هو أحد الكتب الحديثة في مجال التنمية البشرية للكاتب المصري كريم الشاذلي.. كتاب أكثر من رائع سيجعل كل واحد منا يفكر ويحاول أن يغير حياته نحو الأفضل، التقاطاً لبعض معاني الحياة، وتسجيلاً لمواقف وصور ذات أهمية فيها.. حكمة سمعت، قرأت..شوهدت، قررنا اصطيادها خشية أن تطير، لنقدمها قرباناً لك!. في لحظات النصر والظفر ننسى كثيراً أننا بشر .. ! ننسى أننا في مصيدة الأقدار ، وأن المساحة بين تألقنا الكامل وخيلائنا من جهة وضعفنا وذلنا من جهة أخرى ، جد هينة على الله ، فهو قادر - سبحانه - أن يلبسنا ثياب الذل بعد العظمة ، أو يكسونا رداء الفخر بعد الفاقة والعوز. إننا ننسى - أو نتناسى - أنه ولو عاملنا - سبحانه وتعالى - بمنطق العدل ، وأطلق فينا حكم الملك في رعيته ، لكنا جميعاً مدانين ، ولن يفلت منا أحد .. لكنه - جل اسمه - برحمته ، ولطفه ، وحلمه الشديدين ، يتغاضى ، ويغفر ، برغم كوننا قد نتمادى في الغرور والكبر ، ونثق في قوتنا وكأننا قد أوتيناها على علم ودراية ، ونأبى أن نكل الأمور لمن بيده تصريف الأمور. وتعال معي عزيزي كي نقرأ تلك القصة الفرنسية والمعنونة ب ( jusquau bout confiance) والتي تحمل معنى عميقاً يكشف إلى أي مدى قد يبلغه غرور الواحد منا. فمما يحكى أن رجلاً من هواة تسلق الجبال ، قرر تحقيق حلمه في تسلق جبال العالم وأخطرها ، وبعد سنين طويلة من التحضير وطمعا في أكبر قدر من الشهرة والتميز ، قرر القيام بهذه المغامرة وحده. وبدأت الرحلة كما خطط لها ومعه كل ما يلزمه لتحقيق حلمه. مرت الساعات سريعة ودون أن يشعر ، فاجأه الليل بظلامه وكان قد وصل تقريباً إلى نصف الطريق حيث لا مجال للتراجع ، ربما يكون الرجوع أكثر صعوبة وخطورة من إكمال الرحلة وبالفعل لم يعد أمام الرجل سوى مواصلة طريقه الذي ما عاد يراه وسط هذا الظلام الحالك وبرده القارس ولا يعلم ما يخبئه له هذا الطريق المظلم من مفاجآت. وبعد ساعات أخرى أكثر جهداً وقبل وصوله إلى القمة ، إذ بالرجل يفقد اتزانه ويسقط من أعلى قمة الجبل بعد أن كان على بعد لحظات من تحقيق حلم العمر أو ربما أقل من لحظات! وكانت أهم أحداث حياته تمر بسرعة أمام عينيه وهو يرتطم بكل صخرة من صخور الجبل ، وفي أثناء سقوطه تمسك الرجل بالحبل الذي كان قد ربطه في وسطه منذ بداية الرحلة ولحسن الحظ كان خطاف الحبل معلقاً بقوة من الطرف الآخر بإحدى صخور الجبل ، فوجد الرجل نفسه يتأرجح في الهواء ، لا شيء تحت قدميه سوى فضاء لا حدود له ويديه المملوءة بالدم ممسكة بالحبل بكل ما تبقى له من عزم وإصرار. وسط هذا الليل وقسوته ، التقط الرجل أنفاسه كمن عادت له الروح ، يمسك بالحبل باحثاً عن أي أمل في النجاة. وفي يأس لا أمل فيه ، صرخ الرجل : - إلهي ، إلهي ، ساعدني ! فأجابه صوت شق سكون الليل وهدأته : - قل مسألتك .. والله مجيبك. - فقال الرجل في توسل : أريد النجاة ، فلينقذني الله مما أنا فيه ، فأجابه الصوت : لكنك تؤمن في قوتك ، أكثر من إيمانك بالله ، فلماذا - والآن فقط - تريد العون منه ؟ فقال الرجل : بل أؤمن به ، وليس سواه قادر على إنقاذي ، ساعدني يا إلهي .. - فأجابه الصوت في حسم : “إذن ، اقطع الحبل الذي أنت ممسك به!”. وبعد لحظة من التردد لم تطل ، تعلق الرجل بحبله أكثر فأكثر . وفي اليوم التالي ، عثر فريق الإنقاذ على جثة رجل على ارتفاع مترين من سطح الأرض ، ممسك بيده حبل وقد جمده البرد تماماً “مترين فقط من سطح الأرض!!”. إن تلك القصة الرمزية البديعة قد لفتت نظرنا إلى أننا قد ننسى ونحن نسير نحو تحقيق حلمنا حقوق الله علينا ، وأن الطموح ببريقه قد يغشى أعيننا ، ويجعلنا مع طول المدة لا نرى إلا يدنا التي تفعل ، وقدمنا التي تسير ، وذهننا الذي يفكر. وتنسينا اليد العليا التي تقف خلف هذا كله ، ولا نذكر الله إلا وقت الأزمة والشدة .. والحاجة!. لكن المرء الذي لم يتعود على الثقة بأوامر الله ، لن يكون يقينه حياً صادقاً. وما الحبل في القصة السابقة سوى ( الأسباب ) ، والتي برغم أهميتها وحاجتنا إليها ، إلا أنها - وحدها - إذا لم يكن معها إيمان وتقى ويقين حار ، ليست قادرة على نجدتنا ، بل ربما اغتررنا فيها فأردتنا المهالك. ووجدنا أنفسنا هلكى.. ولم يبق على طريق النجاة سوى خطوتين .. أو مترين! إشراقة: إذا كانت السعادة شجرة النفس البشرية والقلب الإنساني.. فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها وغذاؤها وهواؤها وضياؤها. د.يوسف القرضاوي