للعيد في نفوس الأطفال طعم خاص، فرح وروحي ترقص له القلوب وتنتشي له النفوس، مثل هذه المشاعر قد لايحس بها الكبار في أيام العيد،لكن هذه الذكريات تطفو أحياناً على ذهن البعض كلما عاد إلى تلك الأيام، فيحاول استعادة تلك اللحظات السعيدة التي مرت به في صغره، والتي تكون قد طمرتها كثبان الحياة وحوادث الأيام، كما قد تغيب كلية عن البعض ممن فقد براءة الطفولة، وإنني لأذكر هذه اللحظات السعيدة وكأنها كانت بالأمس،هذه الفرحة استطعم حلاوتها حتى هذه الساعة حيث تبدأ هذه الفرحة من ليلة الرؤيا،وهو اليوم الأخير من شهر رمضان حيث يرتقي أحد أفراد أسرة آل باسعد الموكل بهذه المهمة كما ذكرت سابقاً في فصل رمضان إلى جبل “عمر مول الغيل” غرب مدينة الغيل يتحرى رؤية الهلال تماماً مثلما تستشعر الليلة يستشعر الأطفال دون غيرهم بالعيد قبل رؤية الهلال تماماً مثلما تستشعر القطط والفئران والحيوانات الأخرى وقوع الزلزال أو العاصفة قبل وقوعها، شعور مبهم نحس به عندما كنا أطفالاً لا نعرف مصدره يجعل أرواحنا ترقص طرباً وفرحاً بقدوم العيد، فإذا أعلن رسمياً وأعطى المدفع إشارته للقريب والبعيد بدخول العيد خرجنا من بيوتنا وانطلقنا إلى الشوارع ونحن نهتف في غبطة وسرور مرددين أهزوجة العيد “ الليلة مقابر وغدوة زينة” وكلمة مقابر تعني زيارة القبور وقراءة القرآن على أرواح الميتين من الأهل والأقارب، وكلمة “الزينة” هي صباح أول أيام العيد، فنظل نردد هذه الأهزوجة ونحن نتقافز في شوارع المدينة وأزقتها ونكاد أن نطير من الفرح،حتى إذا انتهت لدينا تلك الشحنة من الانفعالات عدنا إلى بيوتنا لنعاود آباءنا وأمهاتنا وبقية الأسرة ليشاركونا فرحتنا بالعيد التي امتلأت بها نفوسنا وصارت تفيض على من حولنا، وبعد تناول وجبة العشاء يخرج الكبار منا إلى المسجد المجاور أو بعض المقابر، بينما ينام الصغار منا حتى ينهضوا في الصباح مبكرين يستقبلون أول أيام العيد وإنني لأذكر عندما كنت في الصف الثالث ابتدائي كنت أذهب إلى المقبرة التي تحتوي على قبور أجدادنا من آل بن طاهر باوزير و”طاهر” هو اسم الجد الفرعي الذي ننتمي إليه، هذه المقبرة عبارة عن مبنى صغير تعلوه قبة، وأمامها ساحة صغيرة، تحت هذه القبة يقع قبر جدي عوض والد أمي أما أبي فقد دفن في مقبرة عامة يقال لها مقبرة “ فحيل” بجانب قبر أمه جدتي “ سعيدة بنت سعيد” التي جاء ذكرها في فصل سابق، وأذكر أن جدي عوض حينما كبر سنه وأحس بدنو أجله كلف من يحفر قبره تحت سقف تلك القبة، وكان يصحبني معه لأقوده إلى تلك القبة وبيدي دلة القهوة وقفة التمر إفطار الحفار، وكان يجلس طول ساعات الحفر إلى جانب قبره ويقوم بإعطاء الحفار التعليمات في إتقان عمله، فكان يقول له :”عمق من هذا الجانب” أو “وسع في هذا الجانب” حتى انتهى الحفار من عمله ووضع له سقفاً، ولما توفي قبر فيه، ولهذا فقد كنا مواظبين في كل عيد أن نقضي شطراً من ليلة العيدين في هذه القبة أنا وبعض أخوالي ورهط من آل بن طاهر ممن لهم أقرباء دفنوا تحت تلك القبة فكنا نفترش ساحة تلك القبة لنقرأ القرآن، في حين تهل علينا من آن لآخر بعض النذور التي ينذرها بعض أقرباء الموتى لتوزع على الحاضرين، وهي عبارة عن صحن من الأرز المطبوخ أو حفنة من الفول السوداني، أو الذرة المحمصة “القلية” كنا نتناول ذلك بأيدينا أو على المراوح المنتشرة، أمامنا، وكان لأحد الشيوخ الظرفاء الذين يحضرون معنا بهذه المناسبة عادة ظريفة فهو عادة يختتم مثل تلك الجلسات ببعض الأدعية للموتى ثم يختار الأناشيد أو الأذكار وكان إذا وصلت له شيء من النذور تلك الليلة فهو يختتم ليلته بالذكر التالي:”لك الحمد يا ربي على هذه النعمة”، أما إذا لم يصل إليه شيء من تلك النذور فإنه يختتم الجلسة بالذكر الذي يقول فيه “لا إله إلا الله مافي الوجود إلا الله” ويظل يردده فترة طويلة لعل أحداً يأتي بالنذر متأخراً، فإن وصل ذلك النذر أثناء ترديده لذلك الذكر فإنه بغيره وبسرعة إلى الذكر الآخر”لك الحمد يا ربي على هذه النعمة” وكنت عندما تنتهي تلك الجلسة بقبة “آل بن طاهر” كما كنا نسميها أقوم بالتردد على بعض المساجد الأخرى طمعاً في البركة التي توزع على الحاضرين،وأحياناً أخرى يداهمني النوم وأنا بأحد تلك المساجد فأنام فيه حتى موعد صلاة الفجر فأقوم لأصلي ثم أعود إلى البيت لأغفو حتى السادسة والنصف لأقوم وأستعد ليوم الزينة، الذي أبدأه عادة بالتوجه إلى مسجد الرباط وهو مسجد مشهور به رباط للعلم أسسه العلامة “ بن سلم” حيث كان من الأربطة المشهورة في حضرموت إلى جانب رباط تريم وقد تخرج منه العديد من العلماء والمربين أمثال المؤرخ والمربي “ سعيد عوض باوزير” وغيرهم .. وهذا الرباط مشهور بمائه الجاري الذي يتدفق إليه من عيون خارج الغيل فكنت أتوجه فأغتسل غسلة العيد، وكنت أثناء عودتي إلى المنزل أمر بالساحة التي تقع أمام جامع المصلح الشيخ عبدالرحيم بن عمر باوزير مؤسس مدينة غيل باوزير وجد آل باوزير جميعاً الذين بالغيل.. في هذا المساجد تقام صلاة العيدين..ولهذا فأنا أبدأ يومي بعد الغسلة في الرباط بأن أمر بالساحة التي تقع أمام مسجد الجامع الذي تقع مباشرة بجانب مسجد الرباط، في هذه الساحة الواسعة يبدأ باعة الحلوى المتنوعة وباعة الثمار والفواكه كالرمان والبيدان والجوافة وقصب السكر وبعض الألعاب المصنوعة محلياً وتسمى “الفرافير” وهي تشبه محركات الطائرة ولكن بريشتين فقط، وعندما يجري بها الطفل يديرها الهواء وأذكر أنني وأنا بالصف الثاني بالمعهد الديني قمت بصنع عدد كبير منها للعيد ولكنني كنت أستحي أن أبيعها بنفسي ولهذا أوكلت أحد أصدقائي ببيعها وتقاسمنا الأرباح معاً. بعد استطلاعي لتلك الساحة التي يتهيأ فيها الباعة في عرض بضائعهم أعود إلى البيت لألبس ملابس العيد والتي غالباً ما تكون جديدة وأحياناً، إذا تعسرت حالتنا المادية أستعير بعض الملابس من الأقارب أو الجيران و عندما كنت صغيراً لا أدقق في مثل تلك الملابس المستعارة والتي غالباً ما تكون ملبوسة عدة مرات، ولكنني عندما كبرت ورأيت الأطفال يتباهون بثيابهم الجديدة كنت أرفض ارتداء مثل تلك الملابس القديمة، وأذكر أنني ذات عيد عندما عجزت والدتي عن إيجاد ملابس جديدة لي فكنت أبكي وهي تبكي أيضاً لبكائي لعجزها عن إيجاد ملابس جديدة لي، ويومها اختفيت عن الأنظار حتى مر موكب العيد، وأحياناً كنت أرفض ما يرسله لي أبي من ملابس من الصومال حيث كان يرسل لي ملابس فاقعة الألوان، وذلك نظراً للذوق الأفريقي الذي يميلون إليه فكان يرسل لي “فوطة” حمراء فاقع لونها تضر الناظرين ومعها شميز له خطوط حمراء وزرقاء حتى “الكوفية” تتكون من الألوان المتنوعة كالأخضر والأصفر، هذا الخليط الكرنفالي من الألوان، كان يتمثل لي في طفولتي الأولى شيئاً بهيجاً كنت أختال فيه فرحاً مسروراً، لكني شيئاً فشيئاً صار لي ذوقي الخاص فيما ألبس وصرت أنفر من تلك الألوان الزاهية وأفضل عليها الألوان الهادئة، وهكذا فإن لم أجد ما ألبسه وما يرضيني في يوم العيد انقلب عندي يوم العيد إلى مأتم.. أما إذا وجدت بغيتي فإنني بعد أن أرتدي ثياب العيد وأخذ عوادي من أمي وجدتي لأبي وعمتي أذهب إلى بيت جدي لأمي الذي يقع بالقرب من منزل والدي لأريهم ثيابي الجديدة وأخذ منهم عواد العيد، ثم أعود إلى أمي فتأخذ مني ما تجمع لدي من النقود وتعطيني ما يكفيني ليوم العيد وتحتفظ بالباقي لبقية أيام العيد الأخرى ثم أنطلق إلى مسجد الجامع لأترقب وصول موكب “ الزينة” بينما تتجمع نساء الأسرة في الفسحة التي تقع أمام بوابة البيت من الداخل وتسمى “سدة” فيجلسن على حصير من خوص النخيل وهن متلفعات بالشيادر السوداء التي تسمى في الغيل “الشقة” فلا يظهر منهن إلا أعينهن التي يرقبن بها موكب الزينة الذي يمر غير بعيد من تلك “الثكنة” التي يتمترسن فيها، وكان موكب الزينة يتألف من المقدمة التي تشمل حاملي رايات الدولة القعيطية التي تعلوها الهلال والنجمة ثم حاملي طبول “المرفع” وهم يضربون على طبولهم في دقات بطيئة تتناسب مع الموكب الاستعراضي الذي يسير في بطء ليستعرض من فيه من القوم المرتصين من الأهالي على الجانبين.. حيث يتقدم هذا الموكب “القائم” الذي يعد حاكم المدينة وبجانبه مقادمة الحارات ووجهاء الغيل وتجارها ثم يأتي بعدهم موكب عبيد السلطان بطبولهم وإيقاعاتهم ذات المنبع الأفريقي، يمر ذلك الموكب في الشارع الذي يقسم مدينة الغيل إلى حارتين “المقد والمسيلة” هذا الشارع الذي يقع أمام بيت جدي عوض يمتد من حصن الدولة إلى الجامع حيث تقام صلاة العيد وبوصوله إلى المسجد ينتهي دور ذلك الاستعراض ليدخل الجميع إلى المسجد للصلاة، أما نحن الصغار فبعد أن نتفرج على ذلك الموكب ننتشر أمام باعة الحلوى ونظل هناك حتى بعد انتهاء الصلاة وخطبتي العيد ونبقى حتى تبدأ حرارة الشمس في طردنا من تلك الساحة، ولربما تبعنا موكباً آخر يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد، هذا الموكب يقال له “الزف” وهو يمثل عادة قديمة لآل باوزير حيث يأخذ الموكب عدة صفوف من مشايخ آل باوزير المسنين وبعض وجهاء الغيل يتقدمهم حاملو الدفوف الكبيرة التي تجلجل على حوافيها “صاجات” نحاسية وهذه الدفوف يقال للواحد منها “طار” يتوسط القوم منصب آل باوزير وعلى رأسه “القبع” الأخضر وهو من الطيلسان اللماع في شكل الطرطور ويشبه قالب السكر الذي كان يباع سابقاً ويقال له “سكر قبع” ولعل كلمة قبع حرفت من كلمة “قمع” نظراً لهيئته المخروطية الشكل، هذا الموكب يظل يسير في بطء شديد وهم ينشدون الأناشيد الدينية ويتوقف الجمع من آن لآخر ليعطي فرصة للمنشدين في إلقاء قصائدهم بتأن تتوافق مع ضربات تلك الدفوف التي تتسارع ضرباتها حيناً وحيناً تبطئ وذلك نظراً لما يقتضيه اللحن للقصيدة وصوت هذه الدفوف عندما أقف بجانب أحدها أحس بقلبي يرتجف من شدة وقعها عليَّ وذلك مع تراقص ذبذبات الجلد المشدود عليها عند ضربها، هذا الموكب يتخذ له طريقاً آخر غير الطريق الذي سلكه موكب الزينة حيث يمر زقاقاً فرعياً يقع أمام منزلنا تماماً حيث تقبع نساء الأسرة في مخبأهن ثم يمر خلف منزل جدي ليتخذ طريقه إلى قبة “مول الجيش” وهي القبة التي يقع تحتها قبر أحد فروع جدنا الشيخ عبدالرحيم بن عمر باوزير ويلقب بمول الجيش وكلمة مول بالعامية المحلية هي بمعنى “صاحب” ويقال إن اللقب أطلق عليه لأن له جيشاً من الجن والله أعلم، بعد وصول موكب الزف ذاك إلى القبة يجلس الجميع تحت سقفها ليتناولوا القهوة وتلقى بعض القصائد الدينية الأخرى على ضربات الدفوف ثم تنتهي تلك الفعالية بقراءة الفاتحة على روح ذلك الولي، وعندها تنتهي مراسيم احتفالات يوم الزينة، هذا الاهتمام بتلك الاحتفالات في العيد ينحصر بالنسبة لي عندما كنت صغيراً حتى سن التاسعة من العمر أو العاشرة، أما بعد أن كبرت قليلاً وانتقلت إلى بيت جدي عندئذ لم أكن أهتم بتلك الاحتفالات فكان احتفالي يقتصر على أداء شعائر صلاة العيد، ثم أمر على بيت الذباح وأعود معه لمساعدة جدي في الإشراف على ذبح “ذبيحة العيد” فيدخل جدي مع الذباح إلى حظيرة الأغنام ليختار السمينة منها، هذا الذباح يدعى “يسلم نصيب” وهو من عبيد السلطان الذين جلبهم من أفريقيا لخدمته، وهو رجل طيب القلب بشوش الوجه دائم الابتسامة ويسكن في منزل يقع خلف بيت جدي مع زوجته “سالمة رزقة” وهو صديق لجدي ولايرضى بأحد غيره في نحر ذبيحة العيد.. بعد خروج الذبيحة المختارة من الحظيرة التي تقع بالطابق الثاني يقوم الذباح بنحرها أمام البوابة الرئيسية للبيت ليسيل دمها حتى وسط الشارع، وهكذا ترى في أول أيام العيد أن أمام كل بيت سيلاً من الدم يطول أو يقصر وذلك نظراً لحجم الذبيحة وللحالة المادية التي يعيشها صاحب البيت. بعد الذبح يعود الذباح بالذبيحة إلى المنزل حيث يقوم بسلخها وتقطيع اللحم، أما الكبدة والكلى والكرش فإنه يدفع بها إلى الأهل ليقوموا بتجهيز طعام إفطار العيد منها، ولأننا كنا نعيش حينذاك بدون كهرباء كما أن الثلاجات التي تعمل على “الكيروسين” الجاز لم تكن معروفة حينذاك ولأن في هواء الغيل نسبة من الرطوبة نظراً لكونها غير بعيدة عن البحر على عكس مدن وادي حضرموت الذي يحافظ جفاف الهواء في حفظ اللحوم لفترة طويلة دون أن يخسر، لأجل هذا يعمد أهالي الغيل إلى فصل اللحم عن العظام للذبيحة، ثم يقوم الذباح بتقطيع ذلك اللحم إلى رقائق بطول أربع بوصات وسمك أصبع الخنصر لتضم كل ثلاثة خيوط من هذه الرقائق إلى بعض مع قليل من الشحم ثم تربط إما بخيط أو بمصارين الذبيحة نفسها، ثم يرش عليها الخل وتشك في عيدان نحيفة من سعف النخيل تسمى “منقضة” ثم تعرض للهواء، وعادة ماترفع هذه المنقضة بواسطة الحبال لتكون قريباً من سقف غرفة المعيشة وذلك خوفاً من القطط التي ربما تسطو عليها لو كانت قريبة من الأرض هذه هي ثلاجاتنا أيام زمان حيث يبقى اللحم طرياً لمدة أيام العيد ولربما تغير لونه في الأيام الأخيرة من العيد ولكن بعد أن يطبخ يكون له طعم لذيذ جداً، من هذه الذبيحة ومن “سبلة” الخروف إذا كان من صنف “البرابر” يقوم جدي بطباخة هذه السبلة التي تزن أحياناً إلى ثلاثة كيلو من الشحم واستخراج السمن منها التي يستعين بها الأهل في الطباخة لأيام طويلة الجولة الثانية من أفراح العيد تبدأ عصر يوم الزينة أول أيام العيد حيث يتحول كل الباعة الذين كانوا يحتشدون أمام مسجد الجامع في الصباح إلى ساحة الحصن وتسمى “رقة الحصن” على الجانب الغربي من حصن الدولة والمسمى بالحصن الأزهر بجانب مسجد الروضة اما الساحة الكبرى التي تقع أمام القصر فتخصص لرقصة “البرعة” وهي تشبه كثيراً رقصة “البرع” الشعبية التي تقام في المناسبات في المحافظات الشمالية، هذه البرعة الحضرمية يلعبها الجنود أو بعض المواطنين المنحدرين من أصول يافعية حيث يقوم اللاعب بالقفز وهو يحمل خنجره مشهراً فتارة يرفعه وتارة يخفضه وذلك طبقاً لإيقاع “الطاسة” وهي طبل من نحاس مدور مشدود عليه جلد... وله حبل يضعه حامله حول عنقه بحيث يتدلى إلى أسفل صدره ويقوم بالضرب عليه بعودين من عيدان سعف النخيل يحمل أحدهما باليد اليمنى والآخر باليد اليسرى، يستمر مهرجان البرعة هذه لمدة سبعة أيام بعدها تنتهي فعاليات العيد، إلا أن المعايدة بين الأقارب والأهل تستمر شهر شوال بكامله حيث يتبادل رجال المدينة معايدة بعضهم البعض ومن أشهر هذه المعايدات عواد آل باوزير حيث يتجمع أفراد أسرة آل باوزير الكبيرة كل يوم في بيت أحدهم حتى ينتهي شهر شوال. أما أيام عيد الأضحى فإن احتفال الصغار يبدأ من أول أيام ذي الحجة فما إن يهل أول يوم فيه ونسمع من أمهاتنا وجداتنا الترانيم الخاصة بذلك الشهر وذلك أثناء عملهن في تنقية الذرة أو عندما يقمن بعملية الطحين على “المرهاة” وهي الحجر الذي تطحن عليه حبوب الذرة أو على “الرحى” وهي آلة أخرى من الحجر لطحن حبوب البر والذي يطبخ منه عادة “العصيد” التي تتناول في اول عيد الأضحى، من هذه الترانيم زجل يقول مطلعه: يا الله مع الواقفين يا الله مع الواقفين حجاج ومسافرين تحت الجبل حاطين لاهلت العشر قل يا الله مع الواقفين الكبش مرصون والقفة ملانة طحين في أول ليلة من هذه الليالي العشر تبدأ ليالي “المشاعيل” والمشعال يصنع محلياً من الفخار على هيئة كم الزهرة وله تجويف في وسطه يثبت عليه بالطين سراج صغير من الصفيح يشعل بواسطة “الجاز” ويثبت بأسفل هذا المشعال عود طويل يمسك به صاحبه ويرفعه إلى أعلى عندما يقوم بتقديم بعض الأراجيز وهو يدور به في حوش من يقوم بزيارته من أقربائه أو أهل حارته وبعد أن يسمع من في البيت الذين يتجمعون حوله وبالأخص النساء والأطفال يعطونه بعض النقود ليخرج إلى البيت المجاور وهكذا نجد أن أزقة وشوارع مدينة الغيل في تلك الليالي العشر تومض بعشرات من هذه المشاعيل وكأنها نجوم صغيرة تمشي على الأرض وفي مثل هذه الليالي تقوم البنات الصغار بحمل المجامر التي يوضع بها بخور اللبان فيقمن بالتنقل على بيوت الجيران يطلبن منهم عشاء “ الكمباره” وهن يرددن قائلات: كمباره كمباره يا الله أمين هاتوا عشاء الكمباره يا الله أمين ولعل كلمة “الكمباره”هي كلمة محرفة لكلمة “ مبارك” ومع ترديد الكلمة عدة مرات “ مبارك مبارك” أصبحت “كمباره كمباره” .. أما بقية أيام العيد فهي تتماثل مع عيد الفطر.