“الأحمدي” هو أحد المستشفيات التي أنشأها الإمام أحمد في مدينة تعزإبان حكمه الكهنوتي الأرعن.. وتدل تسمية المستشفى “الأحمدي”على الخصوصية التي كان يحتكرها لنفسه وعائلته فيما رعيته يتضرعون جوعاً وألماً وقد استطاع الإمام أحمد بعلاقاته الخارجية أن يستقطب عدداً من الأطباء الأجانب لاسيما الإيطاليين وعدد آخر من الأطباء الروس والفرنسيين للاهتمام به وبعائلته والحاشية التي تطبِّل له وتمجده،بينما بقية الشعب لايستطيعون التداوي بها إلا عبر حكم إمامي ملكي يصدره الإمام كما تشير المصادر التاريخية وشهود لازالوا على قيد الحياة. الدخول للمستشفى بقرار ملكي يؤكد عدد ممن عاشوا تلك الفترة من عهود الظلم والاضطهاد أن الوضع الصحي في فترة حكم الأئمة كان لا أساس له إلا فيما ندر ولاتكاد تبلغ عدد المستشفيات في اليمن عدد أصابع اليد الواحدة،حيث تفشى الفقر والجهل والمرض وسط عامة الشعب وكانوا يتداوون عبر الطرق البدائية التقليدية فيما مستشفى الإمام له ولعائلته. وتشير المصادر التاريخية وشهود ممن عاشوا تلك الفترة أن المريض كان إذا أراد أن يدخل المستشفى للتداوي فإنه لابد من تصريح ملكي من الإمام نفسه للدخول إلى المستشفى. يقول الأستاذ محمد عبدالرحمن نهشل 65 عاماً أحد الذين عاشوا تلك الفترة وأحد الذين عملوا في المستشفى الجمهوري حالياً بتعز بعد قيام الثورة بعام أي عام 1963م بوظيفة ممرض إلى أن أصبح مساعد طبيب يقول “ لم يكن أحد من الرعية باستطاعته الدخول إلى المستشفى “ الأحمدي” إلا بحكم من الإمام بعد الإثبات بأنه فقير، متجاهلاًومتناسياً ما خلفه من فقر مدقع لعامة الشعب. ويضيف الوالد محمد عبدالرحمن نهشل: حين يريد أحد المرضى التداوي بالمستشفى فإنه لابد من تقديم عرض إلى نائب الإمام الوشلي آنذاك وبالتالي يتم المصادقة من قبل الإمام ويعد بمثابة حكم وإذن دخول. أطباء أجانب يساعدون المرضى يؤكد شهود عيان في تلك الفترة أن عدداً من الأطباء معظمهم الطليان كما يسمونهم أي الإيطاليون وآخرون كانوا يساعدون المرضى، حيث كان الدكتور آندري وهو طبيب فرنسي يقوم بمساعدة المرضى مما كان يحصل عليه من ذهب من بعض المشايخ وكان يصرفها على بعض العلاجات التي لاتتوفر للمرضى المترددين على المستشفى. وهو الطبيب الذي قام بتأسيس قسم الصدر وهو أحد اختصاصيي أمراض الباطنية والصدر فيما الدكتورة فيلارد والتي يؤكد كثيرون أنها من قامت ببناء واستحداث قسم الأشعة الذي أسسته بعد هدم البوابة الخلفية للمستشفى على حسابها ومازال لايراوح مكانه حتى الآن كما يؤكد ذلك الأستاذ محمد عبدالرحمن نهشل ويعود الوالد محمد نهشل بذاكرته إلى الوراء ليقول لنا: أذكر أن مجموعة كبيرة من القرود كانت في الحوش وتحوم حول قسم المختبر وأظن أنها كانت بمثابة تجارب للأطباء الأجانب آنذاك. مستشفى العسكر يقع مستشفى العسكر في عهد حكم الإمام أحمد أسفل مستشفى “الأحمدي” ، حالياً ثانوية تعز كما تشير المصادر ويقول الوالد نهشل إن هذا المستشفى هو ثاني مستشفى بتعز بعد الأحمدي وهو خاص بالعسكر ويضم “ العكفة” وهم الحرس الخاص بالإمام. و”القوانين” وهم الشرطة وكانوا يضعون حديداً على صدورهم للتمييز بينهم وبين بقية فروع العسكر، والعسكر وهم الذين يسكنون في العرضي بجانب القصر الإمامي. والذي تحول اليوم إلى متحف أثري كشاهد على حياة البذخ التي كان يعيشها الإمام وعائلته فيما الرعية تموت جوعاً وبحسب نهشل ومصادر أخرى فإن الإمام كان يوزع العسكر على أساس عنصري بغيض،فالقبيلي يعينه “عسكريا”،فيما ابن الشيخ “ عكفيا” والطبقة الأدنى في المجتمع “مزاينة، جزارين، مزمرين، طبالين، بياعين” يتم تعيينهم في الموسيقى والنقلية حق الخيول والذي هو حالياً قيادة المنطقة جوار ميدان الشهداء. مما يدل على أن الإمام كان ينتهج سياسة العنصرية المقيتة والتي عانت منها اليمن ردحاً من الزمن، حتى جاءت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، لتنهي العنصرية والطبقية. أطباء في الذاكرة حين قام الإمام أحمد ببناء مستشفى “الأحمدي” في الخمسينيات بدأ العمل في المستشفى بقسمين كما تشير المصادر التاريخية وهما قسم الباطنية وقسم الجراحة بكادر طبي إيطالي نتيجة العلاقات والتبادل بين اليمن وإيطاليا منذ القدم، وكانت البعثة الإيطالية مكونة من عدد من الأطباء ومختلف التخصصات تنفرد صحيفة الجمهورية بذكر أسمائهم وهم: 1)الدكتور منشولي بروفيسور في الباطنية. 2)الدكتور براليلو اختصاصي باطنية. 3)الدكتور هيرنو اختصاصي باطنية. 4)الدكتور فروزني اختصاصي باطنية. 5)الدكتور كزبرني اختصاصي جراحة. 6)الدكتور فلاجاني اختصاص مخدر وطب شرعي. 7)الدكتور بلانشي اختصاصي جراحة. 8)الدكتور بانيلو مساعد جراحة. ويؤكد الوالد نهشل أن هناك عددا آخر مازالوا خالدين في ذاكرته وهم الدكتور بوتشي وهورن وميخائيل وغيرهم والدكتور أحمد راشد وكان رئيساً لقسم الولادة. تشير مصادر إلى أن منزل الدكتورة فيلارد التي قامت بتأسيس قسم الأشعة يتم اليوم ترميمه على أمل أن يتحول إلى “المركز الثقافي الفرنسي” لتنشيط العلاقة بين اليمن وفرنسا وبما يعود بالنفع للمستشفى الجمهوري، التي عملت به الدكتورة فيلادر قديماً.. بزوغ فجر الثورة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر الخالدة وقدمت في سبيلها قوافل من دماء الشهداء الأبرار بدأ الاهتمام جلياً من قبل الجمهورية بكل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والصحية.. ففي المجال الصحي قامت الدولة ببناء المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية في مختلف المدن والأرياف في ربوع هذا الوطن الكبير بوحدته. وفي مستشفى “الأحمدي” الذي تحول مع بزوغ أول فجر للثورة إلى المستشفى الجمهوري لتكون خدماته لعامة الشعب دون استثناء أو تمييز طبيعي أو عنصري.. حيث قامت الجمهورية منذ بزوغها وحتى الآن بالاهتمام بهذا المشفى والتوسع وإنشاء أقسام جديدة وتم إرسال عدد من الطلاب اليمنيين للدراسة في الخارج ليقدم المستشفى الجمهوري خدماته لتعز والعديد من المحافظات إبلحجالحديدة. تاريخ وأنا أعد هذه المادة التاريخية بهذه المناسبة في وقت ضيق لم أستطع تدوين كل الشواهد التاريخية في هذا الصرح الطبي لأسباب تتعلق بالوقت وأخرى بسوء الحظ، حيث كان هنا عدد من المعمرين في هذا المستشفى عاشوا وعملوا في تلك الفترة وحتى الجمهورية وفي جعبتهم الكثير من الحقائق التاريخية والذكريات.. وكنت في الحقيقة أعاني من ضيق الوقت المتاح لي لإعداد هذه المادة فالكوكباني أحد العاملين في تلك الفترة غادر المستشفى في رمضان الفائت والذي كان قد اتخذ لنفسه سكناً هنا يعيش فيه مع الذكريات.. على أمل أن ألتقيهم مرة أخرى وأدون كل ما في ذاكرتهم لتكون شاهداً للأجيال القادمة. وبينما أنا أجري لقاء وحديثاً مع الدكتور الفاضل عبدالواحد عبدالرحمن سعيد مدير عام المستشفى الجمهوري بتعز واستشاري أمراض وجراحة المسالك البولية فاجأني بأن مكتبة الذي يتربع عرشه الآن وملحقاته كانت سكناً لأخ الإمام سيف الإسلام علي وهو ما أكده الوالد محمد عبدالرحمن نهشل الذي التقيناه بالصدفة في مكتب مدير المستشفى، كما أكدوا أن بقية المبنى المجاور والذي هو حالياً قسم أجهزة الأيكو الملون كان سكناً هو الآخر لبعض حاشية وخدم أخ الإمام سيف الإسلام علي. توسع عمراني وخدمي بعد قيام الثورة اليمنية المجيدة تم تعيين أول وزير للصحة وهو الأخ علي محمد سعيد أنعم، كما تم تعيين أول مدير للمستشفى الجمهوري بتعز الأخ علي حمّد والد الدكتورة أمة الرزاق حمّد وزير الشئون الاجتماعية والعمل حالياً. وبدأت الدولة بإنشاء العديد من المشاريع لتحسين الوضع الصحي في المستشفى حيث تم استحداث مبنى للمستشفى المقابل للنيابة العامة والمحكمة ويضم مبنى الإسعاف والطوارىء التوليدية، مختبر الإسعاف وبنك الدم وقسم النساء والولادة، وقسم الباطنية والقلب بشقيه النسوي والرجالي، إضافة إلى الصالة الكبرى للمحاضرات والاجتماعات ويحتوي المبنى على مصعدين كهربيين، كما يضم مكتبة عامة للأطباء وطلبة الجامعات. ويؤكد مدير عام المستشفى الجمهوري أن عدد الأطباء في المستشفى اليوم يبلغ عدد 104طبيب تقريباً.. 46 إناث و48رجال فيما بلغ عدد الممرضين 205يشمل المتعاقدين منهم والسعة السريرية حوالي 550سريرا بعد أن كانوا يعدون بأصابع اليد في عهد ما قبل الثورة مشيراً إلى أنه تم رفد المستشفى بأجهزة حديثة كالجهاز الطبقي المحوري والأشعة السينية وقسم المختبر الفرنسي وقسم العناية القلبية والقسطرة القلبية.. كما توجد أحدث الأجهزة لفصل الصفائح الدموية وجهاز تخطيط الدماغ وجهاز القلب “الإيكو” .. كما تم استحداث أقسام جديدة آخرها قسم العلاج الطبيعي وقسم الخداج والعناية والقسطرة وشراء سيارة من قبل السلطة المحلية بالمحافظة رغم الصعوبات التي يواجهها المستشفى. بعثات خارجية يقول الدكتور عبدالواحد عبدالرحمن مدير المستشفى الجمهوري إن من أبرز إنجازات الثورة هذا المستشفى الذي يقدم خدماته بإمكانياته الحالية لجميع شرائح المجتمع هو إنشاء المستشفى الجمهوري التعليمي، لا سيما بعد إنشاء كلية الطب بجامعة تعز، حيث غدا المستشفى يستقبل جميع الطلبة للتدريب العملي من كلية الطب والمعهد العالي للعلوم الصحية بالمحافظة وعدد من المحافظات الأخرى المجاورة. ويضيف: لقد قمنا باستقطاب عدد من البعثات الفرنسية للتأهيل وتدريب القابلات والأشعة وتبادل الخبرات بين الكادر الفرنسي واليمني إضافة إلى قيامهم بعمل عدد من العمليات الصعبة والكشف المبكر للتشوهات الخلقية للجنين. ثمار الثورة من ثمار الثورة المباركة كما يؤكد الدكتور عبدالواحد عبدالرحمن سعيد افتتاح قسم القسطرة القلبية في المستشفى والذي يعد ثاني قسم حكومي في الجمهورية اليمنية بعد هيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء والذي تمت مؤخراً توأمته مع المستشفى الجمهوري بتعز، إضافة إلى افتتاح العناية المركزة لأمراض القلب ويعد هذا من أبرز إنجازات المستشفى والمحافظة، كما تم تحديث المختبر بأجهزة حديثة وتزويد قسم القلب بأحدثها أيضاً وهو ما يعود بالنفع على تعز والمحافظات المجاورة. وأشار مدير عام المستشفى الجمهوري بتعز إلى أن القيادة السياسية بزعامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية تولي جميع القطاعات رعاية واهتماما لا سيما قطاع الصحة حيث تم ابتعاث عدد من الطلبة للدراسة في الخارج وابتعاث بعض الأطباء لإكمال دراساتهم العليا في عدد من الدول العربية والصديقة، حيث غدا الكادر الطبي المحلي في المستشفيات الحكومية %100. مشيراً إلى أن المستشفى الجمهوري أصبح يمتلك الكادر الطبي المتميز وأجريت فيه أعقد العمليات كالقسطرة القلبية ويتم حالياً الانتهاء من إنشاء مبنى قسم جراحة القلب المفتوح المكون من خمسة طوابق سيتم تجهيزه نهاية هذا العام الجاري بالتعاون مع هيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء برئاسة الدكتور أحمد العنسي مدير عام الهيئة. موضحاً أن المستشفى بالرغم مما تقدمه للمواطنين بإمكانياتها المتاحة إلاَّ أنها بحاجة إلى لفتة كريمة من القيادة السياسية ووزارة الصحة لتقديم خدماتها بشكل أكمل وأفضل. ذكريات طبيب يؤكد الدكتور عبدالواحد عن قرب مجيء أحد الأطباء الفرنسيين والذين عملوا في المستشفى الجمهوري في السبعينيات لعمل محاضرات وزيارة تعز لغرض عمل وجه مقارنة بين تعز الأمس واليوم كما يسعى الدكتور عبدالواحد إلى توثيق تاريخ المستشفى بجهود ذاتية وعمل متحف صغير يحكي فيه تاريخ المستشفى منذ تأسيسها ووصول الأطباء الأجانب وأسمائهم إضافة إلى توثيق المديرين الذين تعاقبوا على إدارة المستشفى حتى اليوم وتعد مبادرة طيبة منه.