تجري هذه الأيام الفعاليات التوعوية لأسبوع المرور العربي الموحد، الذي تنظمه وزارة الداخلية خلال الفترة 310 مايو الجاري تحت شعار “ لسلامتك..أجل مكالمتك “ والذي يتضمن العديد من الأنشطة التوعوية والإرشادية الهادفة إلى توعية المجتمع للحد من الحوادث والتقليل من أضرارها ومخاطرها .وتستنزف الحوادث المرورية وبشكل جائر الأرواح والممتلكات وتخلف خسائر مادية ضخمة وتقضي على كثير من الموارد المادية والطاقات البشرية، فضلا عما تخلفه من المشاكل الاجتماعية والنفسية نتيجة العاهات المستديمة او المؤقتة التي تسببها. حوادث ومأس كثيرون هم أولئك الذين يحتفظون في ذاكرتهم بصور مأساوية عن حوادث مرورية رأوها في حياتهم أثناء أسفارهم ، أو ربما عاشوها واكتووا بنيران ما خلفته من عاهات جسدية، وتشوهات نفسية، أو فقدوا عزيزا عليهم نتيجة حادث مروري ما . عبدالجليل أحمد وهاس، ذاك الأب الذي فقد طفله الصغير في اليوم الخامس من أيامه بعامه الدراسي بالصف الأول الابتدائي.. هي مأساة حقيقة مرارتها شديدة وحرقة قلب ومشاعر إنسانية جمة كشفت عنها تنهدات الأب عبدالجليل ونحوب صوته، ما جعلنا نكتفي بموجز قصير لحكاية فقدانه ولده (بشير) أكد خلالها وبكل إصرار أن السرعة الزائدة لسيارة “هيلوكس “ يقودها شاب مراهق طائش حسب تعبيره كانت السبب الرئيسي وراء فقدانه ل( بشير). أما عمر صالح العديني فحكاية من نوع آخر، لكنها قاسية وصعبة بكل المقاييس ليس إلا لأنه فقد شقيقتيه ووالده فيما أصيب هو وأمه بإصابات، إصابة أمه بليغة أقعدتها الفراش . وحسب الشاب عمر فإنه وفي ثالث أيام عيد الأضحى المبارك المنصرم وأثناء عودته واسرته الى صنعاء عقب اداء واجب المعايدة والسلام على الأهل والأصدقاء في بلاده بإحدى مديريات محافظة اب، ونتيجة خلل فني بالسيارة التي تقلهم، انحرفت عن خط السير الأمر الذي ادى إلى انقلابها عشرات المرات ليفيق بعدها بأيام بإحدى مستشفيات صنعاء بهذه نتيجة “فقدان اب وشقيقتين وأم قعيدة الفراش، وإصابات بليغة غير معيقة لا تزال آثارها على جسده ومنها إصبع يد مبتورة. وغير بعيد عن عبدالجليل وعمر، فقد شهد ابريل المنصرم وقوع حادثين مروريين مروعين راح ضحيتهما 45 شخصا، حيث قضى في الحادث الأول أسرة بأكملها مكونة من 30 شخصا في حادث انقلاب سيارة هيلوكس كانت تقلهم في منطقة ملعة مديرية حريب محافظة مأرب، 75 كم تقريبا إلى جنوب مدينة مأرب. فيما توفي 15 شخصا في حادث مروري آخر بمدخل مدينة البرح بمحافظة تعز جراء انحراف القاطرة التي كانت متجهة إلى تعز واصطدامها بشكل مباشر بالسيارة التي كان على متنها جميع الضحايا. إحصائيات مرعبة الواقع الحقيقي للحوادث المرورية وما تخلفه من ضحايا وإصابات بين المستديمة والمؤقتة يبدو جليا لما تعكسه الأرقام المهولة بأعداد الحوادث المرورية في بلادنا وضحاياها الذين يقضون جراءها، أو المصابين بعاهات وإصابات بليغة او خفيفة، ومستديمة كانت أو مؤقتة. فقد أودت الحوادث المروية منذ مطلع العام 2000م وحتى شهر أبريل من العام الجاري 2010م بحياة 24.972 شخصاً من مختلف الفئات العمرية, فيما أصيب 175.765 آخرين بإصابات مختلفة 91 ألف منهم كانت إصاباتهم بليغة, فيما تحول 19 ألف شخص من المصابين بإصابات جسيمة إلى معاقين حركياً.. وأوضحت إحصائية رسمية عن الحوادث المرورية صادرة حديثا بأن الفترة نفسها شهدت وقوع 130.433 حادثة سير في مختلف طرقات محافظات الجمهورية, منها 38 % حوادث اصطدام مركبات، و30 % حوادث دهس المشاة، اما حوادث انقلاب المركبات فكانت بنسبة 16 % و11 % حوادث صدام دراجات نارية، وحوادث اصطدام بأجسام ثابتة كانت 3.5 % من إجمالي الحوادث المرورية .. وقدرت الإحصائية الخسائر المادية الناجمة عن الحوادث المرورية بأكثر من 25 مليار ريال. وذكرت الإحصائية أن الأخطاء البشرية تسببت في وقوع 85 % من الحوادث المرورية خلال الفترة الممتدة من العام 2000م وحتى شهر ابريل من العام الجاري 2010م. فيما توزعت النسبة المتبقية من أسباب الحوادث المرورية على العيوب الفنية في تصميم الطرقات, والآليات المتهالكة, وعوامل مناخية, وأسباب أخرى. مشيرة إلى أن الإهمال احتل مساحة واسعة في حوادث السير التي وقعت خلال الفترة نفسها. السرعة والأطفال وراء معظم الحوادث على ذات السياق كشفت دراسة تحليلية للحوادث المرورية أن السرعة الزائدة وإهمال السائقين لقواعد المرور كانت السبب الرئيسي في وقوع معظم الحوادث المرورية وبنسبة 60 في المائة.. مبينة ان قيادة صغار السن والقيادة بدون رخصة للسيارات والمركبات ، شكلت سبباً في وقوع ما نسبته 14 في المائة من الحوادث المرورية التي وقعت العام الماضي . وأكدت إحصائية للإدارة العامة للمرور أنه وخلال العام الماضي وصلت الحوادث المرورية إلى 869 12حادثة مقارنة مع 267 12حادثة وقعت خلال العام 2008م.. مشيرة الى أن عدد حالات الوفاة الناجمة عن الحوادث المرورية خلال العام الماضي بلغت 3100 أشخاص مقارنة مع 2249 حالة وفاة خلال العام 2008م . دعوات للانضباط المروري وعلى الرغم من الأرقام المتصاعدة للحوادث المرورية، فإن مراقبين يؤكدون أهمية تضافر جهود الجهات الحكومية والشعبية والمدنية.. ، إزاء هذه الوباء الذي يفتك بأرواح اليمنيين ويحصد عشرات الآلاف منهم سنوياً، بين قتلى ومعاقين وأرامل وأيتام ومسجونين معسرين، ومليارات الريالات من الخسائر المادية. المهندس نعمان صالح عائض ، مصمم ومنفذ عدد من الجسور التي تنفذها المؤسسة العامة للطرق والجسور يقول :” في اغلب الأحيان لا يمكن اعتبار الحوادث المرورية بأنها ناجمة عن مشكلة فنية، كما يروج لها البعض باستمرار ، ومن الخطأ الاعتقاد بأنه يمكن حل مشاكل حوادث الطرق بواسطة حل هندسي، عبر اقامة جسر أو نفق هنا أو هناك.. ولكن المسألة هنا تتمثل في الشعور بالمسؤولية الوطنية بأهمية الانضباط كأجدى وسيلة للتقدم والرقي وهذا الانضباط يقوم على أساس القناعة الذاتية والالتزام الطوعي. ويضيف:” نحن بحاجة الى الانضباط المروري في المجتمع وذلك حرصاً على سلامة المواطنين، والتوعية المرورية للجماهير أساس السلامة المرورية، والعقوبة ليست السبيل الوحيد لخلق مجتمع جديد وإنما الأساس في عملية النهوض هو شعور كل فرد بالمسؤولية الكبيرة ازاء حياته وحياة الآخرين الذين يرافقونه في سفره أو المارة . الوباء الأول في اليمن شرطي المرور - الملازم محمود عيضة- وصف الحوادث المرورية بالوباء الأول في اليمن والذي يجب ان تشحذ له الجهود من اجل مواجهته باجراءات سلامة تحقق الغاية وتحد من الأخطار والكوارث المترتبة على تلك الحوادث والتي تتعدى الشخص الضحية في الحادثة الى أسرته وأطفاله . وبحسب ما يراه رجل المرور عيضة :” فإن تجاهل السائق وعدم التزامه بقواعد السلامة المرورية، وعدم توفر شروط المتانة والأمان في المركبة وإهمال الفحص المكنيكي المستمر لها ، إضافة الى قلة الوعي لدى البعض وجهلهم لقوانين المرور، وعدم اهتمام سائقي السيارات بالحمولة القانونية، ناهيك عن مدى استيعابهم لشبكة الطرق التي تفرضها في اغلب الأحيان الطبيعة الجغرافية لبلادنا، وصولا الى عدم التزام السائق بالإرشادات المرورية المقدمة من رجل المرور او اللوحات المرورية.. جميعها تعد أسباباً جوهرية لوقوع الحوادث المرورية . سياسات مرورية بدورها تسعى الجهات الحكومية المعنية للسيطرة على مشكلة الحوادث المرورية باعتبارها احد المشكلات الرئيسة التي تؤرق المجتمع بكل فئاته وشرائحه المجتمعية والعمرية على حد سواء.. ويقول مدير عام مرور أمانة العاصمة : “ إن السلامة المرورية عنوان كبير وتسعى جميع دول العالم لتحقيقه ونحن في اليمن نعاني من عدم وجود جهة معينة تسعى لتحقيق السلامة المرورية لأفراد المجتمع وهناك في كثير من دول العالم جمعيات خاصة تسعى إلى الرقي بالحركة المرورية وتوفير السلامة المرورية من خلال دراسات علمية وجهود كبيرة يتم بذلها في سبيل تحقيق ذلك ونحن نفتقر الى الجهد الشعبي الذي يفترض ان يساعد الجهد الرسمي في سبيل تحقيق السلامة المرورية.. مشيراً إلى أن الجهود حاليا مبعثرة هنا وهناك لتوفير السلامة المرورية ونعاني من عدم الاهتمام من قبل أفراد المجتمع المدني في هذا المجال، كما أننا نفتقر إلى الدراسات العلمية في هذا المجال. ويشير مدير مرور أمانة العاصمة إلى إجراءات عديدة يتم اتخاذها للتقليل من حوادث السير خلال المناسبات الوطنية والدينية وفي مقدمتها أيام عيدي الأضحى والفطر المباركين، ومنها تعميم الإدارة العامة للمرور لمدراء الفروع بجميع محافظات الجمهورية بتكثيف الخدمات داخل المدن والأماكن المزدحمة ومداخل عواصم المحافظات وبالذات في الخطوط الطويلة، ومراقبة السيارات الدورية للسرعة القانونية والمتجاوزين وضبط المخالفين وتطبيق القانون على أي مخالف وبالذات الحمولة والسرعة الزائدة . والقصص الواقعية لضحايا الحوادث المرورية قد ملأت ملفات وزارتي الداخلية والعدل، لتحكي وجها آخر لقصص وحكايات بالآم وآهات يئن بها ضحايا أبرياء تعج بهم المستشفيات، فهل من سبيل..؟؟