صوت حريري بنكهة تعزية فاجأني بتسارعه الحاد, استنشقه بعض من حولي وهو ينداح من جوف هاتفي النقال على خلفية موسيقى هادئة قطعها إبهام يميني, ألحّ أن أسعى إليه إلى جوار مركز الاتصالات على الشارع حيث الانتظار. استأذنت من حولي بصوت متهدج ونظرات تلحق الأرض وحمرة – من وجهي الرشح – سقطت بانقطاع نظراتهم وابتساماتهم. على رصيف الشارع الذي بدا لي خالياً سباقاً تتنافس فيه قدماي حاملتا جسمي المشتهي لنقطة النهاية, بطرفة عين انتهى انتظارها, توقفت قدماي تدريجياً بخطوات خجلى اقتربت, خلفها تقتربا فتاتان تصغرانها. وبالصوت المتهدج - نفسه – أربكتني بتحيتها وبرودة أصابعها المنزوية ببعضها, ملتصقة بكفي المتلهف للتمرغ بحبرها وبنقوش بديعة صنعت من معصمها مرسما لأمهر عباقرة الإبداع. استلت معصمها من كفي عندما أحست بالفتاتين تزجرانها بنظراتهما التي قرأتها من حافة متنفس ينأى عنه الخمار حول عينيهما.. قاطعت نظراتي إليها بأسألتها المتكررة عن حل لمشكلة صحيفتهم التي لا توزع ومصادر يمكن أن تستقى منها الأخبار وكيفية تسويق إعلاناتها. قاطعت أسألتها بسؤال عن علاقاتها بالفتاتين التي ترافقهما. - إنهن مجرد صديقات. - فلنتحرك.. واثقة تترنح جواري, مواصلة أسألتها التي لم تلاق إجابة, تحتك حوافنا ببعض خلال خطواتنا المهترئة, ترصدنا من الخلف, صديقاتها. أهملني السائق في غفوتي بعد إلحاح الركاب عليه, السيارة تبتلع الطريق وخلفها تبتعد القرية. تقترب مني اقتراب عصفور من شجرة يبحث بين أضلاعها عن مكان لعشه, حملقت إلى رشاقتها, تكورات تبرز, جاذبة أصابعي, عينان لوزيتان, تحاصر عيناي وهي تكاد تبتلعها من الرصيف لولا صديقاتها. أطلقت نفسا عميقا - اهتزت لخروجه ثدياها وجسمي - لفحني بحرارته رغم البرودة وكأن فرن الكدم الذي يبعدنا بأمتار من أطلق أنفاسه. من عينيها المثقلة لمحت شخصا يغتسل بين أحداقها, تواريه رموش معقوفة كعرجون تتدلى منه صفرة حبات تمر سكري... توقفت السيارة جوار محطة البترول, نزل من حولي الركاب لقضاء حاجاتهم, تجاهلت صديقاتها, تغلغلت عبر شذاها, تخطيت أطمارها إلى بشرتها حيث حل شراعي, رائحة ربيعية عبقة تشذو من أذغالها وأحراشها ,مناخ متداخل, فصول لا تدع للشتاء مكانا يقاسمها, أغوص بين حدقاتها التي ترمقني منها, أتمرغ بخلاصة شعرها المعقوص, بالتماس بصير أُهدي إليه شيئا لم يجد من يصفه – التمست ثدييها السمراوين كتفاح ينتظر قطافه... بخجل ,عبرت عنه.. بتشابك أصابعها ..عقدت حاجبيها.. سربت همسة وردية إلى أذني بالموعد القادم. أجتر أنفاسي وأفتش بين قصاصات الأوراق المتناثرة – بين أقدامنا - عن ثمة جزء ناصع يناسب أن يكون لوحة ألصق عليها صورة أنتزعها من جوف أحداقي قبل أن تجف عيناي أو تتوارى منها, لكزتني نظرات صديقاتها وهي تقتطف كلماتها المتناثرة – أمام صمتي الواجم – معلنة إنهاء خطواتنا مخرجة قائمة بأسعار الإعلانات في الصحيفة, وباهتراء, ابتعدت نحو الشارع الترابي منتزعة صورتها قبل أن أجد قصاصة الورق. وعلى صوت محرك السيارة وقهقهة الركاب جوار محطة البترول, نهضت من غفوتي أبحث عن قصاصة ورق مبتلعاً لعابي قبل أن يرشح جسمي عرقاً...