لأن تفاصيل الحياة اليومية وتعقيداتها ومتاعبها قد طغت علينا فأصبحنا بعيدين عن جوهر الروح والوجدان والنقاء الذي يخلقه الإحساس بأننا في ركب هذه الحياة كائنات متفردة بالعقل وبالوجدان أيضاً وهو ما يستدعي العيش بطريقة تكفل لنا إذكاء هذين البعدين معاً.. ولأن تعميق البعد الوجداني السامي لايتحقق بالدرجة المطلوبة إلا من خلال الاجتماع على الأطر والقواعد التي تعمق فينا هذا البعد الروحي بالضرورة فكان لانتمائنا إلى الدين القديم نعمة كبرى تكفل لنا السعادة المنشودة. وكان رمضان .. بكل مافيه من قيم اجتماعية وروحية وعقائدية تعاقبت الأمم على احترامها مرتبينها كجزء من حلقة الإيمان بالخالق جل وعلا لتؤسس لواقع أكثر إشراقاً وبهاءً لهذه الأمة التي كرمها الله بخير الرسالات وبخير الأنبياء وخاتمهم محمد بن عبدالله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وبخير منهاج سماوي وعقائدي وروحي وهو القرآن الكريم.. فرض الله الصيام لحكمة يعلمها هو جل شأنه ولأن الصيام من ناحية أخرى من الشعائر التي تهذب النفس البشرية وتربيها وتعلمها كيفية الصبر على المشقة والتعب والجوع والعطش والملذات الدنيوية تقرباً إلى الله تعالى ومافي ذلك من رياضة روحية تربي فينا القدرة على كبح جماح الشهوة الإنسانية ولأن الصوم من جهة أخرى يذكرنا ونحن نقاسي ونكابد هذه الآلام والمتاعب على مدار السنة بعيداً عنا ودون أن نلتفت إليهم كما حثنا على ذلك ديننا القديم بالصورة التي تحقق مبدأ العدالة والتكافل الاجتماعي بين أجزاء الجسد الواحد الأمة الإسلامية وما يمثله ذلك من قاعدة أساسية تقوم عليها المجتمعات الراقية والحضارية والقائمة بمهمة الاستخلاف على الأرض بالشكل الذي أراده الله تعالى لبني الإنسان منذ فجر الخليقة. وعلى المستوى الذاتي فإن رمضان مناسبة سانحة تعوضنا ما فات من الأيام والسنين والشهور ونحن في مهمة الحياة مقصرين تجاه نفوسنا وتجاه الله سبحانه وتعالى فننقطع فيه إلى الطاعات وإلى التقرب إلى المولى جل وعلا بالذكر وبالنوافل بأكثر مما كان منا في باقي الأيام لعل الله أن يتجاوز عن سيئاتنا وعن تفريطنا وتقصيرنا وليكن دأبنا على الدوام وفي رمضان خاصة الالتفات إلى الفقراء والمساكين والمحرومين فهم إخواننا في الدين وفي الإنسانية لايجب أن تتجاهل أننا ملزمون دينياً وأخلاقياً بالوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم والتخفيف من آلامهم ومعاناتهم.. وبعيداً عن أعيننا أيضاً أولئك الذين أقعدهم المرض والداء على الأسرة في المستشفيات وقد حرموا من نعمة الصحة والعافية ومنهم من لايجد ما يستعين به على تدبر نفقات علاجه فما أحرانا أن نبذل لهم الدعاء إلى الله تعالى لهم بالشفاء وأن نقدم لهم مانستطيع من المال والدواء ففي ذلك بدون أدنى شك الأجر العظيم والثواب العميم.. ولنصل الأرحام فكم من واحد منا يمر عليه الشهر والعام دون أن يلتفت إلى رحمه فيصله ولنبحث عن أخواننا الذين فرق بيننا وبينهم الدهر أو منعتنا الخلافات والخصومات عن التواصل بهم ولنمد إليهم أيدينا في هذا الشهر الكريم فهو مما يخلق تماسك القلوب والمجتمعات ويقويها لتقوم بدورها الدنيوي بالشكل الذي يرضاه الله ورسوله.