حذر خبراء وأكاديميون في مجال الزراعة في اليمن من أزمة متفاقمة جراء الاستنزاف الجائر لمخزون المياه الجوفية، خاصة أن الجزء الأكبر من المياه المستخدمة في الزراعة تذهب للقات الذي يستهلك ما يزيد عن 30 % من المياه. ويشيرون إلى أهمية تدارك الموقف وإيجاد خطط واستراتيجيات عاجلة تحد من أتساع نطاق المشكلة وبما يسهم في الحفاظ على منسوب المياه وتأمين استمراريتها للأجيال القادمة. ويعتبر هؤلاء أن ترشيد استخدام المياه في الزراعة أحد العوامل المساهمة في الحفاظ على المخزون الجوفي ويؤكدون أهمية التقانات الزراعية وأنظمة الري الحديث لتقنين المياه وتوفيرها للزراعة كونها الملاذ الآمن للمستقبل. رئيس الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي الدكتور إسماعيل محرم يوضح أن أتساع مساحة زراعة القات في اليمن خلال السنوات الأخيرة وتركزها على الوديان والقيعان احد عوامل استنزاف المياه الجوفية. لافتا إلى أن التقديرات الإحصائية تشير إلى ان عدد أشجار القات المزروعة في اليمن وصلت إلى قرابة 260 مليون شجرة عام 2007م. ويؤكد ان العائد الاقتصادي الكبير لمبيعات القات وأتساع قنوات التسويق وارتفاع مدخلات الإنتاج للمحاصيل الزراعية الأخرى سبب رئيسي في اتساع مساحات زراعته وتركزها في القيعان . مبيناً أن مساحة الأراضي المزروعة بالقات في اليمن بلغت العام الماضي 136 ألف و138 هكتار مقارنة ب 123 ألف و933 هكتار عام 2005 م , و110 آلاف و293 هكتار عام 2002م. ويقول الدكتور محرم " إن هذا التوسع الهائل في زراعة القات يترتب عليه أضرار وخيمة تتمثل في استنزاف مخزون المياه الجوفية. إلى جانب تقليص الرقعة الزراعية للمحاصيل الأخرى اللازمة للأمن الغذائي، إضافة إلى ظهور الأمراض المستعصية بسبب الأثر المتبقي من المبيدات على أعشاب القات". وفيما يتعلق بالحد من زراعة شجرة القات من اجل الحفاظ على المخزون المائي الجوفي، فان محرم يعتقد ان الأمر لن يتأتى إلا من خلال إيجاد بدائل لهذه الزراعة أو عن طريق التوعية طويلة الأمد، إلى جانب منع الحفر العشوائي للآبار والعمل على تقليص عددها خاصة في حوض صنعاء ومناطق التجمعات السكانية التي تعاني من أزمة مائية. وكانت دراسة علمية حديثة حول حقائق وضع المياه الجوفية في حوض صنعاء حذرت من خطر الحفر العميق والعشوائي للآبار في الحوض وأثره السلبي على استنزاف المخزون المائي. مطالبة بضرورة إيجاد قانون أو تشريع لتحريم أي حفر جديد على حوض صنعاء أو التعمق للآبار الحالية، إلى جانب إنهاء التعامل بمنح تصاريح حفر جديدة. وأعتبرت الدراسة التي أعدها الباحث أحمد عبد الله جحاف أن العدد الهائل من الآبار الإنتاجية في حوض صنعاء التي بلغت 7 ألاف و 963 بئر إنتاجي من إجمالي الآبار المحفورة على الحوض والبالغة 13 ألف و425 بئر حتى عام 2002م حسب تقرير وزارة المياه والبيئة، مؤشراً خطيراً يهدد بنفاذ مخزون المياه الجوفية. حيث أن الاستهلاك السنوي من مياه الحوض تصل إلى 258 مليون متر مكعب مقارنة مع الكمية القليلة المتجدد سنويا في الحوض والتي تقدر ما بين 80 إلى 120 مليون متر مكعب فقط. وبحسب الدراسة فإن الطرق الاصطناعية في عملية تغذية وزيادة المخزون الجوفي للمياه والمتمثلة ببناء السدود والحواجز المائية التي تعد أحد العوامل المساهمة في إيجاد توازن مائي، لا تشكل سوى ( 1 - 2) بالمائة مقارنة بمشاريع حفر آبار جديدة للشرب والزراعة. معتبرة تلك الآبار النزيف الأكبر للأحواض المائية في عموم محافظات الجمهورية. مسؤول برنامج الري التسميدي بمحافظة عمران الدكتور عبدالله مفرح يؤكد ان ارتفاع عدد الآبار بقاع البون بعمران إلى أكثر من 2600 بئر مطلع العام الجاري، مشكلة حقيقية تهدد حوض قاع البون بنفاذ مخزونه المائي. ولفت إلى أن معدل ما يستنفذ من المياه الجوفية في قاع البون يصل إلى77 مليون متر مكعب، فيما لا يتجاوز معدل التعويض لتلك المياه عشرة ملايين متر مكعب. مشدداً على أهمية التوعية بالاستفادة من الطرق الحديثة في الري من أجل الحفاظ على المياه من النفاذ وضمان استمراريتها للحياة . وينصح خبراء الزراعة بأهمية الاستفادة من التقنيات الزراعية الحديثة وأنظمة الري .. معتبرين أن إدخال التقنيات الحيوية الحديثة في الواقع الزراعي بهدف تنمية إنتاج المحاصيل الزراعية وزيادة الإنتاج باتجاه التوسع الرأسي خاصة في ظل الأزمة المائية الخطيرة التي تعيشها البلاد التي معها يصبح التوسع الأفقي في الزراعة، أمراً بالغ الصعوبة ومن أولويات البرامج التطويرية التي يجب على الدولة إدراجها في خططها الزراعية بغية الوصول إلى قدر معقول من الاكتفاء الذاتي للإسهام في تحقيق الأمن الغذائي لليمن. وفيما يتعلق بالحلول والمعالجات أوصت المنظمة العربية للتنمية الزراعية في تقرير لها اليمن بوضع خطة إدارية متكاملة تستهدف استغلال المياه المطرية في تغذية المخزون المائي من خلال إنشاء السدود والحواجز المائية، باعتبار اليمن احد الدول التي تواجه شحة المياه وتزايد درجات الجفاف فيها. وأشارت إلى أهمية إعداد برامج توعوية للمزارعين باستخدام تقنيات الري الحديث بواسطة التقطير أو التنقيط بهدف تقنين المياه وحماية المخزون المائي والحفاظ عليه لضمان استمراريته والاستفادة منه في العملية الزراعية، وكذا في إيجاد غطاء نباتي اخضر يسهم في التقليل من خطر التصحر ومواجهته. وأوصت المنظمة بضرورة إعداد دراسات مائية ومناخية وكذا دراسة أرضية تقوم بالتحليل الكيمائي والفيزيائي للتربة والرمال وأيضا المياه الجوفية وكمية المخزون منها بما يسهم في إمكانية التنبؤ بمؤشرات التصحر والجفاف والبحث عن الحلول والمعالجات قبل تطور الوضع ووصوله إلى مراحل متقدمة وخطيرة.