كانت من أجمل بنات المنطقة جمالاً أبدع الخالق في قسمات ملامحها, كان لها لون أبيض مشرب باللون الوردي وشعر كستنائي جميل كانت سحر ابنة السادس عشر ربيعاً تمتلك كل الأحاسيس المرهفة والمشاعر الدافئة لكل من تعرفه إذا ابتسمت ظهر ذلك في عينيها قبل فمها.. عينان كأنهما عيون المهأ, تستطيع أن ترى وجهك فيهما وأسنان كانها الشوائب تخاف أن تقربهما. كانت قرة عين أبيها وأمها, هي الوحيدة لوالديها.. كانت سحر قد أفاضت والديها بمشاعر الأبوة وملأت البيت صخباً وضحكاً وحباً وفي يوم قررت المدرسة أن تقيم رحلة إلى البحر بمناسبة نهاية العام الدراسي, ارتمت سحر في حضن والدها تريد منه الإذن بالذهاب مع أقرانها من الطالبات إلى البحر.. رفض الأب ولكن حبه الكبير لقرة عينيه سحر وافق فهو لا يريد أن يكسرها إذا حزنت سحر اسودت الدنيا في عيون والديها حتى أنهما يذرفان الدموع من أجلها وإذا ابتسمت سحر ظلتا مهللتين من الفرح والسرور.. ذهبت سحر إلى البحر ويا ليتها لم تذهب, عندما رآها البحر حز فيه الفراق دخلت سحر إلى البحر قريبة من الشاطئ تلهو بالماء مع زميلاتها وتقذف بالماء هنا وهناك, كانت صورة رائعة, شعرها المبلل بماء البحر وخصلات منه قد انسابت إلى خديها الورديين فزادتهم أشعة الشمس ورداً على ورد, لم تدر إلا والبحر يناديها: هلمي سحر.. اقتربي اقتربت بلا شعور إلى الداخل فظل يناجيها ويغني لها اقتربي أيتها الجميلة حتى أمسك بها وقبض عليها وهي رافعة يديها إلى زميلاتها كأنها تقول لهم الوداع بإشارة الوداع لا بإشارة الاستغاثة.. هكذا قضى البحر على سحر وهل البحر يمتلك قلباً أو مشاعر أو أحاسيس حتى يقبض على هذه الجميلة الرائعة؟! ماتت فتم إخراجها من البحر بمساعدة بعض الصيادين فوضعوها على الشاطئ وهي ميتة فكانت أجمل صورة لفتاة قتلها البحر, ذهب الجثمان إلى والديها فأتى بعض من عقلاء الناس حتى يصلوا الخبر إلى والديها, لم يصدق الأب والأم بموت سحر حتى تم حمل الجثة إلى داخل البيت ووضعت على السرير اقترب الوالدان من سحر, اقتربت الأم فلامست عيون سحر وشفتيها هل ماتت عيون المهأ هل مات هذا الفم الذي كان يعزف أجمل السمفونيات, كان يقول أبي أمي.. ظلت الأم واجمة حتى وقعت من طولها, ماتت الأم فلم تقدر أن ترى العالم بدون سحر وهي تعلم أنها لن تقدر على ذلك.. تمت مراسيم الجنائز سحر وأمها فكان تشيعاً رهيباً وقصة ملأت المنطقة حزناً ودموعاً وقهراً على سحر وأمها, ظل الأب مع المشيعين وهو مسنود بشابين من أبناء الحارة فهو لم يعد يرى ما حوله تم دفن سحر وأمها بجانب بعض كأنهما لا يريدان أن يفترقا في الحياة والممات.. وفي منتصف الليل من نفس اليوم الذي دفنت سحر وأمها خرج الأب من منزله في عتمة الليل وهو يصيح في الشوارع سحر أين أنتي يا سحر؟ يرتفع صوت الأب حتى أخاف الناس وهو يردد بصوت عالٍ سحر سحر دخل الأب إلى المقبرة في الليل الحالك وهو ينادي بين القبور سحر سحر أنا أبوك حتى وصل إلى قبر سحر وبجانبه قبر زوجته وضع الأب رأسه على قبر سحر وظل يردد لماذا تركتيني يا سحر لماذا؟ وصاح بصوت عالٍ هيا معي يا سحر. ومع بزوغ الفجر رأى القبار الرجل نائماً على قبر ابنته فهو يعرفه وعندما نظر إليه وجد دموعاً تنساب من عيون الأب على قبر سحر فهزه قليلاُ حتى عرف أنه فارق الحياة على قبر ابنته.. دفن الأب بينهم فجمعهما ضريح واحد كتب عليه "هنا تنام سحر بين أحضان والديها ."