في منتصف كل الليالي, دائماً أسرح بخيالي, أفكر لمَّ احبكِ يا أمي ؟ لمَّ يتمالكني هذا الشعور؟ لمّ أنتِ بالذات؟ حاولت ملايين المرات أن ارسم شعوري على ورق ابيض, غير أن جميع أوراقي دائماً ما تتطاير رافضةً وصرخة أمام عجزي. بدأتُ أكتب اليكِ يا حبيبتي وبينما أنا اكتب غاصتْ أقلام فكري في مخيلتي تناظر فيها صورتكِ من الخيال وهي تتلألأ ولسان حال أقلامي تهمسُ بصوتٍ عاجز متسائلاً “ كيف أرسم صاحبة كل تلك الألوان الساحرة التي يعجز حبري عن رسمها”؟. توقفت الأقلام صامته وبدأتْ الكلمات تختبئ في زوايا المكان. سرح ذهني هائماً متبسماً يسخر من عجزي. تبسمت أعيني في وجهكِ يا معشوقتي, نعم أنتِ معشوقتي. تتبعتْ أعيني خيال وجهكِ المنور في أرجاء المكان سرحةً وجيه, وبدأ حبر أقلامي يسيل خجلا من حسنكِ الأخاذ. فجاة وبدون أي مقدمات أو سابق إنذار انقطع ذلك الشرود بصوتٍ يعزف من بين شفتاي يكاد لا تسمعه أُذناي يصدح بصوتٍ خفي “ أحبكِ يا أمي, أحبكِ يا أمي”. تسمرت جميع جوارحي ليس لي عليها أي انضباط, حاولتُ أن اُشغل جوارحي, فما كان مني إلا أن سمعتُ قلبي ينبضُ بحبكِ. أدركتُ حينها أني مهما تجاهلتُ حبكِ فهو ينمو بداخلي مع كل دقة قلبٍ ويستنشق رحيق عطرك مع كل نفس أتنفسه. كيف لا؟ وأنا منذ نعومة أظافري اهتف باسمكِ. كيف لا؟ وأنا أتذكر آلام قدميكِ ساعيةً لتربيني زارعة في داخلي كل أحاسيس الحب والحياة. أتذكر حنانك في كل الليالي وأنتِ تحملين الدثار لتدفيني فتتحول كل نسمة بردٍ إلى نسيمٍ دافئٍ يغطيني. فقد كنتِ أفضل طبيبٍ لجراحي وكنت الدواء لجميع أوجاعي. فما زلتُ أتذكركِ وأنتِ ساهرةً بجانبي عند مرضي وأنتِ ترشفين قطرات العسل من شفتيكِ على فمي وترسو بعينيكِ دموع حزنٍ راجيةً الله بتعجيل شفائي. أتذكر كلماتك تعاتبني حباً فيني وكلما احتجت لحضنٍ دافئٍ يضمني بين ذراعيه, كان صدركِ أوسع ارضٍ في الدنيا وكفيك تطبطب على ظهري حين يتملكني الحزن كأنهن شجرة خضرا محفوفة بورود الياسمين. مازلتُ اسمع تلك الكلمات التي كنتِ ترتلينها وأنتِ جالسة على السجادة في الظلام ونحن نيام, حينها كنت استرق السمع أسمعكِ تتوسلين المولى عز وجل من اجلي. كيف لا اهتفُ بحبكِ ومازال رنين كلماتك تطنُ بمسمعيّ وأنتِ تتوسلين أبي مقبلةً ظهر كفيه من اجل تلبية حاجياتي وتسخير مطالبي. أنتِ حبيبتي, بل أنتِ معشوقتي يا أمي. أتذكر كل لمسة حبٍ لمستْ بها كفيكِ الطاهرتين صدري كي تزيلين بهما كل هموم قلبي وتزرعين الأمل في كل جوارحي. أتذكر كل ابتسامة كانت تعلو وجهكِ المشرق عند كل عملٍ جميل كنتُ اصنعه بمدرستي. أتذكر كيف كنتِ تنهضين من نومكِ فرحةً بسماع صوتي يبشر بمجيئي, وكل مرة دفعتِ بها يديك لتحميني. أتذكر أشياء كثيرةٌ بحياتي كنتِ أنتِ من يعطيني وكلما زاد تذكري زادت حيرتي وقلت حيلتي ماذا أُهديكِ؟. أمي حبيبتي في هذه الذكرى وأنا اُسطّرُ شعوري إليكِ على هذه الورقة البيضاء أذرفتْ عيوني الدمع ولسان حالي يقول “ أين أنتِ؟ لتري ما فعلت بي الأيام والسنينِ. أين أنتِ؟ لتحيي بحبكِ كل ما مات فيني. أين أنتِ؟ فكلي جروح وكل جرحٍ يشكو إليكِ شوقي وحنيني, وكل آلام صدري تصرخ أين تركتيني؟. فشوقي إليك كشوق الصلاة للجبين.. احبك يا أمي بكل شعوري, احبك في فرحي وفي حزني, احبك بكل شجوني, احبك بكل جنون الكون. احبك يا امي. [email protected]