إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    عقلية "رشاد العليمي" نفس عقلية الماركسي "عبدالفتاح إسماعيل"    تصريحات مفاجئة لحركة حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والانخراط ضمن منظمة التحرير بشرط واحد!    تطور مهم.. أول تحرك عسكري للشرعية مع القوات الأوروبية بالبحر الأحمر    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    فيديو صادم: قتال شوارع وسط مدينة رداع على خلفية قضية ثأر وسط انفلات أمني كبير    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدن وأصدقاء (3)
أنا والحياة سيرة ذاتية
نشر في الجمهورية يوم 26 - 03 - 2010

(إلى الأجيال المعاصرة والأجيال القادمة أهدي هذه السيرة الذاتية التي تعتبر ليست وقائع لحياة كاتبها فحسب، ولكن فيها وقائع من حياة شعبنا اليمني وصدى لبعض ما كان يجري من حولنا في أقطارنا العربية الشقيقة.
فإلى هؤلاء أقدِّم سيرتي الذاتية لعلهم يجدون فيها ما يفيدهم في حياتهم القادمة التي لاشك أنها ستكون أحسن من حياتنا الماضية)
فانضممت إليهما وكونّا معاً فريقاً واحداً أخذنا فيه نتأهب للحج وذلك بشراء ما يلزم للحج كالمناشف البيضاء ومضلات تقي من حر الشمس وغير ذلك وهكذا وفي الثامن من شهر ذي الحجة تحرك بنا قطار الباصات المكون من سبعة باصات لنبدأ أولى شعائر الحج.. وكان من بين ركاب الباص الذين ركبنا فيه عدد من شيوخ أهل الغيل من كبار السن يصحبهم رجل فاضل كان يعمل والمربي سعيد عوض باوزير وهو خالي والأخ الأكبر لأمي.. وهكذا تم التألف بيننا وجعلنا نتبادل التكبير فيما بيننا.. ولكن هذا الرجل وقد نصب نفسه قائداً لذلك الجمع من الشيوخ لا يعرف هذه المناسك لانه لأول مرة يزور المملكة ولهذا فبعد ادائنا طواف القدوم للكعبة الشريفة والسعي لم يهتد إلى المكان الذي حددناه له لنتجمع فيه للانطلاق إلى مزدلفة للمبيت هناك ولهذا وبعد انتظار دام أكثر من ساعتين تركناهم لمصيرهم مخافة أن يفوت علينا الوقت وانطلقنا إلى مزدلفة ومنها جمعنا احجار الجمار وبعد صلاة الفجر تحركنا إلى عرفات ولم نلتق بأولئك الضائعين إلا حوالي العاشرة صباحاً عندما احضرتهم شرطة الحج إلى مخيمنا بعرفات على هدى بطائقهم التي يحملونها والتي تحمل اسم صاحب ذلك المقاول وعنوان مخيمه ,وهي طريقة جيدة يتبعونها عند ضياع الحجاج كحالة اصحابنا ,وقد كان من هؤلاء الشيوخ الذين تاهوا شيخ كبير السن ويظهر أنه قد بدأ يخرف وماكان له وهو في هذا السن أن يحج ,ولكن هكذا هو حال العديد من العامة من الناس من الشيوخ نساء ورجالاً يتقاعسون عن الحج حتى إذا وصلوا إلى سن كبير فكروا في الحج , هذا الشيخ أصبح حديث الجميع ,فهو منذ وصوله إلينا بعرفات وهو يهذي بحديث من (اللامعقول) فقد كان يقول لنا آنه هو وجماعته قد وصلوا إلى مدينة الغيل وهم في بحثهم عنا ,وأنه قد رأى بيته أمامه وأخبر قائدهم (مبارك العبد) ولكنه لم ينتبه له.. هذه الحادثة ذكرتني بقصة (صندوق الجدة نفيسة) التي نشرتها ضمن مجموعة (الحذاء) عندما سألها حفيدها عند عودتها من الحج قائلاً لها: اوصفي لنا ياجدتي احساسك عندما رأيت الكعبة لأول مرة ؟ وتصمت الجدة ويحترم حفيدها هذا الصمت ويتوقع منها أن تصف إحساسها بذلك ولكنها تفاجئه قائلة:
إذا تريد الحق يابني فإنني في دهشة.
وهنا يرد عليها حفيدها قائلاً في دهشة.
أولم تحجي ياجدة؟
وترد الجدة بكل برود:
حجيت وطفت حول الكعبة لا أدري كم مرة ,ولكنني يابني لم أرها ,فقد كانت الزحمة شديدة ,والشمس ساطعة أسير مع الناس حيثما ساروا.
ويرد عليها الحفيد قائلاً:
أولم تحسي بشيء؟
فترد قائلة:
نعم احسست بدوخة.
هذا الحوار الذي اجريته بين العجوز الحاجة وحفيدها يعطينا فكرة واضحة لحالة أمثال هؤلاء العجائز الذين يذهبون إلى اداء فريضة الحج وهم في سن ربما لا يدرون فيها مايفعلون.
كان المخيم الذي نزلنا فيه بعرفات كبيراً وكان عبارة عن مجموعة من الخيام ضرب في مكان قفر فرشت أرضه بالرمال الحارة وكان قماش الخيام الذي التف حولنا مصنوعاً من الصوف مما جعل الجو من الداخل يشتعل بالحرارة ,فكنا وكأننا في فرن ولولا بعض البراميل المليئة بالثلج لأصبنا بالاغماء فقد كنا حينها في أوج أشهر الصيف ولم تكن الأشجار قد نبتت مثل الآن ولم تستحدث بعد النافورات التي ترسل رذاذها على الجميع لتخفف من حرارة الجو كما هو الآن هذا الجو أمرضني واصبت بعد وصولي إلى جدة بانفلونزا حادة اقعدتني اسبوعاً كاملاً.
عند انتقالنا ذلك اليوم بعد غروب الشمس من عرفات إلى منى لنقضي فيها أيام التشريق ورمي الجمار ويوم السعي وبعد عودتنا من مكة المكرمة التي صلينا فيها صلاة العيد بعد أن تحللنا من ثياب الاحرام ولبسنا ثياب العيد توجهت إلى المذبح بمنى لأذبح ذبيحة العيد ,دخلت سوقاً واسعة واخترت لي ضحية من الغنم مكتنزة الجسم مسلمة من كل عيب وبقيت واقفاً ممسكاً بقرونها حتى اقترب مني أحد الإخوة اليمنيين من محافظات الشمال وهو يسحب ضحيته فوضعها أرضاً أمامي وكبر ونحرها ثم تركها حيث ذبحها وهم بالعودة ولكنني ناديته وطلبت منه أن يذبح ضحيتي بعد أن وكلته بذبحها نيابة عني , وبعد أن ذبحها قلت له مستغرباً : ولكن هذه الذبائح لم تترك هكذا ومن يأكلها ؟ فأمسك بيدي ليسوقني على نهاية ذلك السوق وإذا بي أرى مئات بل آلافاً من الجمال والبقر والغنم في حجم تل كبير البعض منها بقرت بطونها لإخراج اكبادها والبعض نزعت فخوذها ,استغربت لذلك ! فقال لي الرجل موضحاً بعد غروب الشمس يتم حرق كل تلك اللحوم حتى لايؤثر بقاؤها على صحة الحجاج ,وحينها طرأت في ذهني عدة اسئلة لماذا لايستفاد من هذه اللحوم بأي طريقة كانت؟ وبعدها بسنوات تغيرت هذه العادة واستبدل بها البطاقات التي تؤدي للحاج حقه في الأجر وينتفع بلحوم تلك الأضاحي التي تذبح في مكان خاص وتجمد لتوزع على فقراء بعض الدول الفقيرة.
وبعد انتهاء مراسيم الحج عدنا إلى جدة وبعد انقضاء أسبوع كامل كما ذكرت سابقاً قضيتها على الفراش وبعد أن استعدت صحتي بدأنا نستعد لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة.
بعد أن شفيت تماماً من الانفلونزا التي اصابتني في ايام الحج بدأنا الاستعداد لزيارة المدينة المنورة وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد تأخر عنا في هذه الزيارة صاحب تلك الأسرة الذي حج معنا وكان كثير التردد على المملكة وفي كل موسم حج كان يقوم بزيارة المدينة , كان رفيقي في تلك الزيارة الصنعاني وهو رجل كبير السن كما قلنا سابقاً وتعتبر رحلة كهذه رحلة شاقة بالنسبة لي فهو في حاجة إلى مساعدة ومراقبة طوال الوقت ,لكنني كنت اقول لنفسي : إن هذه الرحلة ليست كأي رحلة اخرى أنها رحلة عبادة والفضل فيها كبير , ولهذا فقد خفف عني هذا الشعور حمل عبء ذلك الشيخ الطيب , وهكذا بدأت الاستعداد لهذه الرحلة وكان أول مافكرت فيه هو شراء مشدة اعتم بها تكون العلم الذي يهتدي به رفيقي الصنعاني كلما تاه في الحرم المدني مع زحمة الناس.. ووجدت ضالتي في مشدة خضراء يقل أن يرتديها أحد من سكان تلك المنطقة أو غيرها ولربما أن الشخص الوحيد الذي كان يرتديها هو منصب آل باوزير في يوم العيد عندما يتقدم (الزف) يوم الزينة.. حتى هذه العادة قد انقرضت الآن..
ارتحت لهذه الفكرة التي نفذتها منذ ذلك اليوم وحتى قبل السفر إلى المدينة المنورة ,ومنذ ذلك اليوم اصبح ذلك الشيخ يتبعني كظلي وهكذا وفي الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة توجهنا إلى المدينة بالباص فقد كانت رحلات الطائرة مزدحمة وكان أحد اصدقائي الذي نعمل معه سوياً بمتجر رويال بعدن وهو من إحدى المحافظات الشمالي قد سلمني رسالة لابن عمه الذي يعمل بالمدينة بأحد المشارب التي تقع بجانب المسجد النبوي كتب له فيها أن يقوم بمساعدتنا ولهذا فحين وصولنا المدينة قصدنا ذلك الرجل وقد اهتدينا بالعنوان الذي كتبه صديقي على ظرف تلك الرسالة ,وبعد أن رحب بنا وسقانا من ذلك المشرب الذي يعمل به قال لنا: إن خير مكان لنا هو ذلك الفندق الذي فوق المشرب تماماً , يطل على المسجد النبوي لكنه الآن ملآن بالزبائن ولاتوجد فيه غرفة فارغة , ثم اردف قائلاً: إن الحجاج لايمكثون أياماً طويلة بالمدينة وسرعان ما تفرغ إحدى هذه الغرف الليلة أو لربما غداً.. ارتحنا لذلك لكن مبيتنا الليلة واحدة خارج ذلك الفندق يعد مشكلة لنا.. ولعل ذلك الصديق الذي تعرفنا عليه قد قرأ افكارنا فقال: ضعوا متاعكم عندي بالمشرب واذهبوا إلى المسجد للزيارة وعند عودتكم بايكون خير إن شاء الله ونفذ فكرته فقد اخذ متاعنا ووضعه بالجانب الداخلي في المشرب ,كانت الساعة حينها تشير إلى الحادية عشرة صباحاً , توضانا بالمشرب ثم توجهنا إلى المسجد وكم كان سرورنا عندما اكتشفنا أن المسجد لايبعد عن مكان ذلك الفندق إلا بضع خطوات , وهكذا دخلت المسجد والصنعاني خلفي يمسك بذيل تلك المشدة الخضراء وبعد أن قمنا بزيارة قبر رسول الله اخترنا لنا مكاناً بجانب الروضة الشريفة وجلسنا بانتظار صلاة الظهر وبعدها توجهنا عائدين إلى ذلك المشرب وهم السكن لايزال جاثماً على صدورنا فقد كنا مرهقين وفي حاجة لأن نستريح ونريح اجسادنا , وعند وصولنا اخبرنا صديقنا بأنه قد حل مشكلة السكن وأنه اخبر صاحب الفندق وهو صاحب المشرب الذي يعمل به صديقنا بأن يمنحنا الغرفة الأرضية الخاصة بصاحب الفندق التي يأوي إليها بين فترة وأخرى لتكون سكناً لنا حتى تفرغ إحدى غرف الفندق ولعله اعلمه بالصلة التي تربطنا بابن عمه الذي اعمل معه بعدن , وهكذا حلت مشكلتنا لندخل غرفة صغيرة لكنها كانت نظيفة ومفروشة بالقطف الفاخرة .. وقد اخبرنا صديقنا بأننا اليوم في ضيافته , وبعد استراحة دامت اقل من ساعتين وفي الثانية بعد الظهر امتدت امامنا مائدة الغداء لتشمل فيما شملت من الأرز والفواكه رأس غنم كامل التقينا حوله مع عمال ذلك المشرب وصديقنا بجانبي يكدس اللحم أمامي ويحثني على الأكل وبعد الحاح شديد منه اخبرته بأن معدتي مريضة واكتفيت بقطعة صغيرة من الكبدة وبعض الفتات الناشف من اللحم وبعد الأكل وشرب الشاي الأحمر وقبل حلول موعد أذان العصر توجهنا مسرعين إلى المسجد لنأخذ لنا مكاناً للصلاة قبل أن يتوافد عليه المصلون وبعد أن أدينا الصلاة توجهنا إلى المشرب بعد أن ابدى الشيخ الصنعاني رغبته في شرب احد المشروبات فوجهنا ذلك الصديق على (فريزر) كبير لنختار منه مانشاء وفيما انكب الصنعاني على تلك الثلاجة واخذ يقلب بيده بين انواع العصائر المعلبة إذا به يرفع يده بسرعة كمن لدغته عقربة واخذ يصرخ رافعاً كلتا يديه إلى الأعلى وهو يقول :(استغفر الله العظيم.. استغفر الله العظيم) كان يقول ذلك وهو يتقهقر إلى الخلف وقد ارتسم عليه الخوف خفت أن يفلت ويهرب فاشرت إلى عمال المشرب أن يمسكوا به وأن لايدعوه يبتعد كثيراً.. حتى لا يتوه عني وهكذا التف حوله عدد كبير من الناس وهم يحاولون تهدئته ولكنه عاود صرخه من جديد وإن كان بصوت اقل من صراخه قائلاً لمن حوله استغفر الله العظيم.. خمر.. بجانب مسجد رسول الله وعندها فطنت إلى سبب هياجه الشديد وكنت عند قدومي في صباح ذلك اليوم الذي وصلنا فيه قد رأينا أحد الزوار ولعله تركي يمسك بيده علبه مكتوب عليها كلمة بيرة مما اثار حفيظتي أول الأمر ولكنني ما أن رايت الاشارة بانها خالية من الكحول حتى هدأت نفسي.. ولكنني لم اتصور أن يبلغ هلع الصنعاني إلى هذا الحد الذي وصل إليه ولكنني ارجعت ذلك إلى إحساسه الشديد وتمسكه بالثوابت الدينية الثابته في نفسه وهو الشيخ الورع الصالح لهذا تقدمت منه وقد هدأ روعه قليلاً فسقته إلى غرفتنا وجعلت اشرح له أمر ذلك المشروب الذي وأن كتب عليه كلمة بيرة غلا انه خال من الكحول ولايسكر وأنه كأي عصير آخر وعند ذلك نظر إلي بنظرة خاصة وكأنه يقول لي انه يصدقني.
في اليوم الثاني قصدنا مكان التجمع الذي تنطلق منه سيارات الأجرة الصغيرة والباصات التي يستأجرها الحجاج في جولة إلى المزارات التي تقع خارج المدينة المنورة كمساجد الصحابة وجبل أحد مساجد قباء وغيرها من المزارات الأخرى التي تكن لها أنفس الحجاج التقديس والتعظيم ,ولأن السيارات الصغيرة مكلفة ونحن اثنان فقد رأينا أن نكون ضمن جمع من الزائرين فتخف الأجرة ونسعد بصحبة آخرين ونتعرف عليهم وهكذا اجتمعنا عشرة أشخاص في باص متوسط أغلبهم مصريون واخترنا قائداً يقودنا وهو مصري عظيم الجثة فكه الحديث قال لنا إنه سبق له وأن زار تلك المزارات وهكذا انطلقنا بقيادة ذلك المصري الظريف الذي أطلقنا عليه اسم(العمدة) ومنذ أن وطئت أقدامنا أرض أحد تلك الأماكن ونحن نستحضر ذلك الزمن الذي بدأت فيه الدعوة إلى الاسلام وتوحيد الله عزوجل على يد رسوله محمد(صلى الله عليه وسلم) وكلما زرنا مسجداً أو بقعة من تلك الأماكن الطاهرة ازداد شعورنا بالسمو والمحبة لتلك الأماكن.. لنعود بعد ذلك إلى جدة وقد تطهرت نفوسنا من شهوات الدنيا ولكننا وبمجرد أن وصلنا إلى شوارع المدينة عادت أنفسنا توسوس لنا من جديد لننغمس في الحياة الدنيا، اللهم إلا في أوقات الصلاة التي لاتخلو هي الأخرى من فلتات تعود إلى ما جبلنا عليه من حب الدنيا وشهواتها وعند عودتنا إلى صديقنا بالمشرب أخبرنا أن هناك غرفة قد فرغت بالفندق وأنه قد حجزها لنا ولكن سيشاركنا فيها شخص ثالث لأنها تحتوي على ثلاثة أسرة فلم نمانع في ذلك وكان الوقت متأخراً لهذا صلينا الظهر بالمسجد وتوجهنا إلى أحد المطاعم المجاورة لتناول طعام الغداء، ثم توجهنا إلى غرفتنا بالفندق لنجد زميلنا الثالث قد سبقنا إليها، وهو شاب صنعاني وسيم وجميل الطلعة ويبدو عليه أنه من أسرة كبيرة وهو ما أكده لي بعد ذلك صديقي الشيخ الصنعاني ليذكر لي اسم أسرته وقبيلته، هذا الشاب أخبرنا أنه يعمل بشركة البرق واللاسلكي بصنعاء وأنه وصل إلى جدة للحج وهو في طريقه إلى أمريكا في دورة تدريبية تدوم عدة أشهر وكان شاباً مهذباً سعدنا بصحبته في اليومين التي قضاها معنا بالفندق ثم غادرنا بعد أن سجل لنا عنوانه في صنعاء وحثنا على زيارته بعد عودته من أمريكا لكن الكوابح التي كانت مفروضة علينا ذلك الحين حالت بيننا وبين زيارة صنعاء فلم نفلح في اختراقها إلا عام 1989م عندما بدأ تنقل مواطني الشطرين بالبطاقة الشخصية.. وقد مرت على تلك الرحلة خمس سنوات ضاعت فيها عناوين ذلك الشاب ولم أعاود الإلتقاء به حتى اليوم.. وفي اليوم الرابع لوصولنا المدينة شددنا الرحال للعودة إلى جدة.. وهناك قضيت الأيام المتبقية لي وأنا أتنقل بين بعض الأقارب والأصدقاء ومن بين من زرتهم.. فضيلة الشيخ سعيد علي بامخرمة الذي خصص جزءاً من منزله لإيواء الحجاج الذين لايوجد لديهم معارف في جدة يأوون إليهم، ثم اختتمت زيارتي بزيارة عزبة مبخوت وجلست مع صديقي مبخوت الذي شرح لي بأنه قد اطلع على القصة التي نشرتها باسمه في مجلة المسار وذلك عند زيارته للقنصلية اليمنية بجدة.
في الليلة الأخيرة من زيارتي قمت بعمرة مع أولاد قريبي الذي نزلت عنده بجدة وهكذا ذهبنا عصر ذلك اليوم إلى مكة وبعد أداء العمرة قضينا شطراً من الليل معتكفين داخل الحرم نقرأ القرآن وقد تحلقنا جميعاً ليقرأ كل واحد منا بعض الآيات ويستمع الباقون له كما هي العادة التي تجري في مساجد حضرموت وفي بعض مساجد عدن، ولما اقترب موعد عودتنا إلى جدة قيل لي إن عليك الآن أن تؤدي طواف الوداع لأنك مسافر غداً إلى عدن فقمت من بينهم لأقوم بالطواف لوحدي وجلسوا بانتظاري يقرأون القرآن وقد أوصوني أن لا أتوه منهم بعد عودتي من الطواف وحددوا لي الجهة التي تقابلهم للخروج من دائرة الطواف.. وهكذا بدأت الطواف وجعلت أطوف وسط جموع من الحجاج من كل أنحاء العالم ومن أعراق مختلفة عرباً وأتراكاً وأفغاناً وأفارقة طوالاً وعراضاً جعلت أطوف بينهم بصعوبة بالغة فقد كان البعض منهم وخصوصاً الأفارقة يشكلون مع بعضهم البعض سداً قوياً أمام الحجاج ويتحركون هكذا وهم يندفعون إلى الأمام.. مثل هذا السد كان يجرني إلى الأمام وأحياناً ارتفع إلى الأعلى وتظل قدماي معلقتين في الهواء حتى إذا مرت موجاتهم هبطت إلى الأرض لتقوم فرقة أخرى فتدفعني أمامها وأخيراً تركت لهم زمام الأمر يحركونني كيفما شاؤوا وصرت كالريشة في مهب الريح حتى أنهيت طوافي فوقفت برهة وأنا التفت إلى المكان الذي حدده لي رفاقي للخروج منه لكي أنضم إليهم وفيما أنا كذلك إذا بموجة كبيرة من الحجاج الأفارقة تدفعني أمامها وتخرجني من بين جمع الحجاج إلى خارج الحلقة فما دريت إلا وأنا واقع على الأرض في صحن المسجد فوقفت استطلع ماحولي ومددت عنقي لكي أرى رفاقي فلم أفلح فقد كان الناس أمامي داخل المسجد مثل الدود.. وجعلت أفكر كيف أهتدي إليهم وقد ضاعت العلامات التي حددوها لي وليس باستطاعتي العودة لوحدي إلى جدة.. ولمحت في ذهني فكرة صائبة ونفذتها في الحال فخرجت من الحرم ومن الباب الذي أمامي وجعلت أتذكر الباب الذي دخلت منه مع رفاقي حتى وجدته فدخلت وأنا أتلفت وإذا بي أراهم في جلستهم التي تركتهم عليها وهكذا تحركنا من مكة إلى جدة وبعد أن أخذت حقائبي من منزلهم ودعتهم وتحركت وحدي إلى المطار بعد أن تأخر الصنعاني مع قريبي ليعودوا إلى عدن بعد اسبوع.
وفي نهاية هذه الزيارة أتذكر حادثة غريبة ارتبطت بهذه الرحلة باثنين من أشخاصها الأول هو صديقي وزميلي الذي أعمل معه بجدة والثاني ابن عمه الذي استضافنا بالمدينة وقد وقعت تلك الحادثة بعد نشوب الحرب الخليجية الثانية حينما هجم صدام على الكويت وما ترتب عليه بعد ذلك من خروج الكثير من العمال اليمنيين من السعودية والذين كان من بينهم ابن عم زميلي بمتجر رويال بعدن.. هذا الشخص بعد أن فقد كل شيء نتيجة لتلك الحرب وصل إلى عدن والتقى بابن عمه وكان لهما ارث من الأرض المزروعة تركاها لابن عمهما الأكبر باحدى القرى الشمالية ولهذا فكرا بأن يسافرا إلى القرية التي توجد بها الأرض ويطلبا من ابن عمهما نصيبهما منها وهكذا تحركا من عدن إلى تلك القرية فوصلاها ليلاً وقصدا بيت ابن عمهما الذي رحب بهما وبعد أن قدم لهما عشاءً دسماً أعطى لكل واحد منهما فراشاً وأدخلهما أحسن ماعنده من الغرف وتركهما وذهب لينام ولكن النوم لم يطرق عينيه وقد تيقن من أن وصول أبناء عمه الاثنين ليس صدفة وأنهما لم يصلا هذه الليلة إلا ليطلبا منه إرثهما وأنهما سينزعان منه ثلثي الأرض الذي تعب في رزاعتها ولهذا أخذ يدبر الأمر لإبعادهما عن تلك الأرض وعندما انتصف الليل أحضر سلاحاً نارياً وأطلق رصاصة على ساعده الأيسر لم تصبه إلا بخدش بسيط ولكنها أسالت دمه وبعد أن أخفى سلاحه خرج على أهله وهو يصيح ويتصنع الألم والفزع قائلاً: بأن أبناء عمه حاولا قتله وعلى صراخ الرجل تجمع أهالي القرية ليستطلعوا الخبر وكان أكثر من تجمع من أصدقائه الأقربين لديه وما إن أعلمهم بالخبر حتى هبوا جميعاً وقبضوا على ابني عمه وساقوهما إلى شيخ القرية الذي يعتبر هو الآخر صديقاً لابن عمهما فأودعهما السجن دون سؤالهما أو التيقن من صحة ادعاء ابن عمهما ومضت الأيام والاثنان يرزحان داخل سجن الشيخ ولما مر على غيابهما أكثر من شهر تحركت أسرة زميلي وأرسلت أحد أفرادها إلى القرية التي قصدها زميلي مع ابن عمه ولما عرف ذلك الموفد قصة الحادثة قصد إلى شيخ القرية وطلب منه أن يفرج عن زميلي وابن عمه مقابل أن يتنازلا لابن عمهما عن الأرض ولكن الشيخ لم يفرج عنهما إلا بغرامة مائة ألف ريال على كل فرد منهما وهكذا عادا من القرية بعد أن دفع أهالي الاثنين الغرامة التي طلبها ذلك الشيخ الظالم ليحرم زميلي أن تطأ قدماه تلك القرية بعد ذلك.
«انتهى»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.