ليل واجم يشاطر امرأة تتدثر عتمة مكلومة وتتمرغ بنواح بين جدران من صفيح مهتدى, يبكي بتردد تيارات رياح جافة تختال صقيع انداح ظهر الصفيح – لينهمر دمعاً – المطل على رتل تصطف أمامه أحياء المدنية في صمت, وهو يسرد تقلبات زمن شهده . - (رحمه الله ) أفضل من أأويت رغم لعنات أتلقاها من زوجته مع اشراقة الصباح وجنبات الليل ... اختتم السرد بسورة الفاتحة و أهداه بعض دعاء. قال حفار القبور في نفسه وابتسامة خجلى ترتسم على شحوب تفاصيل وجهه المنصب عرقاً : يا لها من مدينة بخيلة – وهو يفرك كثة ذقنه بأصابعه – قبرا واحداً في اليوم.. وثمن بخس ..ودفع مؤجل !! صمت مستفحل لجة عتمة.. وثمة لهب يبرز من شمعة يحرق ما حوله من ظلام لتظهر المرأة – وهي تبكي زوجها – تلقى دثار حالك أمام مرآة تستند احد الجدران . جسما عاريا يلتصق بوجه المرآة.. يتراقص بتسلل ثمة رياح إلى لهب الشمعة عبر نخر مقابل . وهو يفرك حكة شهية تنبض من بطن كفه الأيسر, استل حفار القبور جسمه من فراغ عتمة الليل متذكراً المال الذي ستسوقه إليه زوجة المتوفى مقابل القبر . وبابتسامة تندس بين وجهه,همس في نفسه وهو يستلقي الفراش : ميسرة .. ميسرة(1) في نهاية تثاؤب.. صر جفونه ليخلد في سبات . بذبول أعقاب الشمعة الأخيرة يخفت وجه المرآة العاري تدريجيا ليبقى ثمة ظل يزخه طيف لهب خافت في فراغ يشاطر الليل عتمته. بشهية تشتم اذغالها وتعقص شعرها , سطوع شمس حاد يداهمها أمام المرآة وهي تنضد ما يمكن دفعه لحفار القبور ثمنا لقبره . بدموع رقراقة ودثار واجم يغطي اطمارها, خرجت نحو المقبرة بخطوات يذبحها الحزن - كي لا يبقى في ذمة المرحوم شيئاً . سكون مطبق, وهي تقترب بعجل لتلقي إليه دعاءاً كاد أن يسقط من حافة لسانها عند المدخل . شخير يتجاذب أنفاس حفار القبور على فراشه الذي يمنحه لذة في النوم برائحته الجنائزية العبقة , وبشخيره المشابه لصوت منشار الخشب تذكرت ثمن القبر . تخطت الموتى نحو غرفة تنزوي أقصى المدخل , جلست على حافة فراشه في صمت , بصوت مجهش قاطعت شخيره , نهض على أثره , فرك عينيه الغائرتين وغطى أجزاء جسمه قائلا في نفسه ومحملقا إليها وهي تلقي دثارها جانباً : - المرأة التي توفى زوجها جاءت تحمل المال . وهي تقترب قال : شكراً لك.. يالك من امرأة وفية . - اسمع : كم ثمن القبر ؟ - الم أخبركم بالأمس ؟ - نعم ولكن لم يكن الوقت مناسباً للمساومة . - أنا لا أساوم .. وإذا لم يكن حالكم ميسورا فنصف الثمن.. اقتربت متوقفة عن الكلام , رمقته عينيها وهي تكاد ترتمي حضنه . هنيهة.. اختفيا قبل خروجها من المقبرة , تتمتم بالرحمة والمغفرة لزوجها , وبعد الأربعين وعدها قبل اختفائهم أن يحفر لها قبراً جميلا مفصلا تتذكره وصنيعه كلما أحست جوفه بالراحة , شرع بأخذ قياسها لإنجاز القبر الموعود , اختفيا طويلا جوف الفراش, خرجت من خفيتها تترجاه بإبقاء مجالا مناسبا بمقدار جنين جوار قبرها الجميل .