جاءت إلى عالمهم قبل موعدها، سبعة أشهر فقط منذ أن بدأ التكوين . اخذ الجميع يفتشون جسدها بكل اهتمام يبحثون عنه لعلها تكون هو وليس هي. -«أنثى» قالها كبيرهم بتأففٍ رمى بها للقابلة وقد “أسودً وجهه وهو كظيم يتوارى من القوم بسوء ما بشر به”. ظلال طويلة وقصيرة ما تزال غير راضية بوجودها معهم، عاشت على هامش البقاء اللامعقول فاغتيل جسدها وهي ماتزال تحاول التأقلم مع الظلال التي حولها . كان اقرب الظلال منها ذاك الذي اغتالها رغماً عنها.. لم تكن تعرف لماذا اُغتيلت أنوثتها وهي لم تكمل عامها السابع . كانت تفتش عن أنوثتها التي سُلبت منها لأن ذلك الظل اللعين كان يقترب منها أكثر وأكثر.. حاولت أن تخبر أمها ، أباها ، عن نهاية جسدها الصغير ولكن..!! لا أحد يصدقها كيف للظِل القريب منها أن ينهي جسدها بهذه الطريقة. تقوقعت على جسدها وأحست بفجيعة الاغتيال وحدها ، لقد صارت بلا أنوثة تميزها عن بقية النساء إلا من جسدٍ تحمله على مضض. مضت أعوام وهي تحمل أنوثة مغتالة على كتفيها المتعبين، أعدت منها نعشها الأبدي ، دائماً ما تسأل جدتها بألمٍ دفين: -أين تكمن أنوثة المرأة؟! تشير لها بإصبعها : -هنا فتحاول أن تعرف أكثر عمّا سُلب منها: -وإذا راحت هذه الأنوثة يا جدتي ماذا يحدث للمرأة؟! بسرعة تجيبها : -تصيبها اللعنة. تصمت وهي تتكور على جسدها لأنها أنثى كان لابد أن تُدفن في التراب ولكنهم ابقوا عليها ليهتك جسدها أقربهم منها. انتهى كل شئ لاجسد ، لا أنوثة ، والظلال تأخذ شكلاً جديداً في حياتها وتكبر معها . البسوها ما تلبسه الأنثى حين تصبح محط أنظار الظلال الغريبة عنها ،أصبحت النظرات والهمسات عليها ولها لكنها حين لامست القلم وعرفت بصيصاً من النور، كان يضئٍ لها طريقها المظلم حرموها منه وقالوا لها: - اييييه ، أنت أنثى ، والإناث يبقين خلف الظلال؟! الظلال في حياتها أصبحت تقيد كل شيء من جسدها إلا من شيء واحد قد فقدتة ولم تستطع البوح به. جاء ظل آخر في حياتها بعدما عرفت من الظلال التي حولها أنها لايجب إلا أن تكون خلف الظل تسير خلفه ولا تخرج عن دائرته أبداً، تأكل ما يتركه لها، وهنا تقتحمها الهواجس والذاكرة فذات يومٍ لم تكن قد تشربت أفكار ظلالها بعد؛ جلست بينهم وهم ملتفون حول صحن الطعام أرادت أن تمد يدها أوقفوها بغضب ٍوقالوا لها : -ألم تتعلمي القواعد أم أنك تريدين أن تصيري ظلاً؟! هكذا فرضت عليها دروسهم بكل وحشية . جاء ظل آخر، ظل كانت تظنه منقذها من الظلال المحيطة بها, أحست أنها ماتزال أنثى رغم أنها لم تنسَ ذاكرة أنوثتها المنتهية . زُفت إلى ظلها الآخر, كانت تخشى أن يلامس مافقدته, خافت ،فزعت, عادت إليها ذاكرة الظلال دون رحمة, تذكرت يوم راحوا يفتشون جسدها أهي أنثى أم ذكر؟! أرادت أن تكون ذكراً لكي لاتحرم من العيش بين نونها المحروم من التنفس وبين جسد ٍ سلب منها رغماً عنها . (هذا قدري المشئوم منذ مولدي) نطقت بعبارتها بعدما جاءها الظلال كلهم يوارونها التراب. (لقد فقدت شرفها )شيعتها تلك العبارة من إحدى الظلال التي كانت تدفنها بتراب . أحدهم قال بتأفف: -لطخت شرفنا كان لابد أن تدفن منذ ولادتها.