لهذا السبب؟ .. شرطة المرور تستثني "الخوذ" من مخالفات الدراجات النارية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة نذير محمد مناع    منع سيارات القات من دخول المكلا والخسائر بالمليارات    مناقشة قضايا حقوق الطفولة باليمن    قوة مصر.. أمرٌ حتمي    تنفيذ حملة ميدانية لضبط الأسعار في أسواق المهرة    الرئيس الزُبيدي يقود معركة إنقاذ الاقتصاد وتحسين قيمة العملة    عشرات الحقوقيين المغاربة يضربون عن الطعام احتجاجاً على التجويع الصهيوني لغزة    تكريمًا لتضحياته.. الرئيس الزُبيدي يزيح الستار عن النصب التذكاري للشهيد القائد منير "أبو اليمامة" بالعاصمة عدن    مليشيا الحوثي تواصل حملة اختطافاتها للتربويين في إب    رئيس الوزراء من وزارة الصناعة بعدن: لن نترك المواطن وحيداً وسنواجه جشع التجار بكل حزم    لاعب المنتخب اليمني حمزة الريمي ينضم لنادي القوة الجوية العراقي    اجتماع بالحديدة يناقش آليات دعم ورش النجارة وتشجيع المنتج المحلي    هيئة مكافحة الفساد تتسلم اقرار نائب وزير التربية والتعليم والبحث العلمي    عدن.. تحسن جديد لقيمة الريال اليمني مقابل العملات الاجنبية    "القسام" تدك تحشيدات العدو الصهيوني جنوب خان يونس    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    الاتحاد الدولي للمواي تاي يفرض عقوبة على "إسرائيل" بعد إعدامها لاعب فلسطيني    خبير في الطقس: موجة أمطار قادمة من الشرق نحو غرب اليمن    أمواج البحر تجرف سبعة شبان أثناء السباحة في عدن    استشهاد 22 فلسطيني برصاص وقصف الاحتلال أنحاء متفرقة من قطاع غز    سون يعلن الرحيل عن توتنهام    وفاة وإصابة 470 مواطنا جراء حوادث سير متفرقة خلال يوليو المنصرم    تسجيل هزات أرضية من البحر الأحمر    محمد العولقي... النبيل الأخير في زمن السقوط    أمن العاصمة عدن: جاهزون لدعم جهود ضبط الأسعار    ماريت تفاجئ مولي.. وكيت تنتزع ذهبية 200    طفل هندي في الثانية من عمره يعض كوبرا حتى الموت ... ويُبصر العالم بحالة نادرة    بتهمة الاغتصاب.. حكيمي أمام المحكمة الجنائية    لابورتا: برشلونة منفتح على «دورية أمريكا»    وفاة امرأة وأضرار مادية جراء انهيارات صخرية بذمار    الجنوب هو الحل    بيان حلف قبائل حضرموت.. تهديد جديد مستفز صادر من حبريش    الخلفية السياسية في التحسن القياسي لسعر الريال اليمني بالمناطق المحررة.    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    هل سيحكم جنوبي في صنعاء    تقرير حكومي يكشف عن فساد وتجاوزات مدير التعليم الفني بتعز "الحوبان"    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    وعاد الجوع… وعاد الزمان… وضاع الوطن    مأرب.. مسؤول أمني رفيع يختطف تاجراً يمنياً ويخفيه في زنزانة لسنوات بعد نزاع على أموال مشبوهة    ذمار.. سيول جارفة تؤدي لانهيارات صخرية ووفاة امرأة وإصابة آخرين    لاعب السيتي الشاب مصمّم على اختيار روما    أولمو: برشلونة عزز صفوفه بشكل أفضل من ريال مدريد    تعز .. الحصبة تفتك بالاطفال والاصابات تتجاوز 1400 حالة خلال سبعة أشهر    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    لمن لايعرف ملابسات اغتيال الفنان علي السمه    الأمور مش طيبة    وداعاً زياد الرحباني    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    اكتشاف فصيلة دم جديدة وغير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    تحذير طبي: وضع الثلج على الرقبة في الحر قد يكون قاتلاً    7 علامات تدل على نقص معدن مهم في الجسم.. تعرف عليها    تسجيل صهاريج عدن في قائمة التراث العربي    العلامة مفتاح يؤكد أهمية أن يكون الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام أكبر من الأعوام السابقة    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عند قبر نزار قباني .. ذرفت الحنين
نشر في شهارة نت يوم 07 - 06 - 2010


نزار
شهوة الجرح لآه يلوذ بها
وشهوة الحرية لصهيل يرتقي سلّم الشمس
وشهوة حبري لفضح الجرح
وهو يعانق الوجوه خلف العباءات البيض ..
كان لزاما على حروفي ان تحبو اليك..
ان تقتفي أثر الياسمين العالق في
(مئذنة الشحم) ..
أن اطرق باب صمتك بيدين
ترتعشان لهفة لعناق هواء
تنفسته ذات شعر ..
لأعانق بأصابعي قرميد بيتكم
وبقايا خضرة( ام المعتز) في باحة عطركم
لكن الدار كانت صماء
فلم تسمع نداء الشوق وهو يطرق اصابعي
ولم تلتمع على جدرانه دموع اللهفة
وهي تبحث عن ملاذ له ضحكة عينيك
كانت المرايا مطفأة
والقرميد يعلوه غبار العابرين
كان الموت يرمي بصمته على مزلاج انتظاري
لم يفتح الباب احد
فقد اعلن الباب احتجاجه
واعلن المساء رحيلة بلا نجوم
غير ان مقبرة (باب الصغير)
كانت تشهد في ذلك المساء
صخبا ..
تجمع حوله الموتى زحفا
فوق موتهم
لينصتوا بشغف
لخضرة عينيك وهي تتلو
قصيدتك الجديدة
تلك التي لم تطالها الفؤوس والبنادق
فقد كانت قامة قبرك اطول من اعناقهم
وناصية قصائدك
تجانب النجوم
وموتك الفارِه
تحفه الزرقة
بموكب شعري مهيب
لأنك نزار
الشاعر الذي منحني صداقته قبل ان يمنحي شعره
وأمسك بيدي وعلمني أن الحبر نافذة الحرية والكرامة والإنسانية التي وعيت على استلابها بمسميات شتى ..
لأنك نزار ..
الذي أمسك بمنديل حنانه وراح يمسح عن وجهي تلك الدموع المملّحة بعلامات الإستفهام ..و يغسل الخوف عن جبهة قلبي ويجلسني على حجره ويعلمني أبجدية الشمس نكاية بالظلام الذي أقنعوني إنه قدر وإن مخالفته ستجلب لي اللعنات ..
وكنت سعيدة بتلك اللعنة التي اصبحت قدري منذ دخولي مملكتك ..
هل يكفي أن ازورك لأقول لك هذا الجميل والعرفان ؟
أعرف إني جئت متاخرة .. وهذا قدر الفرح الذي يأتي متأخرا والعناق الذي يأتي بعد ان يلوي أعناقنا انتظارا .. لأنه اتى متأخرا عن العمر بعمر لكنه. . . يبقى عناقا ..
وفرحا أكيدا ..كفرحي الذي يدب في صدري وانا اسعى اليك رغم وعورة الدرب ..
كنت اؤمن ان مجيئي اليك سيكون محفوفا بملائكة الرب الذي رسم لي خطواتي نحوك وقادني كما يقود طفلة الى صفها الأول ..
وكنت الصف الاول الذي ارتبكت خطواتي إليه شوقا واندهاشا .
لطالما كنت اؤمن بالأشياء القدرية التي تقودنا إلى حتفنا وسعاداتنا وتعاستنا أيضا
لذا فلم يكن من قبيل المصادفة أن يصدر كتابي من القاهرة ليتصل بي الناشر إسلام شمس الدين في دمشق ليعطيني عنوان القاصة ميس عباس التي تزامن صدور مجموعتها القصصية مع مجموعتي ..
كانت فرصة جميلة أن أتعرف على ميس التي كانت تسكن في طرطوس وليس دمشق مما صعب علي لقاءها للحصول على بعض نسخ الكتاب .. مع ذلك قررت أن اسألها فيما اذا كانت تعرف الطريق الى بيت نزار قباني !
وكانت دهشتي وأنا أسمع جوابها وهي تعطيني رقم أحد الأصدقاء الذين يسكنون في مئذنة الشحم وهو رجل (ختيار) على حد قولها ويعرف كل شيء عن منزل نزار لأنه يقع بالقرب من محلّه !
يال الدهشة .. صاح القلب !
جهّزت كاميرا القلب ورحت أغيب في زحمة الشوارع الدمشقية الضاجة بالعراقة والقدم ..
كان قلبي يخفق وشعرت إني ذاهبة لموعد عشقي ..!
هذا ما أكدته لي رجفة اصابعي وهي تمسك بالقلم والدفتر الذي أردت أن ادوّن به كل شيء عن لقائي بك .. فالعاشقة تصاب بنوبة نسيان وغباء مدهش وأتصور من هذا المنطق غنت شادية في زمن الأبيض والأسود ( ييجى ابويا يطلب فنجان قهوة اعمله شاي وأديه لأمي !! )
لذا كان علي أن اتغلب على هذا النسيان بذاكرة من حبر وبياض .
كانت السيارة تجتاز الزحام في طريقي نحو (مئذنة الشحم) التي أصبحت صرحا ثقافيا أثّثه انتمائك لأحد أحيائها وصرحا سياسيا تعبويا فقد كانت تشكّل في عهد الإنتداب الفرنسي مركزا للمقاومة حيث تعقد في احيائها الفقيرة الإجتماعات السرية وتلقى في بيوتها الصغيرة الخطب الثورية التعبوية.. وأدرك اللحظة أن ذلك لم يكن بمحظ الصدفة ! أن تكون مئذنة الشحم مركزا ثوريا وفي الوقت ذاته مركزا شعريا إنطلقت منه شرارة القصيدة النزارية التي أتت على تبن الكلام وأشعلت النار في ثياب المتثاقفين وأنصاف الشعراء !
قهوتك التي داهمتني في سوق مدحت باشا
في قلب دمشق تماما
وعند مدخل سوق (مدحت باشا ) تحديدا..
توقفت السيارة وأعلن السائق أن علي المشي واجتياز السوق المسقوف لكي أصل إلى مئذنة الشحم .. حيث تنتظرني خضرة عينيك !
كان ذلك مبعث بهجة أخرى ..
أن أطأ بأقدامي شارعا كنت تسير عليه ذات يوم ..
أن اجول بنظري تلك الدكاكين الصغيرة وهي تبيع القهوة لأتسائل كم قصيدة كتبت تحت تأثير هذه القهوة المسكرة ؟
ومن أي محل ترى كنت تبتاعها؟
صوتك يدوي وأنت تردد في أسماع قلبي :
أنا الدمَشْقِيُّ .. لَوْ شَرَّحْتُمُ جَسَدِي
لَسَالَ مِنْهُ عَنَاقِيدٌ.. وَتُفَّاحُ
وَلَوْ فَتَحْتُمْ شَرَايينِي بِمِدْيَتِكُمْ
سَمِعْتُمُ فِي دَمِي أَصْوَاتَ مَنْ رَاحُوا
زِرَاعَةُ القَلْبِ تَشْفِي بَعْضَ مَنْ عَشِقُوا
وَمَا لِقَلْبِي إذا أحْبَبْتُ جَرَّاحُ
مَآذِنُ الشَّامِ تَبْكِي إِذْ تُعَانِقُنِي
وَ لِلمَآذِنِ .. كَالأشْجَارِ.. أَرْوَاحُ
لليَاسَمِينِ حُقُوقٌ في مَنَازِلِنَا...
وَقِطَّةُ البَيْتِ تَغْفُو حَيْثُ تَرْتَاحُ
طَاحُونَةُ البُنِّ جزْءٌ مِنْ طُفُولَتِنا
فَكَيْفَ أَنْسَى ؟ وَعِطْرُ الهَيْلِ فَوَّاحُ
كنت أتجول وفي قلبي رغبة لأسأل كل بائع وكل عابر عنك ..
فيما إذا كانت له صلة بك ..
أو كان قد التقاك مرة .. أو شتمك مرات ..
في هذا السوق .. كانت تتجلى دمشق العريقة كما لاتتجلى في أي مكان اخر ..
كان السوق موازيا لسوق الحميدية الشهير ألذي يقصده السائحون من كل مكان ..
لكن سوق مدحت باشا كان يختلف بمحتواه ورائحة التأريخ التي تفوح من محاله القديمة التي تبيع كل شيء يذكّرك بتأريخ دمشق .. وبالتالي يذكرني بك ..!
كان هذا السوق مدخلا لعالمك .. كإنني دخلت ثقبا في الزمن أخذني الى زمنك الذي احببته بخيره وشره ..
السجاد الدمشقي والأقمشة الفاخرة على الجوانب تقابلها الأعشاب ورائحة القهوة ..
تلك القهوة التي بقيت عالقة في ذاكرتي وأنا أقتفيك ..
فالذاكرة عطر .. والعطر ذاكرة لايطالها النسيان .. فكم من وردة ذبلت وبقي عطرها يمارس احتلالا غامضا لذاكرتنا ..!
وكم من حكاية انتهت لكن عطرها ظل يداهمنا وينكأ جرحنا !
عاشقة تائهة تبحث عن خطاك كنت أنا .. في حضرة غيابك المتفاقم حضورا ضوئيا يقتفيه قلبي في كل خطوة ..
لكن أقدامي كانت تستعجلني للدخول إلى حي مئذنة الشحم لأبحث عن السيد حسام جبارة الذي دلتني عليه معجزة بيضاء إسمها ميس !
وحسب الوصف الذي أعطاني إياه السيد حسام جبارة وجدتني في مدخل حي مئذنة الشحم !
كان ذلك بحد ذاته كفيلا بأن يجعل قلبي ينبض بسرعة ألف حصان مجنون !
فقد اقترب الموعد ..!
وكل حجر يرسم خطواتك أمامي ..
هنا .. كنت تسير ذات قصيدة ..
وهنا كنت تقتفي أثر امرأة احببتها كما أقتفيك اللحظة ..
وعند هذه الشرفة انتظرتك إحدى المعجبات لترمي الورد لأناقة خطوك ..
هذه الحواري الضيقة .. الكالحة .. المعتّقة بالعراقة كانت تبدو لي أجمل من البنايات الفارهة العارية الظلال والتأريخ .. مباني بلا ماض ولامستقبل ..بلا ظلال أو معنى ..
مجرد أحجار ملونة لاروح فيها ..
عند ناصية كل شارع كنت أرى وجهك يرافقني ..
يأخذ بيدي وأنت تقول لي لماذا اتعبت نفسك وجئت من العراق لتريني ؟ قطعتي هذه المسافة الغير معقولة من السيطرات الحدودية والإنتظار المهين على نقاط التفتيش لتتبعي ظلي وظل القصيدة !
وكنتَ بذلك اللوم المحب تستعجل خطواتي التي لم يتبق أمامها إلا أمتار قليلة تفصلها عنك .. عن جنوني الذي بدأ حي (مئذنة الشحم ) يضيق به ويشفق عليه !
من أرض بلقيِِِِِِِِِِِِس الراوي إلى مئذنة الشحم
( لا بد من العودة مرةً أخرى إلى الحديث عن دار (مئذنة الشحم) لأنها المفتاح إلى شعري, و المدخل الصحيح إليه.
و بغير الحديث عن هذه الدار تبقى الصورة غير مكتملة, و منتزعة من إطارها.
هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة...)
من أرض بلقيس الراوي ..
بلقيس العراقية التي أنجبتها بغداد وابتلعتها حرب القبائل ..
جاء الحنين يسعى إليك ..
ولأنها كانت خاتمة نساءك التي جعلتك ناسكا في محراب عشقها وناقوسا يدق الحزن كل ليلة تسجل في سجل السماء غيابها .. كنت أعرف إنك ستنتظرني عند ناصية بيتكم .. لتأخذ بيدي وتمسح عن جبيني غبار المسافات .. فلنا بك صلة شعر وحب ودم ..
دم الحياة والموت الذي كتبك في اقسى قصيدة ماتزال حتى هذا اليوم تضرب بقيعان قلوبنا لتتفجر الروح آبارا من دمع سخي :
بلقيس...
كانت اجمل الملكات في تأريخ بابل
بلقيس
كانت أطول النخلات في أرض العراق
كانت إذا تمشي ..
ترافقها طواويس
وتتبعها أيانل
بلقيس ياوجعي
وياوجع القصيده حين تلمسها الأنامل
ياهل ترى
من بعد شعرك هل سترتفع السنابل ؟
يانينوى الخضراء
ياغجريتي الشقراء
يا امواج دجلة
تلبس في الربيع بساقها
أحلى الخلاخل
قتلوك يا بلقيس
أية أمة عربية
تلك التي
تغتال اصوات البلابل ؟
أين السموأل ؟
والمهلهل ؟
والغطاريف الاوائل ؟
فقبائل اكلت قبائل
وثعالب قتلت ثعالب
وعناكب قتلت عناكب
قسما بعينيك اللتين اليهما
تأوي ملايين الكواكب
سأقول ،ياقمري ،عن العرب العجائب
فهل البطولة كذبة عربية ؟
أم مثلنا التاريخ كاذب ؟
بلقيس
لا تتغيبي عني
فإن الشمس بعدك
لاتضيئ على السواحل
سأقول في التحقيق :
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول
وأقول :
إن حكاية الإشعاع ، أسخف نكتة قيلت
فنحن قبيلة بين القبائل
هذا هو التاريخ يا بلقيس
كيف يفرق الإنسان
ما بين الحدائق والمزابل
بلقيس
أيتها الشهيدة والقصيدة
والمعطرة النقية
سبأ تفتش عن ملكتها
فردي للجماهير التحية
يا أعظم الملكات
يا امرأة تجسد كل أمجاد العصور السومرية
بلقيس ياعصفورتي الأحلى
ويا ايقونتي الاغلى
ويادمعا تناثر فوق خد المجدليه
اترى ظلمتك اذ نقلتك
ذات يوم من ضفاف الأعظمية
حكاية حب ورحيل تعّرش كل عام فوق أصابعي لأملأ الأفق بحزن كثيف ..
مثل هذه الجراح تظل طفلة في رحم الذاكرة ولاتبلغ سن الرشد كما قالت عنها قريبتك غادة السمان التي شهدت هذا الزلزال معك وفشلت في ترميمه.. هي التي كانت ترمم كل جرح بالكلمات وتبتكر عند كل خيبة صفحة بيضاء لتبدأ من جديد ..
إتصلت بالسيد حسام لأعرف إن كنت أسير في الإتجاه الصحيح فأكد لي إنه لايبعد عني سوى خطوات وسيعرفني حتما رغم إنه لم يشاهدني قبلا ..
لم أشك لحظة في إنه سيفشل في التعرف علي فالعاشقة يفضحها نبضها وصوتها وكان يكفيه أن يسمع لهفتي في السؤال عنك .. ليعرفني ويميزني بين عشرات النساء ..
كان الشارع ضيقا و لايكاد يتسع لمرور سيارة واحدة حتى ان احدى السيارت التي عبرت خلاله إضطرتني الى الالتصاق بالحائط وسحب نفس عميق لكي لا ألتصق بها ..
لم يطول مسيري حتى جائني السيد حسام الذي عرفته من ابتسامته التي سبقت خطاه نحوي
وقد منحني إهتماما حقيقيا وقدّم لي مساعدة كبيرة يسّرت لي الكثير وسهلت علي أمر لقائي بك ..
ولا أنسى الشاعر الصديق الباهر عمر الجفال الذي لم يدخر وسعا في مساعدتي والبحث في صفحات الانترنت عن كل مايخص هذا المشوار الممتد من العراق حتى قلب العاصمة دمشق .. حتى قلبك ..!
سرنا باتجاه بيتك الذي قال لي إنه لايبعد عنا سوى أمتار قليلة ..
صاح القلب بدهشته التي لم يسمعها أحد سواك :
سأطبع على كل حجر تذكار محبتي .. وأهمس لكل زهرة ياسمين في قارورة العطر التي تدعى بيتكم إني جئتك من وطن بلقيس الراوي أحمل لك وردة وأغنية لم يبتلعها النواح بعد ..
ذلك الطوفان الذي لم تشهده وهو يقتلعنا من الجذور ويزرعنا على بوابات العالم لاجئين لبقايا أرض بعد أن سرقوا منا البلاد وصادرونا بلاهويات ..
كان السيد حسام يسير معي ويخبرني كيف إنه حاول اقناع صاحب المنزل بأن أدخل والتقط بعض الصور لكنه رفض وبشده !
كان منزلك وحديقة عطرك قد بيع لإحدى العائلات الدمشقية العريقة وتدعى عائلة آل نظام بدلا من أن يتحول بيتك إلى متحف أو مزار للعشاق أو ضريح على جسد قصيدة تشاركني حتى هذه اللحظة اليتم برحيلك .
لاتحزن ..
فروحي لن يوقفها جدار .. كقدمي التي لم تستوقفها السيطرات الحدودية وشوارع الإنتظار..
يكفيني أن أقف عند باب بيتك ..
وألمس قرميده .. لتتسلل روحي إلى حديقتكم التي ظلت تطاردك بالحنين حتى وأنت تتوسد جنان الأرض ..
فجأة توقف السيد حسام أمام أحد المنازل وقال لي :
- أنتِ الآن أمام منزل نزار قباني !
بيتك .. قارورة العطر والشعر ..
في الزقاق الضيق الذي تجمّع فيه الصبية للّعب ..
كان بيتك يطل بصمته وقرميده القديم وبابه الخشبي الأبيض الصغير ..
بأصابع مرتبكة تلمست جدرانه ..
بياض بابه الذي حملني إليك ورأيتك تخرج منه طفلا بشعر اشقر ..
و شابّا ببشرة دمشقية وبياض سادر ..
ورأيتك شيخا يمنح طريقته في العشق وثوريا يقسم رغيف الحرية بين الكادحين ..
في رهبة حضورك وقفت وأنا استشعرك عند كل حجر ... كل ورقة سقطت من حديقتكم التي لم يمنحني ساكن البيت فرصة للقاءها ..
طرقت الباب بلهفة اطفأها الإنتظار ..
لم يفتح الباب أحد ..
وكان يكفيني أن أقف بباب بيتك .. قارورة العطر التي كتبتك قصيدة في حديقتها ..
وكان عزائي ان منزلك لم يكن محطتي الأخيرة في رحلتي اليك ..
كان علي أن أواصل سيري اليك في مملكة البياض والصمت الذي تشظى في حضرة القصائد ..
أكد السيد حسام ان كل محاولاته مع صاحب الدار قد أخفقت .. وعزّاني بأن المقبرة التي احتظنت جسدك وأعادتك إلى رحمها ليست بعيدة كثيرا عنا ..
كان علي أن اكمل رحلتي إليك ..
تلك المواجهة التي كنت أخشاها أمام جسدك المزروع شجرة دمشقية في قلب الأرض ..
ونحو مقبرة ( باب الصغير ) سارت بي خطاي مودعة حسام جبارة الذي قام بواجب الضيافة والمحبة إكراما لحضورك الموغل في ذاكرة التأريخ .
ومضيت نحوك من جديد .. بلهفة وصلت ذروتها وأنا اسابق الخطى قبل أن يدركني المغيب .
إلى مملكة العاشق الدمشقي ..إلى مقبرة (باب الصغير )
أكرّرُ للمرّة الالف أني أحبك..
كيف تريدينني أن أفسِّر ما لا يفسر؟
وكيف تريدينني أن أقيس مساحة حزني؟
وحزني كالطفل.. يزداد في كلِّ يوم جمالاً ويكبر..
دعيني أقول بكل اللغات التي تعرفين ولا تعرفين..
أحبُّك أنتِ..
دعيني أفتشُ عن مفرداتٍ..
تكون بحجم حنيني إليك..
وعن كلماتٍ.. تغطي مساحة نهديكِ..
بالماء، والعشب، والياسمين
دعيني أفكر عنك..
وأشتاق عنكِ..
وأبكي، وأضحك عنكِ..
وألغي المسافة بين الخيال وبين اليقين..
* * *
دعيني أنادي عليكِ، بكلِّ حروف النداءِ..
لعلي إذا ما تغرغرت باسمكِ، من شفتي تولدين
دعيني أؤسّسُ دول عشق ٍ..
تكونين أنتِ المليكة فيها..
وأصبحُ فيها أنا أعظم العاشقين..
دعيني أقود انقلاباً..
يوطّدُ سلطة عينيك بين الشعوب،
دعيني.. أغيّرُ بالحبِّ وجه الحضارةِ..
أنتِ الحضارةُ.. أنتِ التراث الذي يتشكلُ في باطن الأرض
منذ ألوف السنين..
ومضيت نحوك من جديد ..
أسأل الرائح والقادم والباعة عن مقبرة باب الصغير ..
واستدركت في غمرة ركضي اليك إني لم أجلب لك وردا .. ولاتذكارا !
فبدأت ابحث في المحال المترامية على جانبي الطريق عمن يبيع الزهور ...
وللمرة الأولى في رحلتي غليك لم يحالفني الحظ في إيجاد محل يبيعني زهرة واحدة اندي بها روحك الخضراء ..
لم يكن ثمة ورد طبيعي ولاحتى صناعي ..
فذهبت إليك بيدين عاريتين من الورد ..
بأمل أن أجد من يبيعه في مملكتك ..
أيها الدمشقي الذي استدرجتني ثورته وقصائده إلى المقبرة
عند لافتة حملت عنوان (مقبرة باب الصغير ) وقفت
كان المدخل إليك مشرعا بوجهي ..
بوابة المقبرة تفتح ذراعيها في كل وقت .. فهو يفتح لنا ذراعيه دوما ولايرد أحدا ..
وفي المقبرة سألت أحد الفلاحين عن قبرك ..
فقال لي إنك في المقبرة الأخرى في الجانب الآخر !
وعرض علي ان يوصلني إليك لأني سأتوه في زحمة القبور قبل أن اصل اليك وكان المساء قد افرد جناحيه ..
إتجهت أنا وفادي فلاح المقبرة إلى الجهة الأخرى من المقبرة ..
وكانت مكتظة بالزوار والسواح فقد كان هنالك مرقد السيدة زينب الذي اجتذب العشرات من السياح العرب والأجانب ..
طلبت من فادي ان يساعدني في إيجاد ولو زهرة واحدة أضعها قبلة محبة على قبرك ..
لكنه للأسف لم يفلح في إيجاد زهرة أو بقاياها بين القبور !
واصلنا المسير بين القبور التي بدت أمامي كحمائم بيضاء تغطي سطح الأرض الداكن بسكينتها وهي ترقب خطى العابرين ..
أشار لي فادي إن قبرك مسوّر ضمن قطعة أرض بإسم ( آل توفيق القباني) وإنه لايمكنه أن يجلب لي مفاتيح المدفن إلا بعد الحصول على موافقات ووو!
كنت اسمع صوتك الذي صاح احتجاجا بوجه الأسوار التي وضعوها لك .. أنت الذي قضيت حياتك تنادي بالحرية والشمس ..
عند أسوار المدفن وقفت ..
حط القلب فوق بياض قبرك ورحت انشد ترانيم الفجيعة فوقه كالأمهات المفجوعات .. لكني لم أكن مفجوعة برحيلك ...
بل كنت أقول لك معاندة ذلك الوجع الذي ينغرس في قلبي وأنا أهمس لك بنشيجي : نم يا نزا ر في حظن بلقيس الرواي من جديد ..
إرجع الى حظن أمك التي ترقد بجانبك ..
أسدل ستائر الفجيعة على المشهد الأخير وعانق إبنك توفيق الذي زرع في حدائق عمرك اولى الغصات والنكبات ..
أغلق نوافذ إنصاتك عن عالمنا العربي الذي اوحل في الهزيمة وهو يدون في تأريخه الهزائم نكسة تلو أخرى ..
وهاهي هدباء تلتحق بك أخيرا لتكمل لك حكاية الهزائم ..
فارقد يانزار في حضرة أحبتك .. واغمض عينيك عن شاشة وجودنا ..
كانت روحي تهفو لعناقك ..
لغمرك بزهور فشلت في إحضارها لك..
لكن معجزة لقاءك كانت ترمي بظلالها علي وأنا ارى طفلين صغيرين يتمشيان بالقرب مني وهما يحملان زهورا طبيعية بيضاء وحمراء !
طار القلب من مكانه وأنا الحق بهما لأغمر قبرك بالزهور ..
كانت أصابعي تختار لك أجمل الزهور وأكثرها أناقة...
كان الطفلين يشاركاني لهفتي وسعادتي وهما يساعداني في اختيار الزهور ..
وحملت لك الزهور ..
معجزة وجودك وروحك التي استشعرتها في كل التفاصيل التي تحيط بي ..
لم تقف الأسوار بيننا ... كما لم تخذلني المسافات ...
تسللت يدي من بين الأسوار لتهذرب إليك الورود التي تحب ..
سألت فادي إن كان ثمة من يزورك
فقال أن هنالك من سبقني إليك قبل فترة من أقرباء بلقيس الراوي حيث جائوك من العراق أيضا
إبتهج القلب وأنا أراك محفوفا بمحبتنا العراقية ..
وضعت الزهور لك وغبت في بكاء صامت لم يشاهده احد سواك ...
كنت ابكيك فرحا وشوقا ..
حزنا ولوعة ..
إنتظارا وأملا
...
على شاهدة قبرك علّقت آخر الدمعات وغبت في مناظرة صامتة رددت فيها كلماتك التي حفظتها عن ظهر قلب .. أنا التي تزعم دوما أن ذاكرتها مثقوبة ..
كان المغيب يرمي بستائره فوق عناقنا ..
ذلك العناق الذي توقف فيه الزمن
عند ضحكة عينيك
تلك الضحكة التي كانت تنتظرني ... في مقبرة باب الصغير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.