قبل عشر سنوات غادر سعيد محمد سنان بطفلته “هالة” من مسقط رأسه “المشاولة” بتعز باتجاه مستشفيات المدينة كمحاولة متواضعة لتخليص عينيها من سائل كان يهددها بالتوقف عن الرؤية غير أن محاولته تلك لم تجد طريقها للنجاح. هالة كانت حينها في سنتها السادسة وبخطوات مثقلة رافقت والدها في تنقلاته بين عيادة وأخرى ومستشفى وآخر، وتقارير الأطباء أكدت حاجتها لإجراء عملية جراحية لسحب السائل “المياه البيضاء” مع زراعة عدسات وليس هناك من حل آخر. سعيد حمل طفلته وعاد بها إلى قريته كون إمكانياته تضاءلت أمام أمر كهذا كيف لا وتكاليف السفر حسب قوله استلفها من أحد أقاربه، لذا كان عليه أن يعود بطفلته إلى حيث أتى ومكث ينتظر الفرج. عشر سنوات إضافية عاشتها هالة بعينين مسكونتين بالمياه البيضاء وقدرتها على الرؤية كانت تتلاشى شيئاً فشيئاً ووالدها الفقير باغتته العديد من الأمراض كان آخرها السل الذي أنهك جسده لذا كان عليه أن يلوذ بالصبر. عصر الأربعاء الفائت كانت هالة برفقة والدها وأحد الأقارب في مستشفى الدكتور “عبدالله مرشد الأهدل” نقيب الأطباء بتعز التقيتها وهي تنتظر موعدها للدخول إلى غرفة المعاينة وحين جاء الموعد رافقتها أثناء الدخول لاستمع عن قرب لنتائج الفحص. عينا هالة أهملتا وكان بإمكان تدارك الأمر قبل 12 عاماً هكذا تحدث الدكتور الأهدل لوالدها ورفيقه يعني “هالة كانت بحاجة إلى إجراء عملية جراحية لسحب المياه البيضاء وزرع عدسات قبل 12 عاماً لكن الفقر حبسها في قريتها حتى عصر الأربعاء الفائت. الدكتور الأهدل تكفل بإجراء العملية “مجاناً” يعني دون مقابل وهي مبادرة طيبة تضاف إلى رصيد مبادراته السابقة في إنقاذ الكثير من المرضى المعدمين. غير أن والد هالة لم يتعاف بعد من مرض السل والأعراض المصاحبة، وبجسد منهك وقلق شديد كان يتابع نتائج الفحص لعيني هالة ، وليس بحوزته ما يُمكّنه من العودة إلى القرية. لسعيد أسرة قوامها عشرة أفراد ويزيدون، هم بحاجة إلى عائل، وجسده لا يقوى على العمل .. فمن سيرسم البسمة على شفتيه وينتشله من براثن الفقر.