاء يمثل الحنان .. والباء الذي يجعل الفم وهو ينطق بها وكأنه مُتهيء لقُبلة كلمة الحب».. هكذا قال جبران خليل جبران. (الحب لغة التعبير عمّا يدرو في النفوس من عواطف وأشواق .. بل هو أسمى العواطف على الاطلاق). (الحب .. أن تشعر بقيمتك كإنسان.. أن تجرَّد نفسك من الاحقاد.. أن تملأ قلبك بنور الطهر والعفاف). (الحب ان ينبض قلبك بحب وصدق واخلاص تجاه إنسان آخر). والحب ليس مجرد كلمة تقال على الأفواه والألسن .. وليس مجرد نظرات أو لقاءات .. إنما الحب شعور بالجمال.. إحساس بالحياة .. بالأمان .. بالنقاء .. والحب لا يستوطن إلا أقدس الأماكن وأطهرها في الإنسان وهو (القلب) والقلب روح الحياة .. وموطن الأسرار .. ومنبع البقاء. ولقد تناول موضوع الحب علماء أجلاء كبار، والّفوا وكتبوا عنه كتباً ومجلدات وبيّنوا لنا القيمة الحقيقية لأقدس وأرق كلمة. فهذا ابن القيم الجوزية تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (روضة المحبين) نراه يفسر الحب بنظرة عقلانية موضوعية، ويعارض فكرة الرغبة والمتعة واللذة ، الذي يفسرها علماء النفس بأن الحب هو أساس هذه الرغبة فإذا قوبلت بالامتناع تكون ناراً .. هذه النار هي نار الحب حسب قولهم. وكذلك ابن حزم الاندلسي، وهو العالم الجليل، من أكثر العلماء تأليفاً لقصة الحب، ففي كتابه (طوق الحمامة في الألفة والاّلاف) شرح معنى الحب وأهله ومراتب المحبين. وكذلك – أيضاً – علماء الصوفية الذين يرون أن الحب لا يكون إلا نحو الهدف الأسمى والأعلى، نحو الخالق جلّ في علاه، وأما ما عداه من حب فهو ليس إلا وسيلة للوصول إلى الذات الإلهية .. وهذا واضع وجلي في أشعارهم كقول رابعة العدوية : أحبك حبين، حب الهوى وحب لأنك أهل لذاكَ فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بك عمن سواكَ وأما الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتى أراك وكلنا يعرف قصص الشعراء العشاق .. ك: كُثير عزة، وجميل بثينة، وعروة بن حزام والعباس بن الاحنف وابن زيدون وغيرهم :: وكلنا يعرف ماذا حل بقيس من ليلى عندما هام في القفار والبراري يحيا لحياة ليلى.. ويمرض لمرضها.. تشجيه نسمة هبت من ديار ليلى.. بهيم بذكرها .. يرضى بقتلها له .. بل ويحب كل اسم يوافق اسمها حيث يقول : رضيت بقتلي في هواها لأنني أرى حبها حتماً وطاعتها فرضا إذا ذكرت ليلى أهيم بذكرها وكانت منى نفسي وكنت لها أرضاً. هذا هو الحب النقي الطاهر .. وليس حب (فالانتاين) حب الزهور والورود والهدايا هذا الحب عندهم .. حياء وخوف من الله .. طهر وعفاف .. لا ارضاء الاهواء واشباع الرغبات، فهذا العباس بن الاحنف يقول في عفة الحب: كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني منه الحياء وخوف الله والحذر فالحب ليس في 14 فبراير أو كلاماً وعبارات تقال أو حكايات وقصصاً تروى.. أو رسائل أو وروداً حمراء وهدايا _ وإن كان لها إحساس آني بالحب والاحترام – إنما الحب شعور واحساس بالوجود والخير والجمال والحياة. والحياه كلها حب .. ومن فقد الحب فقد الحياة و...... إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا.