من منا لم تمر حياته بلحظات صعبة لأنه فشل في تحقيق شيء هام, من منا لم ينتابه الحزن والأسى, حتى ظهر ذلك على تقاسيم وجهه, من منا لم يتعثر قط في سيره؟. إذا كنت تظن أن درب النجاح سهل فأنت واهم جداً, فلا توجد فرص مجردة من الجهد إلا في الأحلام, ولا يرى الفرص في الأحلام إلا النيام.. وأقول لك: ما دمت قد قررت أن تصنع شيئاً فإن الفشل في تحقيق ما تريد أمر طبيعي في هذا العالم الذي نعيش فيه..وأمام هذا الفشل هناك فريقان: الأول: جعل تلك المحاولة الفاشلة هي آخر محاولة, شاعراً باليأس فتحطمت آماله وصار متكئاً على الأعذار والتبريرات, متخلياً عن أهدافه, مع أنه كان قريباً جداً من النجاح لو تحلّى بالصبر. الثاني: بدأ من جديد, ورمى ما يسمى باليأس والإحباط وراء ظهره, وتعلم من أخطائه, وحاول مرة أخرى متذكراً قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “لو تعلقت همة أحدكم بالثريا لنالها” ومنشداً لقول أمير الشعراء: ولم أر بعد قدرته تعالى من مقدرة ابن آدم إن أراد. وليس الفشل هو الذي يجعل منك فاشلاً, لكن إذا توقفت عن المحاولات ولم تغير من أفكارك وقبلت هذا الفشل تكون فاشلاً, وكما يقال إذا لم تغير ما تفعله دائماً فلن تتغير النتائج التي تحصل عليها دائماً, وانظر إلى الغرب وإلى ما وصلوا إليه من تقدم, ذلك لأنهم لم يجعلوا للفشل بينهم سبيلاً, بل على العكس من ذلك فقد استغلوا الفشل في تحقيق نجاحاتهم واختراعاتهم التي نستفيد منها. واقرأ في قصص الناجحين والمبدعين وفي أي مجال من المجالات, ستجد أمراً غريباً, ويكاد أن يكون لزاماً, وهو أنهم لم يحققوا نجاحاتهم إلا وقد مرّوا بسلسلة طويلة من الفشل. ناجحون استمتعوا بالفشل إن أي شخص مبدع ناجح متفوق متألق مخترع عالم في أي مجال, لم يقف عند المحاولة الأولى, بل أكمل محاولاته ومشواره النضالي أو السياسي أو التجاري أو الإبداعي أو أي أمر كان وصولاً إلى غايته القصوى ومكانته المرموقة, واكتشافه الرائع وهدفه المنشود. فلو استسلم أديسون للفشل لما اخترع لنا المصباح الكهربائي الذي يعتبر ثورة علمية ومن أهم الاختراعات التي غيرت حياة البشرية, لقد حاول قرابة الألفي محاولة وباءت بالفشل ولكنه لم يستسلم حتى نجح اختراعه, ويقول: “أنا لم أفشل أبداً، فقد اخترعت المصباح في النهاية, لقد كانت عملية من ألفي خطوة، ولابد من اجتيازها للوصول إلى ذلك”. وعندما سأله أحد الصحافيين عن شعوره حيال العديد من المحاولات الفاشلة قبل النجاح في اختراع بطارية تخزين بسيطة, أجاب: “لست أفهم لماذا تسميها محاولات فاشلة, أنا أعرف الآن عدة طرق لا يمكنك بها صنع بطارية, ماذا تعرف أنت؟!”. يقول أديسون في ذلك: «إن ما حققته هو ثمرة عمل يشكل الذكاء فيها 1 % منه والمثابرة والجد99 %». وقد سُئل “نابليون”: كيف استطعت أن تمنح الثقة في أفراد جيشك؟! فقال: كنت أرد بثلاث، مَن قال: لا أقدر، قلت له: حاول, ومَن قال: لا أعرف, قلت له: تعلّم، ومَن قال: مستحيل, قلت له: جرب. لماذا نستمتع بالفشل؟! وقد يتساءل القارىء الكريم: كيف يمكن للفشل أن يصبح متعة؟!, والناظر المتفحص للأمور يرى في الفشل متعة ليست أقل قدراً من متعة النجاح, إذ إن الفشل ما هو إلا خطوة في درب النجاح, ومن لا يعرف الفشل لن يتعرف على النجاح, فبإمكانك أن تجعل الفشل سلّماً, ولك أن تجعل منه قمقماً تلجه ولا تستطيع أن تخرج منه. فبعض الناس يمشي بالحياة وفشله يضعه أمامه ليحبطه, والبعض الآخر يمشي بالحياة وتجاربه السابقة يتركها وراءه, يترك هذا الماضي مع مآسيه وإحباطاته ويستفيد من أخطائه وينطلق من جديد, فحدد من أي الفريقين أنت؟!. فالنجاح بحق هو الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد الحماس, وهناك حكمة تقول: “اذهب خلف هدفك مع رغبة جادة وعزم وتصميم, فإما أن تنجح وإما أن تتعلم وتكبر”. وربما تفشل إذا خاطرت, ولكن من الأكيد أنك ستفشل إذا لم تخاطر, وأعظم مخاطرة هي ألا تفعل شيئاً”. ثم ما هو الفشل؟ ما هو إلا عثرة, فهل يستطيع الطفل النهوض والمشي دون أن يسقط لأكثر من مرة, وهل سمعنا أن شخصاً لا يقدر على المشي بسبب أنه حاول المشي يوم كان صغيراً فتعثر فترك المحاولة ورضي بالحبو؟!. لماذا نمتلك هذه الطاقة القوية وهذا العزم والهمة العالية ونحن صغار, ونتخلى عنها عندما نكبر!!؟. ثم لماذا هذا التشاؤم من ذكر الفشل؟ إن “الفشل” غير “الفاشل” فنحن نتقبل الفشل ولا نرضى أن نكون “فاشلين” نفشل فنتخذ من فشلنا جناحاً للنجاح, ولا نوصف بالفاشلين. إذن فمن هو الفاشل؟ وكيف يفكر الفاشل؟ وما الفرق بينه وبين الناجح؟!. إذا فكر كل من الناجح والفاشل في مشكلة ما فإن الناجح يفكر في الحل, والفاشل يفكر في المشكلة, لذا فإن الناجح لا تنضب أفكاره, والفاشل لا تنضب أعذاره,فيبرر لنفسه الخطأ ولا يشغل فكره بطرح الأفكار, مما يبرز المعادلة التالية, وهي: إن الناجح يساعد الآخرين, والفاشل يتوقع المساعدة من الآخرين, والناجح يرى حلاً في كل مشكلة, والفاشل يرى مشكلة في كل حل, والناجح يقول: الحل صعب لكنه ممكن, والفاشل يقول: الحل ممكن ولكنه صعب. الإنجاز بين الناجح والفاشل يعد الناجح الإنجاز التزاماً يلبيه, والفاشل لا يرى في الإنجاز أكثر من وعد يعطيه, والناجح لديه أحلام يحققها, والفاشل لديه أوهام يلاحقها. وبين الألم والأمل رؤية لكل من صاحبينا “الناجح والفاشل” فالناجح يرى في العمل أملاً, والفاشل يرى في العمل ألماً؛ فينظر الناجح إلى المستقبل ويتطلع لما هو ممكن, وينظر الفاشل إلى الماضي ويتطلع لما هو مستحيل. والناجح يناقش بقوة وبلغة لطيفة, والفاشل يناقش بضعف وبلغة فظة, وأكثر ما يميز الناجح عن الفاشل هو أن الناجح يصنع الأحداث ويحركها والفاشل تصنعه الأحداث, الناجح مبتكر مبدع متحمس تعرفه من لمعان عينيه, له كرسي لا يجلس عليه لأنه دائماً مشغول بعمل ما أو بفكر ما, يرى كل الأبعاد ويُخضع كل الظروف لأهدافه. أما الفاشل مقلد فقط وينتظر أن يكون رد فعل, لو ترك لوحده لاختار الراحة, وعندما تقول له الماء يتسرب من سطح بيتك, لماذا لا تصلح السقف؟!. سيرد عليك: وكيف أصلحه والمطر ينهمر؟!. فإذا قلت له: طيب أصلحه عندما يتوقف المطر, سيقول لك: عندما يتوقف المطر لن أكون بحاجة إلى إصلاحه. دعوة فهذه دعوة لنا جميعاً لأن نستمتع بالفشل ونقول: «أهلاً بالفشل إن كان سيتركنا نتحرك لنحقق ما نريد» فلنجعل منه سلّماً لتحقيق نجاحاتنا المستمرة, ففي عقولنا طاقات كبيرة غير مستغلة, وفي عضلاتنا طاقات كبيرة غير مستغلة وبإمكاننا فعلاً تحقيق قفزات نوعية إذا صححنا عقائدنا وأخلصنا لأنفسنا ولعملنا ولوطننا, فلماذا نختار أن نعيش على الهامش, لماذا لا نجعل لنا أهدافاً طموحة؟!. إن بإمكاننا أن نحقق الكثير والكثير والعائق الرئيسي هو نحن بكسلنا وتشاؤمنا وأعذارنا التي لا تنتهي.