الجنوب يفكّك مخططا تجسسيا حوثيا.. ضربة جديدة للمليشيات    أمطار رعدية تعم 20 محافظة يمنية خلال الساعات القادمة.. وصدور تحذيرات مهمة    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الثامنة)    مليشيا الحوثي تحاول الوصول إلى مواقع حساسة.. واندلاع مواجهات عنيفة    السعودية تطور منتخب الناشئات بالخبرة الأوروبية    الشباب يكتسح أبها.. والفتح يحبط الرائد بالدوري السعودي    بالصور: متناسيا أزمته مع الاتحاد السعودي.. بنزيما يحتفل بتأهل الريال    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    إيران تغدر بحماس وتطعنها وراء ظهرها.. صفقة إيرانية أمريكية لاجتياح رفح مقابل عدم ضرب إيران!    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدن وأصدقاء "2"
أنا والحياة سيرة ذاتية
نشر في الجمهورية يوم 25 - 03 - 2010

(إلى الأجيال المعاصرة والأجيال القادمة أهدي هذه السيرة الذاتية التي تعتبر ليست وقائع لحياة كاتبها فحسب، ولكن فيها وقائع من حياة شعبنا اليمني وصدى لبعض ما كان يجري من حولنا في أقطارنا العربية الشقيقة.
فإلى هؤلاء أقدِّم سيرتي الذاتية لعلهم يجدون فيها ما يفيدهم في حياتهم القادمة التي لاشك أنها ستكون أحسن من حياتنا الماضية)
وكان يشرف على تحريرها الشاعر الكبير “سعدي يوسف “ في هذه القصة برغم انتصاري لبطل القصة التي يمثلها أمثال صديقي مبخوت وجعله بدلاً من هروبه يقاوم ويقاوم حتى أوصلته إلى مرتبة عليا وجعلته يحلق في السماء وذلك طبقاً لطبيعة التطور التي كنا نأملها من تلك الثورة الوليدة إلا أنه لما تغير مسار الثورة تغيرت نظرتنا إليها الشيء الذي جعلني بعد أحداث 13 يناير الدامية عام 1986م أكتب أقصوصة “سقوط طائر الخشب” التي نشرت في صحيفة 14 أكتوبر يوم 3 فبراير 1989م و التي تنبأت فيها بسقوط الحكم الشمولي ليس في الجنوب فحسب ولكن في “الاتحاد السوفيتي “ السابق الذي كان يرتكز عليه الحكم خلال مسيرته الاشتراكية.
دامت هذه الجلسات مع هؤلاء الأصدقاء طوال مدة بقائي في جدة والتي استمرت طوال شهر رمضان المبارك،وكنت قد جعلت من تلك الشقة التي يسكن فيها أولئك الأصدقاء مخزناً لكل مشترواتي التي كنت أشتريها من سوق جدة،فقد كنت حينها أجهز لزواج ابنتي، لأن أسواق عدن كانت فارغة من الأقمشة الفاخرة وبعض الأمتعة الغذائية الجيدة، ولهذا فقد قمت بشراء صندوق حديد كبير كنت أخزن فيه كل ما أشتريه في فترة بقائي بجدة، ويحضرني الآن قول أحد الأصدقاء في عدن معلقاً على ذلك بأنه سمع إحدى العجائز وهي تودع بنتها المسافرة إلى جدة عند زوجها وهي توصيها قائلة لها:
“ إذا قالوا لك عندكم شي في عدن ثلاجة؟قولي ماشي عندكم طباخة؟
قولي ماشي .. عندكم شي غسالة؟
قولي ماشي ماشي .. ماشي.
بعد ثلاثة أيام من وصولي إلى جدة قمت بصحبة صديقي بأداء العمرة، تحركنا بالطريق السريع بسيارته بعد صلاة الفجر لأننا نعلم أن جو مكة في ذلك الشهر سيكون حاراً جداً ولهذا تحركنا بعد صلاة الفجر وعند وصولنا واجهنا ذلك الجو الحار إلا أننا كنا متعودين عليه في عدن ولهذا فلم نأبه به لكننا وجدنا قوالب الثلج على طول الطريق بين الصفا والمروة ، هذه القوالب مخصصة لمن لا يعتاد الحرارة كالأتراك والإيرانيين وغيرهم.
وبعد أيام من عودتي من أداء العمرة الأولى عزمت على زيارة قبر رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة وعندها قام صديقي بجدة وكان يعمل في مكتب الشركة التي يعمل به صديقي في جدة كما حجز لي غرفة بفندق يقع أمام المسجد النبوي مباشرة.. هذا الصديق لصديقي شاب سوداني ظريف وطيب جداً شأن كل أخواننا السودانيين،وما إن حطت الطائرة على مطار المدينة حتى تقدم إليَّ ذلك الشاب وبيده الحقيبة التي هي أخت الحقيبة التي أحملها وهي من هدايا تلك الشركة والتي اتفقنا على أن تكون هي العلامة التي تدل الشاب علي وتدلني عليه، وهكذا ما إن رأيت حامل تلك الحقيبة يتجه إليّ بعمامته السودانية المشهورة وثوبه الأبيض حتى مددت يدي لمصافحته ولكنه وكعادة الأخوة السودانيين تقدم إليّ واحتضنني في شوق وكأنه يعرفني من مدة طويلة وهكذا تم التعارف فيما بيننا، هذا إلى جانب الاستقبال الحار الذي لمسته من جو المدينة، ولأن وقت صلاة الظهر لم يحن بعد فقد اتجهت إلى الفندق ودخلت غرفتي المكيفة لأنام حتى أذن لصلاة الظهر، اتجهت إلى المسجد وبعد الصلاة قمت بزيارة قبر الرسول وخرجت لأنطلق في سوق المدينة التي تقع بجانب المسجد مباشرة، وجعلت أتنقل من متجر لآخر ونظراتي تجوس بين آلاف الأصناف من الأقمشة المتنوعة التي أعجبتني،لم أشتر حينها شيئاً تلك الليلة ولكنني قررت أن لا أختار كل طلباتي من سوق جدة الكبير الذي سيضطرني إلى التردد عليه أياماً طويلة ولهذا فقد قررت أن تكون جولتي لاختيار ما أشاء من تلك السوق في المساء حيث يكون الذهن صافياً والنفس منتعشة، وعند سماعي صوت المؤذن للمغرب في المسجد اتجهت لأجد أن المسجد غاص بالمصلين وأدركت أنني وصلت متأخراً فلم أجد لي مكاناً فيه ولهذا اتجهت لأجد لنفسي مكاناً خارج المسجد، أنهيت صلاتي وجلست بين مجموعة صغيرة من المصلين افترشت الأرض وقد امتدت “سفرة” أمامهم عامرة بما لذ وطاب من الأطعمة والفواكه المتنوعة التي أخذت تنهال عليهم من أصحاب البيوت المجاورة للمسجد، هذه المجموعة هم من الزوار الأندونوسيين عرفتهم بضآلة أجسادهم و “ الصواريم” الجاوي التي يلبسونها والكوافي التي على رؤوسهم..
وكنت أرتدي ما يرتدون إلا أن ليس لدي كوفية ولهذا فقد ربطت منديلاً قطنياً على رأسي وأندسست بينهم كواحد منهم ولهذا ما إن التفت إلى الذي أجلس بجواره حتى أرسل إليّ سيلاً من الحديث باللغة الأندونيسية وقد ظن أنني أندونسي منهم لكن وبعد أن أشرت إليهم بأنني من حضرموت زادت حفاوتهم بي وجعلوا يقربون لي بعض الأنواع من الفاكهة وصحون الشربة، وهكذا أصبحت كل ليلة ألتقي بهم خارج باب المسجد لنفطر سوياً بعد أن أحضر معي كيلو تمر من النوع الفاخر وذلك عندما وجدت أن التمر الذي يوزع عليهم قليل جداً بعد صلاة المغرب والإفطار،عدت إلى الفندق لأستريح حتى حان موعد صلاة العشاء والتراويح، نهضت إلى المسجد لأداء الصلاة ثم بعد ذلك توجهت إلى أحد المطاعم وتعشيت، ثم انطلقت إلى سوق المدينة أبحث عن الثوب الأول الذي قررت أن أشتريه .. حيث أني وحتى لا أشتري شيئاً وأندم عليه قررت أن اختار ثوباً واحداً فقط لكل ليلة وذلك خلال بقائي بالمدينة وهكذا ولمدة أسبوع وبعد جولتي أتناول وجبة السحور ثم أقضي الساعات المتبقية من الليل معتكفاً بالروضة الشريفة حتى إذا حانت الساعة السادسة صباحاً أخرجنا حرس المسجد إلى صحن المسجد المكشوف ليفسحوا المجال للنساء لزيارة القبر بعيداً عن الرجال.
بعد عودتي من المدينة قمت أنا وصديقي وجميع أفراد أسرته بأداء العمرة الثانية التي كانت في يوم جمعة وأذكر أنني وفي النصف من رمضان حدثتني نفسي باقتناء بعض الكتب الأدبية ولأن ليس لصديقي اهتمامات أدبية وهذا شيء مألوف لدى كل من أعرفهم ممن يعملون بجدة ربما أن أوقاتهم لاتسمح لهم بالقراءة أو لأن إيقاع مدينة جدة هو تجاري بحت لهذا أعفيته من مصاحبتي وأخذت أقوم بجولة في بعض المكتبات التي من حولي، ولكن لم يرق لي شيء مما يعرض في تلك المكتبات من كتب، غير أنني وجدت من بين المعروضات كتاباً صغيراً للأستاذ إبراهيم المازني اشتريته لأتمم به مجموعة كتبه التي أحتفظ بها جميعاً، وفي يوم آخر قمت أنا وصديقي بزيارة أحد أصدقائه من السعوديين من أهل جدة الذي استقبلنا في حفاوة بالغة، وقدم لنا التمر وقهوة الهيل، وهي الضيافة الأصيلة التي تقدم للضيوف الأعزاء، وكانت تلك آخر ليلة قضيتها في جدة، فبعد تلك الزيارة وفي وقت متأخر من الليل قمنا معاً بالعمرة الثالثة، وأديت فيها طواف الوداع حيث قمت في صبيحة يوم السابع والعشرين من رمضان بمغادرة جدة عائداً إلى عدن.
بعد أكثر من عام من زيارتي التي قمت بها إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة ولزيارة صديقي محمد عمر العماري قمت بزيارة أخرى في بداية شهر ذي الحجة عام 1404ه لأداء فريضة الحج وكان سفري في هذه المرة عن طريق مطار عدن، مصطحباً معي امرأة قيل لي إن أخاها سيكون بانتظارها بمطار جدة، وهكذا أثقلت نفسي بذلك القيد الذي قيد حركاتي، وحرمني من التصفح في وجوه من حولي من المسافرين، وهي متعتي التي أمارسها في التعرف على خلق الله التي تتجمع في المطارات والطائرات وغير ذلك فأدقق النظرات في وجه هذا وذاك وكأنني أمام عدد كبير من الكتب تعرض علي واحداً بعد الآخر فأرى الجيد منها والرديء ولهذا ونظراً لوجود تلك المرأة بجانبي فقد ظللت طول وقتي وأنا متخشب على المقعد أتحاشى النظر إلى هنا أو هناك مخافة أن يكون في تصرفي مايسيئها.
كان تحركنا من مطار عدن في حوالي العاشرة صباحاً، لنصل إلى مطار جدة في الحادية عشرة وخمسين دقيقة ولما بحثت عن أخ تلك المرأة لم أجده، أما صديقي محمد فلدي علم مسبق بأنه لن يستقبلني حيث كان يومها يتهيأ للسفر إلى القاهرة لعلاج ابنه الكبير “عمر” الذي أصيب بشلل إثر اصطدامه بباص وهو على دراجته الهوائية كما أنه أعلمني بأنه قد غير شقته التي بباب مكة وسكن بإحدى العمارات الكبيرة بقلب جدة، ولهذا وبعد أن علمت بسفره فقد قررت أن أسكن عند أسرة تقرب لزوجتي كنت قد زرتها في رحلتي السابقة وأعرف عنوانها تماماً، ثم إنني كنت في شوق إلى التعرف على جدة بشوارعها ومتاجرها وأحيائها وعلى هواي أنا وبرجلي، لأنني كنت في رحلتي السابقة التي قضيتها عند صديقي محمد لم أر مدينة جدة إلا من خلال زجاج نافذة سيارته، وقبل أن أتحرك من المطار تلفنت إلى أخ تلك المرأة فأفادني أن أصحبها معي إلى الأسرة التي أنوي السكن عندها وأنه سيمر هو ليأخذها من هناك وهكذا تحركنا في الثانية عشرة ظهراً إلى منزل تلك الأسرة وأدخلت حملي الثقيل إلى غرفة النساء ولجأت إلى غرفة الرجال وأبلغت ابن صاحب البيت الذي يعمل بجدة أن يتركوا لي حريتي وأنني لست في حاجة إلا إلى المبيت بتلك الغرفة ولربما أفضل المبيت في بيت أحد الأصدقاء في بعض الليالي، بعد هذا الاتفاق استراحت نفسي إلى أنني سوف أقضي الأيام التي تسبق أيام الحج حراً طليقاً أتنقل حيث أشاء، وهكذا وفي اليوم الثاني منذ وصولي جدة، أتصلت بأحد الأصدقاء كان يعمل قبل السفر إلى جدة بأحد المتاجر للذهب بناصية حارة الشريف بعدن وبالقرب من العمارة التي كنا نسكنها ذلك الحين قبل أن ننتقل إلى سكننا الحالي الذي يقع نهاية نفس الشارع وعلى بعد عشرات الأقدام من مدرسة بازرعة.. هذا الصديق أخبرني بأنه مستأجر شقة بجانب مجمع سوق الذهب بمفرده وطلب مني أن أنتقل إلى تلك الشقة، فسررت لذلك وقد سلمني المفتاح الآخر للشقة أدخل وأخرج منها على حريتي، هذا الصديق يعمل وسيطاً بين صناع الذهب بمدينة الطائف وبين بعض بائعي الذهب بذلك السوق، وبالأخص من الباعة الحضارم الذين يملكون بعض المتاجر في ذلك السوق، وكان الذهب يصل إلى شقته كل مساء في أكياس من النايلون يحتوي الكيس على الاثنين كيلو والثلاثة أو الأربعة تماماً مثل أكياس البطاط عندنا، وكل كيس مخصص لأحد أولئك الباعة، وعند وصول تلك الدفعة يقوم بتسجيلها في دفاتره حيث كنت أساعده على ذلك، وبعد تسجيلها أخرج معه لتوزيعها، ثم بعد ذلك ولربما في الحادية عشرة مساء ننطلق بسيارته لنقوم بجولة واسعة في أحياء جدة وشوارعها كشارع الحمراء “الكورنيش” وبعض المتاجر والسوبر ماركت، وفي إثناء ذلك كنا ندخل إلى مشرب لبناني يقدم عصائر كل الفواكه التي خلقها ربنا والعجيب في الأمر أننا نصل في الوقت الذي تصل إليه فتاة فارعة الطول عظيمة الهيئة إلا أنها ليست جميلة ولعلها ممن يقال لهم الشروق. وهم فئة من بادية الشرق.. كانت تقف الساعات بجانب شاب لبناني جميل وتظل تتحدث إليه وهو يقوم بعمله بذلك المشرب.. منظر آخر لفت نظري عندما وجدنا بشارع الكورنيش اثنين من رجال الشرطة يستجوبون فتاة ضبطوها مع أحد الشباب الذي هرب بمجرد رؤيته للشرطة وبعد أن قبضوا عليها هرب وترك المسكينة لمصيرها السيئ ولما حاولت الاقتراب لأتسمع مايدور بين تلك الفتاة والشرطيين نهرني صديقي وسحبني بعيداً عنهم وهو ينصحني بأن لا أتدخل فيما لايعنيني، ومنذ تلك اللحظة التزمت بذلك حتى لا أثير أي مشكلة لصديقي ذاك.. وفي نهاية الجولة وبعد الواحدة صباحاً كنا نتناول عشاءً خفيفاً بأحد المطاعم الصغيرة ونعود إلى شقتنا.
في الصباح يقوم صاحبي مبكراً وبعد أداء صلاة الفجر بمسجد صغير بجانب ذلك البيت الذي نسكنه يغادرني صديقي لأعود إلى النوم من جديد وفي حوالي السابعة أصحو فأتناول وجبة الإفطار التي أعدها بنفسي داخل المنزل، بعد ذلك أنطلق في شوارع جدة أبحث وأنقب عن أصدقائي القدامى الذين لم ألتق بهم بعد، وفيما أنا ذات يوم في تجوالي بباب مكة، وبالقرب من الشركة التي يعمل بها صديقي محمد عمر العماري إذا بي وجهاً لوجه مع أحد رجال مدينتنا غيل باوزير وكان له بعض الأعمال التجارية يديرها بجدة، دخلت عليه فرحب بي وجلسنا سوياً حول أبريق الشاي الأحمر المفضل هناك وأخذ يسألني عن طلباتي فشكرته وطلبت منه أن يدلني على من يعرف من أصدقائي القدامى الذين يعملون في جدة، وذكرت له اسم الصديق “عبدالله بامطرف” وكنا نلقب تلك الأسرة “بيت برعم” هذا الصديق نشأت بيني وبينه صداقة وذلك بحكم وقوع بيته خلف بيت جدي الذي قضيت فيه جزءاً كبيراً من طفولتي بعد انتقالي من بيت والدي.. وكنا في تلك الفترة نكون أنا وهو فريقاً لإعدام الفئران التي تقع في مصيدة جدتي “عيشة” أخت جدي لأمي، والتي كنا ندعوها “عميمة” وقد جاء ذكرها في سيرتي الذاتية بالجزء الأول، هذا الصديق ليس لدي معلومات دقيقة عنه فقد رحل عندما رحلت أنا إلى عدن عام 1954م وبقي بجده ولما استقر هناك أحضر جميع أهله إلى جدة وتزوج وانقطعت صلته بالغيل، لهذا سألت رجل الأعمال ذاك عنه فأفادني بأنه يعرف منزله فقط ولا يعرف مكتبته التي يملكها وأين تقع، فاستبشرت بمعرفته لبيته، واتفقنا على أن نلتقي في متجره في العاشرة مساء لنذهب سوياً إلى منزله، وفي العاشرة تحركنا وبعد عشرين دقيقة كنا نطرق باب منزله لألتقي به وسط جمهرة من أولاده الكبار والصغار وأخذ يعرفني عليهم واحداً واحداً وإذا بي أرى أمامي عدة أشكال وأعمار لصديقي الذي أعرفه قبل ثلاثين عاماً وهكذا مكثنا بعض الوقت بعد أن غادرنا رجل الأعمال ذاك ونحن نستعيد بعض ذكرياتنا عن سنوات الطفولة العذبة التي قضيناها ونحن بعيدون عن هموم الحياة ومنغصاتها الكثيرة، ولما سألته عن مكان مكتبته القرطاسية التي يبيع فيها أدوات المكاتب والمدارس وحدد لي مكانها إذا بي أكتشف أنها تقع خلف متجر رجل الأعمال الذي أحضرني إليه قبل دقائق، ولكنها جدة الواسعة المترامية الأطراف إلى جانب ظروف الحياة والعمل بها جعلت الواحد منهم لايعرف الآخر حتى وإن كان قريباً منه.. وفي اليوم الثاني دعاني ذلك الصديق إلى تناول الغداء في بيته على أن نلتقي بعد صلاة الظهر في مكتبته تلك بباب مكة، ثم تعرفت خلال تلك الأيام على أسرة كريمة تقع شقتها قريباً من مكتبة صديقي ذاك وصاحبة الشقة تلك هي اخت عمي زوج خالتي وزوجها رجل ظريف من آل وحدين.. هذه المرأة كانت على صلة ببيت جدي بغيل باوزير عند طفولتي بعد زواج أخيها بخالتي، ولهذا كنت أدعوها بخالتي وحين علمت بوجودي بجدة طلبت مني أن أنزل عندها بالشقة حيث لايوجد في الشقة إلا هي وزوجها، ولكنني فضلت عيشة الحرية وكنت أمر بعض الأيام عندها لتناول طعام الغداء، وفي هذه الشقة التي كنت أتردد عليها وقعت لي واقعة ظريفة، فقد كانت هذه الشقة تقع في عمارة كبيرة وبها “مصعد كهربائي” للطلوع والنزول وكانت معلوماتي التي أعرفها عن تلك المصاعد الكهربائية بأنني حينما أصل إلى الطابق الذي أنوي زيارته وذلك بواسطة الزر الذي أضغط عليه يفتح تلقائياً على الطابق الذي أنوي الوصول إليه لكن هذا المصعد ربما أنه قديم أو به عطل ولهذا وعندما وصلت الطابق الذي حددته لم ينفتح الباب فانتظرت لحظة متوقعاً منه أن يفتح لي الباب ولكنه يظل مغلقاً أمامي ولما يطول انتظاري أضغط على الزر من جديد فيعود إلى أسفل العمارة وهكذا ظللت لحظات وأنا أطلع وأنزل وفي إحدى وقفاته بالأعلى جعلت أفكر في الأمر حتى اهتديت إلى الحل وذلك عندما دفعت بباب المصعد إلى خارج فانفتح لأجد نفسي مواجهاً لشقة قريبي ذاك..
لم أدم على التردد على تلك المرأة الطيبة وزوجها الظريف “سهل وحدين” إلا ثلاثة أيام فقط بعدها وصل من عدن زوج عمة زوجتي الذي نزل عندهم لأداء فريضة الحج معي وكان يصحبه والد شريكه في متجره الذي بعدن والذي أرسله ولده لأداء فريضة الحج معنا وكانت أيام بدء موسم الحج قد اقتربت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.