الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات
المرضى الذين علموني
نشر في الجمهورية يوم 26 - 06 - 2010

في جميع المجتمعات المعاصرة يشكو المريض إلى طبيبه من أعراضه بكلمات عامة،يكون بعضها محدداً وواضحاً ومتعارفاً عليها، ولكن بعض هذه الكلمات والتعبيرات تحتاج من الطبيب أن يفهمها حتى يتمكن من تحويلها إلى مصطلحات طبية محددة.
وذلك أمر ضروري لتوجيه تفكير الطبيب في نطاق المشكلة التي حددها المصطلح الطبي لكي يضع قائمة من الاحتمالات التشخيصية، فعلى سبيل المثال إذا قال المريض: إن لديه “ ضيق نفس” فعلى الطبيب أن يحدد هل يقصد بذلك الزلة التنفسية، أو البهر، أو شعور بعدم كفاءة النفس وحدوث تنهدات عميقة متكررة، أو أنه ضيق وضجر واكتئاب، وعلى ضوء فهم الطبيب لما يقصده المريض من الكلمة فإنه يضع لها المصطلح الطبي المناسب الذي يتوجه تفكيره نحوه لكي يصل إلى التشخيص الصحيح.

في مجتمعاتنا العربية فإن الطبيب يواجه المشكلة مضاعفة، لأن دراسته الطبية بإحدى اللغات الأجنبية تحتم عليه فهم الكلمات العامية الشائعة وتحويلها إلى مصطلح أجنبي قد لا يكون ملائماً تمام الملائمة للمصطلح العامي.
وتختلف الكلمات العامية التي تصف الأعراض من منطقة إلى أخرى في داخل البلد الواحد، ويوجد أحياناً أكثر من كلمة لوصف إحدى الأعراض في المنطقة نفسها.
وبعض الكلمات واضحة ومحددة المعنى،وبعضها حتى وإن كانت شائعة غير محددة المعنى، وكل مريض يقصد منها شيئاً مختلفاً، ولذلك فقد تعودت على أن أتحرى من المريض عما يقصده بالضبط من الكلمة ، وإذا لم يقدر على الشرح فإنني أقدم له ما فهمته أنا منه، وأسأله إن كان ذلك صحيحاً، أو أقدم له كلمة بديلة لأرى إن كان يوافق على أنها تصف ما يقصده.
ولا زلت حتى اليوم أتعلم كلمات جديدة ومعانٍ مختلفة لكلمات قديمة من المرضى الذين يفدون إليّ من جميع الأنحاء، وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من الكلمات التي يستخدمها المرضى تثير الكثير من الالتباسات والغموض، ولا زلت أضطر كثيراً للتوقف أمام كلمة يقولها المريض مستفسراً أو مستوضحاً حتى لا يقودني انحراف التفهم إلى انحراف في الطريق نحو التشخيص الصحيح.
“الالتهاب” كمصطلح طبي مفهوم محدد المعنى منذ عهد أبقراط قبل 2500عام تقريباً بعلاماته الخمسة وهي”الاحمرار” و”السخونة” و”التورم” و”الألم” و”فقد وظيفة” العضو المصاب أو المنطقة المصابة.
وهذا ما يعنيه الطبيب عندما يقول أن المريض مصاب بالتهاب اللوزات الحاد، أو الجيوب الأنفية، أو الأذن الوسطى، أو الالتهاب الرئوي أو الكبدي أو المرارة أو الزائدة الدودية وغيرها.
ولكن المرضى يستخدمون كلمة”الالتهاب” أحياناً كمصطلح شائع ليس له علاقة بالمعنى الطبي العلمي المحدد، قد يستخدم بعض المرضى المصطلح لوصف أعراضه، أو على اعتباره تشخيصاً لمرضه، حيث يقول أن لديه التهاب المعدة أو القولون أو التهاب الكلى وغيرها.
وقد يستخدم المرضى لفظ “الالتهاب” أو “اللهيب” لوصف نوع من الشعور والإحساس الخاص في أي منطقة من الجسم، أو لوصف بعض أنواع الآلام، مثل بعض أنواع الصداع وآلام الصدر والبطن والحوض والظهر.
وقد يضيف بعض المرضى أو المريضات بشكل خاص بأن الالتهاب يتصاعد إلى الرأس حين “يتهُر” من قمة الرأس، أو قد “يتهر” من جميع أنحاء الجسم، و”التهر” أو “التاهر” هو البخار المتصاعد من أي إناء يحتوي على طعام شديد السخونة، وأجده دائماً تعبيراً جميلاً يصف ما تشعر به المريضة بدقة موحية، وبعض المرضى يستخدمون كلمة “الكاهب” بنفس المعنى.
وتستخدم كذلك كلمة (الالتهاب) الذي قد يبدأ من منطقة ليشمل كافة أنحاء الجسم خلال دقائق لوصف (الهبات الحارة) التي تحدث لدى النساء حوالي سن اليأس نتيجة للاضطرابات الهرمونية ونقص هرمونات المبيض.
وعلى الأغلب الأعم فإن وصف الألم بأنه (التهاب) في أي مكان من الجسم لا يدل على منشأ عضوي للألم، بل على منشأ جسدي نفسي أو عصبي بسبب نوع من أنواع التواترات العصبية الشائعة.

(الحمى): قد يتصور البعض أنها أمر لا خلاف عليه، ولكن الكثير من سوء الفهم يحدث لهذه الكلمة لدى الكثير من الأطباء وخاصة العرب والأجانب، الذين يعتبرون أن كلمة (الحمى) العامية تتطابق تماماً مع المصطلح العلمي لها، والذي يعني ارتفاع درجة حرارة الجسم، والتي يمكن قياسها بدقة بواسطة ميزان الحرارة.
ويؤكد لنا الواقع أن بعض المرضى الذين يشكون من (الحمى) لا يعانون من ارتفاع درجة الحرارة، وخاصة أولئك الذين يشكون منها لعدة أشهر أو سنوات في بعض الأحيان. ويكون مثل هؤلاء المرضى قد تم تشخيص الحمى لديهم مرات عديدة بأنها ناتجة عن التيفوئيد أو الحمى المالطية أو الملاريا المزمنة وتناولوا الكثير من أنواع المضادات الحيوية، وأصبحوا في حالة من القلق الشديد معتقدين أن هذه الحمى تدمر حياتهم وتهدد سلامتهم وأنهم لن يجدوا إلى شفائها سبيلاً.
ومما يزيد الطين بلة، أن الكثير من الأطباء يعتمدون على الفحص المصلي لتشخيص التيفوئيد، وهو فحص قديم، وغير دقيق، وقد يظل مستوى الأجسام المضادة غير النوعية تلك مرتفعة لدى المريض بصورة دائمة، وقد تصعد مستوياتها أو تهبط قليلاً بين حين وآخر دون أن يكون لها معنى. وعلى الرغم من أن جميع المراجع الطبية تؤكد على عدم الركون على هذه الفحوصات المصلية، إلا إذا ارتفع مستواها إلى أربعة أضعاف المستوى السابق خلال أسبوع، إلا أن الكثير من الأطباء يهملون هذا الأمر، لأن هذا الفحص يقدم تشخيصاً سهلاً يمكن الركون إليه، وبناء العلاج على أساسه هؤلاء المرضى الذين يشكون من (الحمى)، وليس لديهم ارتفاع في درجات الحرارة، يعانون من شعور داخلي بالحرارة يشبه ماذكرناه أعلاه عن (الالتهاب)، وبعضهم يطلق عليه (الحمى الداخلية)، ويدرك تماماً أنها ليست (حمى خارجية)، أي تلك التي يصحبها ارتفاع درجة الحرارة، وهي التي يفهم الأطباء أن غالبيتها تنتج عن الأمراض المعدية والميكروبات.
وإذا سألت بعض المرضى من هذه الفئة ما إذا كان الآخرون من أقاربه يوافقونه الرأي بأن حرارته مرتفعة عندما يحس هو بالحمى، فإن إجابات بعضهم تكون محملة بالدلالات له وللطبيب فيقول عادة :يادكتور أنا أكون عندي حمى شديدة.. وعندما يحسني الآخرون يقولون.. ولا حمى ولا حاجة.. وعادة مايؤكد هذه الحقيقة أحد المرافقين المتواجدين مع المريض.
الغالبية من المرضى يقتنعون بالتفسير الذي أشرحه لهم بأن ذلك مجرد شعور بالإحساس بالحرارة، ناتج عن اختلال التوازنات العصبية، وأن بعض الأطباء يصفونها بأنها (حمى عصبية)، وإن كنت لا أحب هذه التسمية لأنها قد تجعلنا نظل مقيدين بمفهوم الحمى، وأنه أمر بسيط ويحتاج إلى العلاج ببعض المركنات والمهدئات العصبية حسب شدة الحالة وحسب الأعراض المرافقة لها.
أما الأقلية القليلة من المرضى الذين لا يبدون قناعة كاملة فإنني إلى جانب التأكيدات التي أعيدها عليهم وبث جو الطمأنينة في قلوبهم، أضيف لهم بجانب العلاج اقتراحاً بشراء ميزان الحرارة (الترمومتر)، وقياس درجة الحرارة يومياً، أو عدة مرات في اليوم وتسجيلها في ورقة، والعودة بعد شهر للمتابعة، ويعود الكثير منهم في الموعد المحدد سعداء مطمئنين.
أما (الحمى) التي تشكو منها المريضات حوالي سن اليأس والتي يصفها بعضهن (بالالتهاب) وقد تكون مصحوبة بالدوخة والدوار والتعرق الغزير، فليست سوى (الهبات الحارة)، التي تعتبر من الأعراض المميزة للاضطرابات الهرمونية العصبية في هذه المرحلة العمرية المتميزة.
“الرسيس” و”الأسيس” و”الأسسة” و”الثريب”:
في بعض مناطق الحجرية تستعمل هذه الكلمات لتعني “اللهيب” أو شعوراً بالسخونة والحرارة مثل تلك المنبعثة عن نار هادئة، والثريب فيما يبدوا أشد من الرسيس ويشمل مناطق أكثر اتساعاً، والرسيس كلمة فصيحة قديمة استخدمها الشعراء لوصف نار الحب وجذوته المشتعلة في النفس، قال أبو الطيب:
هذي برزت لنا فهجت رسيسا
ثم انثنيت وما شفيت نسيسا
وقال ذو الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد
رسيس الهوى من حب مية يبرح

“ضيق النفس” وأخواتها:
يستخدم المرضى كلمة “ضيق النفس” أو “الكبد”، و”الكُباد” و”الكُبدة”، و”الكظمة” و”الكاظم”، و”الكتمة”، وتختلف معاني هذه الكلمة من منطقة إلى أخرى، ومن مريض إلى آخر، وليس لها معنى محدد عام أو متعارف عليه، حتى بين المريض ومرافقيه من الأهل والأقارب في كثير من الأحيان، ويندر استخدام كلمة “الدهكة” أو “الدؤكة” أو “الزؤكة” بنفس المعنى في بعض المناطق الجنوبية للبلاد.
بعض المرضى يقصد بالكُبد الزلة التنفسية أو البُهر التي تنتج عن مرض رئوي أو قلبي، ويقصد بها بعضهم شعوراً بضيق في الصدر مع صعوبة في التنفس على شكل تنهدات متتابعة، وخاصة لدى الفتيات الشابات بين 15 30 عاماً من العمر.
وقد يعني آخرون بالكُبد وأخواتها الضيق والضجر والاكتئاب، بينما ينحصر معنى الكُبد في بعض المناطق ويتحدد بشكل حصري في عسر البلع الناجم عن أمراض المريء.
وهناك أيضاً كلمات أخرى مرتبطة بالسابقة، لعل أهمها “التهم” و”النهلة”، و”النهفة”، و”الطاوي” في المناطق الوسطى والشمالية تستخدم هذه الكلمات بصورة أكثر تحديداً من الكُبد ومشتقاتها، و”التهم” يعني ضيق التنفس أو الزلة أو البهر، وقد يعني كذلك الضيق والضجر والاكتئاب.
أما “النهلة” ويشتق منها الفعل “انهل” فإنها في المناطق الشمالية تعني تحديداً تسارع التنفس عند بذل الجهد أو الزلة الجهدية بأسبابها المختلفة، و”النهفة” أو “الكلهفة” أحياناً تحمل نفس المعاني في المناطق الجنوبية.
“الطاوي” قد تعني ضيق التنفس أي الزلة التنفسية، بمعنى تصاعد النفس وانطوائه، وقد تستخدم كذلك لوصف الضيق والضجر والاكتئاب، ولكن “الطاوي” تستخدم كذلك لدى بعض المرضى لوصف الغثيان الممتد الذي لايعقبه الإقياء أي الطرش عادة، وتعجبني بشكل خاص كلمة “الطاوي” عند ماتستخدم لوصف الغثيان، لأن بعض المرضى يضيف عليها تعبيرات ترتسم على وجهه تتجسد فيها مظاهر القرف والاشمئزاز، مع إشارة باليد تتصاعد نحو الأعلى في حركة دائرية تجعل الكلمة شديدة الإيحاء بالمعنى المقصود.
“القداد” وأخواتها:
“القداد” و”القازز” و”اللاصي” و”الحازز”، “الحزاز” و”الحازي”، والقاتي”، جميعاً تعني حس الحرقة الشرسوفية أو حرقة الفؤاد الناتج عن ارتجاع الحمض المعدي إلى المريء، وتستخدم كلمة “القداد” و”القازز” و”اللاصي” في المناطق الجنوبية لليمن، و”القاتي” في تهامة، و”الحازز” و”الحزاز” و”الحازي” في المناطق الشمالية العليا من اليمن ويرتبط بهذه الكلمات “القنح” أو “القلح” الذي يعني ارتجاع محتويات المعدة إلى المريء والبلعوم والحلق بدون غثيان ولاطرش، ويعرف طبياً “بالقلس” المعدي المريئي”.
“الصرير” وأخواتها:
“الصرير” و”الزقيح” و”الوقيص” و”القطيط” و”القطقطة” و”الهضهضة”
كل هذه الألفاظ وغيرها تستخدم لوصف الآلام العضلية والعظمية والمفصلية العميقة، التي تحدث في أمراض كثيرة من بينها الحميات وأنواعها الروماتيزم ولدى المتقدمين في السن، ومن الكلمتين الأخيرتين قد يقوم المريض إن جسمه كله “مقطقط” أو “مهضهض”، أو “مناصل” بنفس المعنى.
وفي تهامة تستخدم “البدكة” أو “البتكة” و”البتاك” لتعني نوعاً من الألم العضلي أو العظمي المصحوب بالفتور والإرهاق، ويصحبها عادة “العشاش” وهو فيما يبدو حمى أو شعور بالحرارة أثناء الليل.
“السعال” وأخواتها:
“السعال” و”الجشرة” و”الجاشر” و”الجثاى” و”الكحة” و”القحزة” و”القرحد” و”القرحدد” و”القحبة”، و”الباحط”، و”الشاحط”.
“السعال” كلمة مستخدمة في معظم أنحاء اليمن، وكذلك “السعلة”، أما “الجشرة” و”الجاشر” فهي أكثر استخداماً في المناطق الوسطى الشمالية، بينما تستخدم القحزة في أنحاء قليلة من المناطق الجنوبية، والقرحد والقرحدد يطلق على أي سعال شديد أو يمتد لفترة طويلة، وكانوا قديماً يصفون به تحديداً السعال الديكي الذي لم يعد ينتشر إلا نادراً بسبب انتشار التطعيم ضده، وكثير من المرضى من مناطق مختلفة يعتبر أن “الكحة” تختص تحديداً بالسعال الجاف.
“القحبة”، و”القحاب” ويشتق منها الفعل “يقحب”، تستعمل في مناطق قليلة في المحافظات الجنوبية الشرقية، وعلى التحديد منطقتي “يشبم” و”الصعيد” في محافظة “شبوة” وهي كلمة عربية قديمة أصيلة بمعنى السعال، واستخدمها العرب للكناية عن المرأة التي تقوم بالزنى، فيتحدثون بذلك كناية وتأدباً، فيقولون “قحبت” المرأة، وطغى هذا المعنى على المعنى الأصلي للكلمة، حتى لم تعد الكلمة الأصلية للقحبة بمعنى السعال، موجودة إلا بشكل محدود ومنحصر في بعض المناطق الجنوبية الشرقية من اليمن.
أما “الباحط” في المناطق الجنوبية، و”الشاحط” في المناطق الشمالية فهو شعور بالحكة العميقة أو الانزعاج في الحلق والبلعوم أو الحنجرة، يتبعه سعال حاد جاف، يحدث في بعض أنواع التحسس التنفسي، وكذلك فإنه إحدى الآثار الجانبية المميزة لمجموعة من الأدوية المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم، وهي مجموعة مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتينسين، وتعجبني كل من كلمتي “الباحط” و”الشاحط”، وأجد أن كلاً منها محددة المعنى ومخصصة بشكل دقيق للتعبير عن المعنى المقصود.
وفي كثير من مناطق اليمن هناك اعتقاد سائد بأن تضخم والتهاب اللهاة “وهي الزائدة الموجودة في سقف الحلق عند آخر الحنك الرخو” سبب مهم من أسباب السعال المزمن، وتعرف “بالكلبة” أو “السقل” وعادة مايقوم المزينون بقطع اللهاة لعلاج السعال على الرغم من عدم وجود علاقة بين السعال واللهاة.
“الهروعة” وأخواتها:
“الهروعة” و”المارحة” و”الموارح” و”الذارحة” و”الفروضة” واللوامح”:
عندما تصف المريضة هذا الشعور الخاص الذي يحدث لها أعلى البطن وداخل الصدر، فإنها تصحبه بإشارة تدل عليه، حيث تجمع يديها الاثنتين في أعلى البطن، ثم تحركهما حركة سريعة مفاجئة نحو الخارج، وقد تكرر الكلمة والحركة أكثر من مرة، حتى تنال مني التأكيد على أنني قد فهمت قصدها بالضبط.
وهذا الشعور هو خاص بمرضى عصاب الهلع أو عصاب القلق أحياناً، ويشبه خفق جناحي طائر في أعلى البطن، ويحدث فجأة بدون أي إثارة خارجية، ويسبب نوعاً من الشعور الداخلي بالخوف والتوجس من حدوث خطر وشيك.
الفزة”، “الفزعة”، “النفزة”
هي الشعور بالخوف الشديد والفزع عند حدوث أي مؤثر خارجي بسيط مثل صوت ارتطام الباب، أو سماع شخص يدعو آخر بصوت عال، أو صوت انكسار طبق أو فنجان أو حتى دق الباب من قبل أحد الزائرين أو رنين التلفون، وهذا العرض هو أيضاً خاص ومميز لمرضى عصاب الهلع.
“فم المعدة”.. و”رأس القلب”:
يطلق المرضى هذه التسمية على المنطقة العليا الوسطى من البطن المعروفة علمياً بالمنطقة الشرسوفية أو فوق المعدية، ولكن غالبية المرضى خاصة الذين عرفوا أن القلب يقع في الجانب الأيسر للصدر،لا يقتنعون بأن الطبيب قد فهم ما يقصدون، إلا عندما يرفقون قولهم بالإشارة بأيديهم إلى المنطقة التي يقصدونها بالضبط ويتأكدون أن الطبيب قد فهم ذلك تماماً، وقد تقول المريضة: إنها تعاني من ألم بالقلب، ورأس القلب، فتجد الزوج أو الابن المرافق يقاطعها بسخرية في بعض الأحيان ليوضح للطبيب أنها تقصد المعدة أو أعلى البطن، وقد يضيف الاعتذار إلى ذلك بسبب جهلها، وكأن الطبيب الذي أمامه لا يفقه شيئاً.
أخذت مريضة تشير إلى منطقة الألم في فم المعدة وهي تحاول أن ترفع الثنيات العديدة للحجاب والبالطو الأسود حتى تشير إلى المكان الذي تقصده، وما أن ترفع طبقة حتى تنسدل مرة أخرى فتخفي يدها وتحجب إشارتها، وأردت أن أسهل لها الأمر فقلت لها:”فهمت .. فهمت .. أنت تقصدين رأس القلب!” .. فأظهرت دهشتها الشديدة وهي تقول:” .. أيوه .. أيوه يادكتور .. بس مش أنتم تقولوا أن القلب في الجهة اليسرى من الصدر.. وتضحكوا علينا لما نقول لكم رأس القلب!”.
“الزبان”:تعرف المنطقة السفلية الوسطى للبطن فوق العانة بالخثل أو المنطقة الخثلية، ولكن هذه الكلمة غير معروفة لدى الناس ومعظم الأطباء، ولكن جميع النساء يعرفن هذه المنطقة بالزبان، ولا تستخدم هذه الكلمة لتحديد نفس المنطقة لدى الرجال في أحوال قليلة.
“الجشائب المُهفطة”:” الجشائب” هي الأضلاع الصدرية،و”المهفطة” تعني الغائرة في العمق، وهناك اعتقاد شعبي بأن “ الجشائب المهفطة تشخيص مرضي محدد،أو سبب للأعراض الصدرية وآلام المنطقة العليا للبطن، وخاصة لدى الأطفال،وكثيراً ما يطلب أهل المريض من الطبيب التأكد من أن معاناة المريض وآلامه ليست ناتجة عن “ الجشائب المهفطة” أي الأضلاع الغائرة، وكذلك فإن الطبيب قد يلاحظ بنفسه وجود آثار الأظافر المنغرزة أسفل القفص الصدري وأعلى البطن، على هيئة خدوش سطحية متقاربة وهلالية الشكل ناتجة عن محاولات الأهل “ رفع الجشائب المهفطة” خلال الأيام السابقة، ويغلب على ظني أن هذا المفهوم هو أثر باق من الأيام السالفة عندما كان الناس يشاهدون بكثرة حالات الالتهاب الرئوي الشديدة، ويلاحظون انسحاب الأضلاع الصدرية إلى الداخل أثناء الجهد التنفسي الفائق الذي يبذله المريض، ويدركون أن ظهورها يدل على خطورة حالة المريض وسوء المآل، وهذه العلامة الاكلينكية هي المعروفة لدى الأطباء “بانكماش أو انسحاب العضلات بين الضليعة” الناتجة عن عسر التنفس الشديد في تلك الحالات الخطيرة من الالتهاب الرئوي الذي كان كثيراً ما يؤدي إلى الوفاة وخاصة لدى الأطفال.
طاقة الظهر: ومن الكلمات غير المحددة التي لا أزال أحاول فهمها” طاقة الظهر” التي تستخدمها كثير من المريضات، فتقول المريضة:” كأن الظهر طاقة مفتوحة، وتصحب ذلك بإشارة من كلتا يديها تصنع بهما دائرة تحدد حجم الطاقة المقصودة.
والطاقة قد تكون وصفاً للألم، أو قد يصاحبها الألم، لكنها تظل شعوراً مبهماً خاصاً غير محدد بوضوح، تدركه المريضة، ويصعب عليها تصويره، وربما يكون المعنى المقصود هو شعور بالإجهاد والتعب والإرهاق في الظهر، وهذا الشعور المزعج بطاقة الظهر خاص بالنساء وحدهن، ولم أصادف حتى أحداً من المرضى الرجال يشكو من “طاقة في الظهر”.
وعلى الرغم من كثرة الكلمات الدالة على مختلف الأعراض الشائعة في اليمن، فإن اليمنيين تنقصهم كلمة تدل على نقص الوزن، فهم يستعملون كلمة “ضعف”،أو “زحف” أو “ نحف” أو “رفع”،ولكل منها معاينها الأخرى، بينما يستخدم المصريون والشوام كلمة “خس” ومنها “ تخسيس” بمعنى فقد الوزن بشكل واضح ومحدد.
ولذلك يضطر الطبيب في اليمن إلى استخدام كلمات عديدة للسؤال عن فقد الوزن، ومحاولة توضيح السؤال للمريض،ولا ينال الإجابة التي يريدها إلا في الحالات التي يكون فيها فقد الوزن واضحاً وجوهرياً.
ومما يلفت النظر بشكل خاص هو أن المرضى في بلادنا يستخدمون بعض أنواع الطعام والشراب في وصف بعض المفرزات الجسدية بدون أي شعور بالحرج أو عدم اللياقة أو القرف،أو حتى إبداء الاعتذار عن هذه الأوصاف، فهم يوردونها بعفوية وبساطة شديدة، ويتجرد من المشاعر قد يثير الإعجاب بواقعيته وإن بدا خارجاً عن حدود اللياقة والتهذيب.
يقول مريض يوماً: إن البول لديه مصفر اللون يشبه عصير المنجا أو الشاهي بالحليب، وكانت الممرضة المساعدة بجانبي لديها كأس من الشاي بالحليب في طرف المنضدة المقابلة، فتأخذني الرغبة في المناكفة وأسأله، هل تقصد أنه مثل لون ذلك الكأس؟ فيجب مؤكداً ومتحمساً، ومبدياً سعادته من دقة تصوري للوصف الذي اتحفني به، وبعد خروجه تأخذ ممرضتي كأس الشاي بالحليب، وتدلقه في الحوض وهي تبدي قرفها، وأنا أضحك بصوت عال وهي تقول:” ها .. أعجبك الآن .. خلاص .. ارتحت .. ولا عاد اشتي شاهي ولا حاجة”.
ويشبه مرضى آخرون البول ذو اللون الداكن الغامق بالشاهي وبقهوة القشر أو شراب الكوكاكولا،ويقول لي مريض مرة إن الديدان الصغيرة تخرج من مؤخرة ابنه الصغير بكميات كبيرة مثل الرز، ويعيد الكلمات ويعيد التشبيه مراراً دون حرج ولا تأفف، وتشبه المريضة الإفرازات المهبلية لديها باللبن أو الحقين، وأخرى تشبهها بالزبادي وقطع الجبن البيضاء، وتشبه مريضة ما يخرج منها من النزف المهبلي بقطع الكبدة، وآخرون يشبهون البراز بأنواع من الأطعمة كالبيض أو السمن، ويشبهون الإسهال الأصفر السائل مثل عصير المنجا وتشبيهات أخرى مشابهة يرددونها بدون تحرج ولا تقزز حتى أن بعضهم يرددونها بنوع من الاستمتاع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.