شعور بالوحدة يداهمه باستمرار، ينتزع الفرحة من أعماقه، يلقيه كراهب حزين في إحدى زوايا غرفته، يمزق كل علاقة صداقة بدأ ينسجها، ويرسم العالم من حوله لوحة حالكة السواد. مراراً كان يحاول الإفلات منه، يفر إلى أشياء كثيرة غير انه في كل مرة ما يلبث أن يجد نفسه ملقى بين أحضان الوحدة والألم. أيقن أن الإفلات من ذلك الشعور أمر جد مستحيل ، فلطالما راوده منذ الطفولة ولطالما فشل في التخلص منه، فجعل يعتاد الأمر، كلما مرت الأيام كانت حدة الألم تقل شيئاً فشيئاً، وفجأة تتغير أحواله ، يأخذ الألم مكاناً أوسع في أعماقه بمجرد إكماله الدراسة، لم تعد الوحدة تسيطر عليه فحسب بل والضياع أيضا، راح الفشل يطارده في كل مكان ولحظة، احتل اليأس فؤاده وعقله، بعثر ماتبقى لديه من آمال وأحلام، افقده صوابه ، وتحولت الحياة أمامه إلى صحراء مظلمة. بكمد يأوي إلى إحدى زوايا غرفته ، يتأمل في حالته ، يتساءل عن مصيره وكيف آلت إليه حياته، ويرتسم الماضي في مخيلته، يتذكر اصطدامه الدائم بأناس سيئين ، يستحضر فشله المستمر في العثور على الحب والأمانة والإخلاص لدى من كانوا يحيطونه ، يدرك انه نشأ في عالم النذالة عنوانهم والحقارة مطيتهم ، كانت الشمس تتأهب للمغيب ، أشاح ببصره نحو النافذة ، أخذ يحدق في أشعتها الصفراء وقد بدأت تكسو الأفق، أحس بأنه والشمس توأمان، شعر باقتراب نهايته ورحيله إلى عالم آخر يغلفه السواد، ظلام كثيف شرع في التهام الأفق ثمة سحب كثيفة راحت تحجب نور القمر وضوء النجوم.. يغمض عينيه ويحلم بالعيش في عالم آخر ليس مخلوق فيه سواه ....