مع أن التحديات التي تواجهها اليمن كثيرة ومتشعبة سواء في الجانب الاقتصادي والتنموي أو غيرها من الجوانب إلا أن قضية المياه مازالت هي التحدي الأخطر والأكثر إلحاحاً في ظل النمو السكاني المتسارع والاستنزاف الجائر لهذه الثروة والنضوب الملحوظ لكثير من المصادر الطبيعية في اليمن بما فيها حوض صنعاء الذي يقع فوق طبقاته أكبر تجمع سكاني في الجمهورية اليمنية. وتؤكد الدراسات والواقع الملموس أن النضوب خيار رئيسي في هذا الحوض الذي قد يصحو السكان يوماً على سفحه ولايجدون ماء يروي عطشهم، ومع كل هذه التحديات والمخاطر مازالت التشريعات لاتعتبر المياه ثروة سيادية مملوكة للدولة فقط، وآلاف الآبار تحفر من قبل مواطنين ومزارعين من أجل القات والبيع، وكذلك مازالت الحلول التي تقترحها الدراسات والمؤتمرات مجرد حبر على ورق وظواهر صوتية تظهر في وسائل الإعلام، وتغيب على أرض الواقع. الحد من الاستنزاف الجائر للمياه القاضي أحمد عبدالله الحجري محافظ محافظة إب يؤكد أن ثمة حلولا ومعالجات نفذتها السلطة المحلية بمحافظة إب من أجل الحد من الاستنزاف العبثي للمياه واستغلالها في زراعة القات. وأضاف: نحن في محافظة إب وضعنا المياه والزراعة في مقدمة اهتمامات السلطة المحلية وخلال العام الماضي وهذا العام اتخذت العديد من الخطوات والقرارات من قبل المجلس المحلي في المحافظة من أجل الحد من التوسع في زراعة القات، الذي يعد السبب الرئيسي في استنزاف المياه، وكذا الحد من الحفر العشوائي، وضبط المخالفين ، وتم فعلاً التعميم بموجب قرارات المجلس المحلي إلى مختلف المديريات لمنع أي زراعة جديدة للقات وضبط الحفارات التي تقوم بالحفر العشوائي. وتم فعلاً ضبطها وإدخالها المعسكر ومنع خروجها إلا بموجب قرارات من النيابة والقضاء وهذه المسألة أفادتنا كثيراً. إنشاء العديد من المشاتل الزراعية الجانب الآخر أنشأنا العديد من المشاتل الزراعية، وتزامن هذا الإجراء مع برنامج توعية للناس، ودعوة إلى اقتلاع شجرة القات. والحقيقة كانت استجابة المواطنين أكثر مما كنا نتوقع. ويضيف الحجري: حدث تقصير من جهتنا؛ لأننا لم نستطع توفير كل الشتلات البديلة حيث وعدنا بتوفير شتلات بديلة مجانية، وفعلاً اشترينا كل ما وجدناه من شتلات من مختلف المشاتل في الجمهورية وتبقى لدينا مساحة "19" ألف قصبة لم نستطع أن نغطيها وهي تابعة لمواطنين وافقوا على المشاركة في حملة اقتلاع القات فأجلنا الموضوع إلى هذا العام وأنشأنا الآن والعمل جار في إنشاء عشرين مشتلا وأشركنا الجهات المعنية بالتوعية وهي قائمة بعمل جيد. وفي وديان العدين قمنا بحملة لقلع القات، واستطعنا اقتلاع القات، واعتمدت محمية طبيعية وفي الشهر الماضي صدر قرار من مجلس الوزراء باعتمادها محمية طبيعية، ووفرنا الشتلات كافة. والآن نقوم بعمل الدراسات التفصيلية لتنمية الموارد الطبيعية في هذه المحمية، وهذه الخطوات بالتأكيد كان لها تأثير إيجابي في الواقع. زراعة البن ولدينا الآن في إب ثلاثة وديان "بن" ما زالت كلها وديان "بن"ولم يدخلها القات وهذه الوديان أيضاً نزلنا فيها بمدخلات تشجع وتدعم المزارعين للاستمرار في زراعة البن. وهم متحمسون فعلاً بدأوا في التوسع في زراعة البن واللوزيات وإدخال الزيتون، وخطتنا في هذا العام والأعوام القادمة التنفيذ لمشروع شجر بعدد البشر لتغطي هذه الشتلات بإذن الله حوالي 2.5مليون قصبة خلال الخمس السنوات القادمة حتى نتخلص من آفة القات الذي يهدد الثروة المائية. تهريب المياه ويقول حسين حازب محافظ الجوف: إن هناك ملوحة في بعض آبار المحافظة، وهي تختلف عما هو موجود في صنعاء أو بعض المحافظات الأخرى، ولعل أهم مشكلة في الجوف هي الخوف من أن تتسرب المياه من الجوف، وتهرب إلى خارج الوطن وفعلاً هناك من حاول تهريب المياه من الجوف إلى خارج الوطن. وكما نلاحظ أن الجوف منطقة مائية واعدة.. السكان الحاليون أعدادهم قليلة، ولدينا مشكلة في المناطق الجبلية مثل منطقة برط التي تعتبر المياه فيها قليلة، وتعاني ما تعانيه صنعاء، لكن في الوادي توجد المياه بكميات وافرة. نحتاج إلى إرادة سياسية وحول أهم الوسائل لحل مشكلة المياه في اليمن أضاف محافظ الجوف بقوله: أولاً نحتاج إلى إرادة سياسية، وأن تتحول هذه الدراسات والبرامج والخطط إلى واقع عملي ميداني ينفذ بسلطة القانون فاليمن لديها مشكلة كبيرة في المياه وأجدادنا لم يصنعوا الكرفانات والسدود إلا لأنهم شعروا بمشكلة المياه. ومن المفترض أننا في ظل التكنولوجيا وفي ظل العلم نكون أذكى وأكثر قدرة على إيجاد الحلول، وبالتالي فإن حل مشكلة المياه تتطلب إرادة سياسية وبرامج واهتماما مباشرا من الحكومة، ومن السلطات المحلية، ومن المجتمع المدني. وهذه مسئولية يجب أن يتحملها الجميع. خطة توسع طموحة ويشير المهندس أحمد العشلة وكيل وزارة الزراعة لقطاع الري واستصلاح الأراضي أن لدى الوزارة خطة طموحة للتوسع في إدخال أنظمة نقل المياه من الآبار وإدخال أنظمة الري الحديث في المزارع، حيث إن سنة التغطية على مستوى اليمن بنظم الري الحديث لا يتجاوز "10 %" وهذه الخطة خلال الخمس السنوات ستحقق وفورات مائية كبيرة، وما يركز عليه اليوم أيضاً جانب مهم جداً، وهو الجانب التوعوي من خلال برنامج طموح سيبدأ تنفيذه في هذا العام 2011م، وسيستمر إلى عام 2015م بتمويل من جهات مانحة والحكومة وهو برنامج ترشيد الري الذي سيركز على كيفية ترشيد استخدامات المياه سواءً في قطاع الزراعة أو قطاعات أخرى. مشاريع السدود إضافة إلى أننا سنركز على إنشاء جملة من السدود الكبيرة والقنوات التحويلية، ونحن الآن بصدد القيام في الأيام القليلة القادمة بتسليم موقع سد حسان والقنوات الرئيسية في وادي حسان بمحافظة أبين لمقاول الشركة الصينية، وسينفذ هذا المشروع العملاق والكبير بتكلفة إجمالية حوالي مائة مليون دولار، وهذا السد يساعد كثيراً في تغذية المخزون الجوفي واستصلاح آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، كما يساعد على حل مشاكل الكثير من الأسر العاطلة عن العمل بحكم عدم قدرتهم على استصلاح أراضيهم لعدم وصول المياه إليها، وخلال السنوات الثلاث القادمة سينجز هذا المشروع الذي تمول فيه حكومة أبو ظبي من خلال الصندوق 75 مليون دولار. وخمسة وعشرون مليون دولار تموله الحكومة اليمنية. أضف إلى ذلك هناك مشروع آخر طموح في وادي احور بمحافظة أبين بتكلفة إجمالية تصل إلى (14) مليون دولار بتمويل من البنك الدولي والحكومة، وسيساهم هذا المشروع في تحسين أنظمة الري في وادي أحور، هذا الوادي الخصيب الذي سيعود بالفائدة ليس على محافظة أبين فقط، ولكن على اليمن بشكل عام، كما لدينا مشاريع أخرى قيد الدراسة الآن، منها مشروع سد وادي الخارب الذي سيقوم بتغذية المياه الجوفية والمساعدة في ري الكثير من الأراضي الزراعية في حوض صنعاء وعدم استهلاك هذا الري وستستفيد من المشروع مياه الآبار في حوض صنعاء لتغذية مياه الشرب في العاصمة. الحفاظ على المخزون المائي - المهندس إسماعيل الجند رئيس هيئة المساحة الجيولوجية لخص مشكلة المياه في اليمن بقوله: طبعاً قضية المياه في اليمن قضية استراتيجية وأساسية، ولكن المؤتمر استطاع أن يبرز هذه القضية من جديد وسلط الضوء على آثارها السلبية وخرج بتوصيات جيدة، لكن الأهم هو وضع خطة لتنفيذ التوصيات، وليس أن تكون توصيات موضوعة في الأدراج فهناك مؤتمرات سابقة أقيمت وخرجت بتوصيات جيدة التنفيذ، وأذكر أن هناك دراسة نفذها البنك الدولي في بداية التسعينيات وتوصلت إلى توصية أعتبرها من أهم التوصيات التي وجدت، وأكثرها تشخيصاً للواقع حيث تقول هذه الدراسة "التوصية" إن التزايد السكاني الكبير وتركزه في الهضبة سيؤدي إلى مخاطر كبيرة، منها أولاً استنزاف للأحواض المائية الموجودة . ثانياً - تلويث للمناطق التي في الأسفل ؛ وبالتالي يجب أن يرتبط النشاط السكاني والتواجد السكاني بدراسة متكاملة بوجود موارد اقتصادية من جهة، وموارد مائية قابلة للاستمرارية. ولا تعتبر المياه الجوفية حلا يعتمد عليه، ففي الغالب المياه الجوفية تعتمد عليها الدول كمخزون استراتيجي لأي ظروف طبيعية أو استثنائية تحصل ليتم العودة إلى هذه المياه الجوفية، ونحن نستنزفها وفي ظروف لم تصل إلى حد الطوارىء؛ وبالتالي المؤتمر أشار إلى قضية تعتبر قضية مهمة، ويجب أن تكون القضية ذات الأولوية الأولى في حياتنا. تحلية المياه كبديل مناسب - ويرى المهندس على الصبح - مدير الخطة الوطنية بوزارة المياه والري الأردنية أن البديل للمياه في اليمن هو التحلية لإعطاء الفرصة للطبقات المائية بالرجوع إلى ما كانت عليه، والتي تحتاج إلى سنوات كثيرة. مشكلتنا في الإدارة ويشير الدكتور أحمد بامشموس إلى أن هناك أبحاثا قدمت، وهي كثيرة، وختامها كما اعتدنا أنها توضع في الأدراج؛ نتيجة عدم الاهتمام من قبل الإدارة المتمثلة في الوزارة والمتمثلة في المؤسسات والهيئات التابعة للوزارة، ولاشك بدون اهتمام الجهات المعنية فنحن إذاً نطرح كلاما لا جدوى منه وأضاف: نحن في الهيئة الاستشارية لتنفيذ برنامج الأخ الرئيس نلاحظ أن هناك قصورا كبيرا فيما يتعلق بإدارة الموارد سواء كان فيما يتعلق بإدارة موارد المياه أو إدارة الموارد الأخرى، وندرك جميعاً أن هناك حرصا كبيرا كذلك من الدول المحبة والصديقة لليمن سواءً تمثل هذا الحرص من خلال القروض، أو تقديم المساعدات أو تقديم المنح.. إلخ. إنما هناك قصور كبير في استخدام ما يقدم من قروض، وما يقدم من مساعدات، وما يقدم من هبات؛ لهذا نقول إن العبرة ليست بالتوصيات والدراسات فالعلماء موجودون، ولدينا الكثير منهم وقادرون على وضع التوصيات، لكن لا نريد أن تصب جهود هؤلاء العلماء في الأوراق وتدرج في المكاتب فنحن نستعين بالخبراء، وهناك تطوع من الهيئات الخارجية؛ لكي يساعدوا اليمن، وعندهم علم بالمشكلة التي تواجه اليمن في مسألة المياه، لكن المشكلة عندنا في الإدارة وإدارة تنفيذ ما يقدم لنا من توصيات وما يقدم لليمن من قروض تخصص لإدارة المياه، وتطوير الحلول لقضية المياه، وهناك مبالغ كبيرة لم تستخدم ونفاجأ نحن في الهيئة الاستشارية عندما نجد هناك مبالغ مالية كبيرة كقروض ومساعدات ومنح من عام 89م إلى قبل مؤتمر لندن لم تستخدمها وزارة المياه، فليس الهدف من المسئولين في وزارة المياه أن يستعينوا بخبراء أو أن يتكلموا بما لديهم من خبرات عن المشكلة، لكن من المهم أن نبحث وننفذ كيف نعالج هذه المشكلة. الحاجة إلى قانون تنظيم استخدام المياه وحول مسألة تنظيم استخدامات المياه أضاف الأستاذ الدكتور - أحمد بامشموس قائلاً: من الضروري أن يكون هناك تنظيم وقوانين حاسمة تنظم استخدامات المياه وتنظم مسألة ترشيد استخدامات المياه، والتشريعات مهمة جداً ويصاحب هذه القوانين خلق مصادر للمياه، وهناك دول كثيرة الآن تعاني نفس مشكلة اليمن، وربما أكثر منا في اليمن، لكن استطاعت أن تستخدم ما خصص لهذه المشكلة بشكل صحيح من خلال وضع الحلول، وإيجاد مصادر جديدة وتغذية المخزون المائي وإقامة السدود. تطبيق التوصيات الدكتور أحمد سيف المصعبي - المدير التنفيذي لمركز سبأ للدراسات سألناه عن الرؤية الممكنة..لإدارة وتنمية مصادر المياه في اليمن والحد من الاستنزاف لهذه الثروة فأجاب بالقول: لقد سعينا ومن خلال كافة الأطراف المعنية في الحكومة من أصحاب القرار والوزارات والمؤسسات المعنية والخبراء والأكاديميين وممثلي المنظمات المانحة للتدارس والمناقشة لهذه المشكلة وخرج بتوصيات غاية في الأهمية راعينا أن تكون توصيات قابلة للتطبيق وماهو مفقود هو الإرادة السياسية لتوجيه الجهات التنفيذية ذات العلاقة لتبني وتطبيق مخرجات المؤتمر. والمؤتمر أكد ضرورة استصدار قانون يوقف الحفر العشوائي، ووقف استيراد الحفارات، ومن ثم تقوم الحكومة بشراء الحفارات الموجودة من أجل عملية ضبط الحفر العشوائي للآبار، ولم يترك المؤتمر أي شاردة أو واردة إلا وتعرض لها المعنيون بتنفيذ المعالجات أكثر ارتباطاً بقطاع المياه ويرى الدكتور عبدالكريم سلام - مدير المركز الإعلامي بمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية أن المعنيين الأساسيين بتنفيذ هذه السياسة هم الأكثر ارتباطاً بقطاع المياه سواء على مستوى مكاتب الزراعة أو على مستوى المجالس المحلية أو على مستوى محافظي المحافظات؛ باعتبارهم معنيين ببلورة وتطبيق هذه السياسات، لاسيما ضمن التوصيات الملحة والمطلوبة.. وهي سن قوانين وتشريعات تكون ملزمة لكافة الأطراف بمعنى أنه لا يمكن أن يتحدث المرء عن وجود ضوابط لعملية ترشيد المياه وما إلى ذلك وفي نفس الوقت يمارس العكس؛ لهذا لابد من وضع ضوابط ومعايير يحترمها الجميع، وإذا لم يحترمها الجميع معنى ذلك أنه لا يمكن لنا أن نتحدث عن عملية ترشيد أو عملية استدامة أو عملية محافظة على البيئة في قطاع المياه. ويقول المهندس عوض سالم القنزل - مدير عام المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بمحافظة حضرموت إن مشكلة المياه في اليمن أكبر بكثير مما يطرح، وقال إنها تحتاج إلى قرارات جريئة ؛ لأنه بدون القرارات الجريئة والحاسمة تصبح المشكلة مستمرة دائماً، والحلول آلية ومؤقتة، وبالنسبة لنا في حضرموت قد تكون أقل من حيث أزمات ومشاكل المياه بالنسبة للمحافظات الأخرى؛ لأن المخزون الجوفي في حضرموت مستقر وهناك خزانات جوفية كبيرة وفي الوقت نفسه التجدد والتغذية لهذه الآبار تتم دورياً. أضف إلى ذلك أن مشكلة الحفر العشوائي قد لا تكون موجودة بشكل كبير كما هو الحال في المحافظات الأخرى. أيضاً الناس في حضرموت أكثر قدرة على التنظيم والوعي بالتعامل مع الثروة المائية، وأيضاً السلطات الموجودة في حضرموت والسلطة المحلية هي نوعاً ما حاسمة في هذه القضايا.