يرتدي وطنه ويخرج من النافذة التي تشبه الباب، كان طويلاً في عالم يولد فيه الناس قصار..! “الشمس دافئة هذا الصباح“.. يحدث نفسه فتباغته يد إلى وجهه تطلب ما يسد رمق صاحبها، وأخرى تشد على ساقيه من الخلف ترجو شفقة.. لم يفعل شيئاً.. فقد كان مشدوهاً بما ارتداه اليوم.. وضع على عينيه نظارة تخفيه من أولئك الصبية الذين يتعاركون في جمع العلب الفارغة ومضى واضعاً سبابته وإبهامه على فتحتي أنفه.. وتمنى لو أن العالم يخترع شيئاً يغير رائحة الحي الذي يكتظ بالجثث المتحركة. استقلّ باصاً، فبدا وكأنه يجر الباص من بابه لاكتضاضه بالناس الذين تسمرت أعينهم عليه.. يبتسم... يهمهم لنفسه منتشياً: “لابد وأنه لا مثيل لما أرتديه اليوم”.. لم يكن يعرف أن سعادته هذه لن تدوم.. فما إن وصل إلى مقر عمله حتى تفاجأ بزملائه تارة يحوقلون وتارة يضحكون عليه؟! ينعتهم بالسخف والجنون وهو يتوجه إلى مكتب المدير يريد إجازة لهذا اليوم الفريد، ولكنه طرد بإجازة مفتوحة لا عودة فيها.. عاد إلى بيته المسقوف ببكاء المطر.. ثم ترجل على سريره وهو يتنغم بألحان تذكره بقريته وزوجته وأولاده.. دمعت عيناه.. ثم أطلق ضحكة مدوية.. وهو يتحسس ما ظن أنه ارتداه، فقفز إلى ناحية المرآة لا تكاد تبين منه سوى جسده العاري..! اندهش... بكى... ثم عاودته نوبة الضحك وهو يتمتم: ما أجملني اليوم بوطني.. ما أجملني اليوم بوطني..! فائزة بجائزة رئيس الجمهورية للعام 2010 - 2011