لا تصغُر الصورة كما تقول المشاهدة...، بل تكبر في العين حتى تلاصق زجاج النظر.. وتتوغل عميقاً لتطبع اللحظة في الوجدان. تمتمتُ بتلقائيّة: سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين. بيني وبين الستّيني ذو الشعر الأبيض والخُصلات الفضية الجميلة ..، بيننا كُرسي فارغ.. إلاّ من الهواء الصامت الذي لا يتكلم.. يقرأ جريدته بهدوء جميل..، ملامحه منبسطة وتعابيره مُترفة.. كأنّه سعيد!. هل تودّين قراءة الجريدة؟ انتهيت منها. لا .. شُكراً. لأوّل مرة أنسى أن آخذ معي شيئاً أقرأه، تذكّرت أني تركتُ بجانب سريري سهرة تنكريّة تبحث عن موتى. وعيوني تبحث عن شيء ما تقرأه من وراء زجاج الطائرة.. عن رواية ما مكتوبة على السحاب.. عن حروف تأتي كالمطر من جوف الغيم. خيطُ الأفق ينحني أمامي بشدة: الرجاء من السادة الركاب ربط أحزمة الأمان؛ لاجتياز الطائرة مطبات هوائية. هكذا ترجم عقلي الصوت المُتعب والمكتوم للمضيفة، والذي أزعجني ربما أكثر ممّا أزعجتني فيه المطبات الهوائية..، ألم تتأقلم السماء بعد مع التصاق الحديد؟! ألا تزال تُقاوم عقل الإنسان؟.. رغم أنّ الإنسان لا يزال يرى السماء مُنتهى روحه. يبتسم الستّيني بلطف.. كأنه يحاول أن يستشفّ قلقي أو توتري: تحدث هذه الأمور بكثرة أصبحت معها عاديّة..، سنجتاز هذه المنطقة بسرعة. وبابتسامة مماثلة: إن شاء الله. يحدّثني كأنّه أبي.. يحدّثني كأنّي ابنته... ولا يزال الكرسي بيننا فارغاً.. إلاّ من الهواء الصامت.. يظُن أنّ انتصار الطبيعة اللحظي يُقلقني، وما يُقلقني أكبر من ذلك.. ما يُقلقني أني أبحث عن ورقة بيضاء..