طه الحداد صاحب مكتبة رصيفية في شارع التحرير وسط العاصمة صنعاء يشكو من العبث الذي طال كتبه من قبل رجال البلدية، وأخذهم لما يقارب خمسة آلاف كتاب..متسائلاً عبر”الجمهورية”: قليلون هم أولئك الناس الذين نذروا أنفسهم لخدمة القراء، فقطعوا الفيافي والقفار والجبال في سبيل العثور على كتاب مفيد يشبع نهم المطلعين والمثقفين والأدباء والباحثين وغيرهم..وطه نعمان محمد الحداد واحد من هؤلاء القلائل الذين قضوا ويقضون أغلب عمرهم في هذا العمل، فهو يوفر مختلف أنواع المجلات المعرفية والأدبية، والكتب العلمية والثقافية المختلفة متخذاً شعار «القراءة للجميع» وبأثمان رخيصة..صحيفة «الجمهورية» زارت مكتبته العتيقة في شارع التحرير بقلب العاصمة صنعاء. المكتبة الرصيفية قبل بضعة أعوام نصحني الزميل وجدي الأهدل بزيارة المكاتب الرصيفية، وحدد هذه المكتبة بالذات..كان لقائي به في ملتقى الأدباء والكتاب العرب، وأكد بأن هذه المكتبة ببساطتها توفر نفس الكتب وأرخصها، كما توفر الدوريات أو المجلات القديمة التي يصل عمر إصدارها إلى أكثر من خمسين عاماً، وعملت بمشورته...كانت مكتبة طه الحداد رغم بساطتها على الرصيف تحتوي على عدة مخازن ويبلغ عدد كتبها أكثر من مائة ألف كتاب ،ووجدت كل مبتغاي في هذه المكتبة النفيسة. يقول طه الحداد: لقد بدأت في بيع الكتب منذ طفولتي، ولم أعرف نفسي سوى بين الكتب ،ويبلغ عمري في هذه المكتبة أكثر من عشرين عاماً حيث بدأت ببضعة كتب ومع حبي للاطلاع تضاعفت أعداد الكتب، فكانت معرفتي المتعمقة بالناس من الزبائن مدعاة للحصول على المزيد من الكتب، فكنت أسافر إلى العديد من المناطق لأبتاع الكتب، وهناك الكثير ممن كان لهم أو لآبائهم أو أحد أقربائهم باعٌ طويل في الثقافة والاطلاع فاضطرتهم الحالة المالية إلى بيع مكاتبهم الشخصية ومع تقادم السنوات ازدادت عدد الكتب التي تحتويها مكتبتي، ولما كنت مطلعاً شغوفاً في هذا الفن أدركتُ مدى حاجة الإنسان للقراءة فاستمررت على عادة بيع الكتب المختلفة بما يتناسب ومستوى الدخل البسيط لمختلف الشرائح المجتمعية، وهنا كان سر نجاحي ، حيث تجاوزت مكتبتي أكثر من مائة ألف كتاب، وشاركت في العديد من المعارض المحلية والدولية، وكان هناك إقبال كبير طغى على بقية المكاتب المشهورة وكان هذا الإقبال الشديد على الطبعات القديمة. البلدية والكتب ويستطرد الأخ طه الحداد في سياق حديثه بعد أن أكفهرت ملامحه وانطلقت من أعماقه تنهيدة حارة: أكثر من عقدين من الزمن وأنا أخدم الثقافة والمثقفين، حيث وفرت المراجع والروايات والقصص لكل المتعطشين لها، وليس هناك من محامٍٍ أو قاصٍ أو شاعرٍ أو كاتبٍ أو طبيب أو مهندس أو غيرهم إلا وأبتاع مني الكثير من الكتب، حيث كانوا يسجلون لي كل ما يحتاجونه من كتب بأسمائها المحددة، وكانوا يجيئون لها وهي جاهزة، لكن مع الأسف ومع كل ما بذلته من جهد وأفنيته من عمر، وشاركت فيه من معارض، إلا أن البلدية في أمانة العاصمة وخلال هذا العام بالذات قد ركزت على كتبي التي تبعد بأمتار عن الرصيف الذي تملؤه مختلف البضائع من ملابس وأدوات مختلفة وأخذوا عليّ قبل شهر أكثر من ثلاثة آلاف كتاب، ثم أخذوا ثمانمائة كتاب، ثم كتباً أخرى، ويصل مجموع ما أخذوه إلى خمسة آلاف كتاب لا أعرف أين مصيرها حتى اللحظة رغم بحثي المتواصل عنها، ومروري بكل المسئولين من أجل مساعدتي في استرجاع كتبي وهذه الاعتداءات المتكررة على مكتبتي والمقصودة أحبطتني كثيراً، حيث تجاوزت خسارتي المليون ريال. ورغم إصرار جمهوري المثقف والمطلع على مواصلة بيعي للكتب إلا أن البلدية مع الأسف لا تقد ذلك،ولاتعرف القارىء ولا القراءة، فقط كل ما يهمها هو أخذ كتبي بطريقة عشوائية مزقت أكثرها، وما زلت حتى اللحظة أتساءل بقهر: أين مصير كتبي الخمسة الآلاف وهل جزاء الجميل بالنكران؟، وإذا لم تصدقني فاسأل كل الأدباء والكتاب الذين تزودا من مكتبتي.. ثم اطلعني على مخزنيه الاثنين اللذين بدأت تخلو الكتب منهما. مميزات فريدة كامل المعمري قاص وسينارست عبر عن ذلك بالقول: إن ما يميز هذه المكتبة الرصيفية شيئان اثنان: الأول رخص ثمن كتبها المتوفرة،والثاني :احتواؤها على كل ما يحتاجه الباحث والمطلع سواء فيما يخص الكتب العلمية أو الأدبية، ولذلك فإن التفريط في هذه المكتبة معناه حرمان شريحة كبيرة من المطلعين من لذة الاطلاع، إنها المكتبة الوحيدة التي توفر الكتب للشرائح البسيطة والمثقفة من الناس بأسعار زهيدة في وقت أضحت فيه أسعار الكتب في المكتبات العامة غالية جداً، ولهذا لابد من تقديم الدعم لصاحب المكتبة كونه وفر القراءة للجميع ، بدلاً من مضايقته ومصادرة الكتب عليه مع العلم أن سمعته الطيبة تتناقلها الألسن وعلى مدى الأعوام التي تعرفنا عليه بائعاً للكتب وموفراً لها، ومرة أخرى أتمنى من الجهات المسئولة أن تتعاون معه وتعيد إليه الكتب التي أخذتها البلدية. تقدير الكتاب الطالب الجامعي محمد غانم محمد، تحدث بالقول: بدون مجاملة، فلقد حصلت على كل المصادر التي دعمت بها بحثي، وكذلك زملائي في مختلف الأقسام، والذي دلني بعضهم عليه ولذلك فهذه المكتبة الرصيفية ليست زادنا في الجانب العلمي فقط ولكن في الجانب الثقافي أيضاً، ولو أراد أحدنا البحث على مجلة قديمة تعود إلى الخمسينيات أو الستينيات من القرن المنصرم ،فإنه يجد بغيته في هذه المكتبة،وإنني أدعو كل المثقفين والمطلعين الذين نهلوا من هذه المكتبة البسيطة أن يتضامنوا مع صاحب هذه المكتبة تقديراً للكتاب ليس لذاته وإنما في سبيل تشجيعه على تزويدنا وتزويد الأجيال بكل ما يحتاجونه من كتب ومجلات مختلفة. وللمحرر كلمة قبل أن تهوي الشمس في قعر مغربها مددت بصري باتجاه المكتبة الرصيفية..كان طه الحداد صاحب المكتبة مستنداً على جدار، وملامحه مستندةً على راحة إحدى يديه، فيما بصره يمسح الكتب المستغيثة والمستنجدة لإنقاذها من البلدية.