اجتذبت مشاركة أطفال اليمن في الصراعات السياسية أو ميادين وساحات الاعتصامات المناوئة للحكومة اليمنية أو الحليفة لها اهتماما واسعا من قبل منظمات حقوقية ومدنية على الصعيد المحلي والدولي.. عبرت منظمات حقوقية ومدنية محلية ودولية مهتمة بشؤون الأطفال عن قلقها البالغ إزاء الزج بالأطفال والقاصرين في الصراعات السياسية في اليمن سواء كانت صراعات مسلحة أو سلمية. واعتبرت العديد من المنظمات أن إتاحة الفرصة للأطفال للمشاركة في هذه الصراعات يعد جريمة وشددت على محاسبة مرتكبيها, وحذرت المنظمات من مغبة الزج بالأطفال في ساحات الاعتصامات والمظاهرت التي تشهدها الساحة اليمنية والعربية وأكدت أن لتلك المظاهر أخطارا كبيرة على حياة الأطفال ومستقبلهم وأن انعكاسه السيئ سيؤثر سلبيا بمستقبل المنطقة العربية والعالم.. وفي سياق التحقيق التالي نسلط الضوء على ظاهرة الزج بالأطفال في الاضطرابات الأمنية والسياسية على الساحة اليمنية وإبراز مخاطر وانعكاسات هذه الظاهرة على حياة الأطفال ومستقبلهم. قلق بالغ أعربت منظمة الأممالمتحدة للأمومة والطفولة “ يونيسف” في أواخر الشهر المنصرم عن عميق قلقها من تأثير العنف على الأطفال الذين يعانون الكثير في دوامة النزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقال المدير التنفيذي لمنظمة اليونيسف أنطوني ليكت في بيان للمنظمة أن العنف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يلقي بعبئه على حياة الصغار الذين يتعرضون لمزيد من أخطار العنف. وأشار بيان المنظمة الدولية إلى أنه ومع بدء العنف فإن العديد من الأطفال كانوا يواجهون تحديات تتعلق بصحتهم وسلامتهم، إلا أنهم الآن في خطر أكبر بسبب الاحتجاجات والمواجهات التي تسود المنطقة والتي تحولت في بعض البلدان إلى قتال بين الحكومة وقوات المعارضة, وأكد البيان أن منظمة اليونيسف تعرب عن عميق قلقها من تأثير العنف على الأطفال، وتدين استهداف الجماعات المسلحة للمدنيين، وتطالب كافة الأطراف بتمكين العاملين في مجال الأنشطة الإنسانية من الوصول إلى كافة المناطق وكافة الأطفال الذين يحتاجون المساعدة.. وحثت المنظمة في بيانها جميع الأطراف على احترام تعهداتهم وفق اتفاقية حقوق الطفل والقوانين الإنسانية الدولية، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الأطفال من الآثار المباشرة وغير المباشرة. رفض تام ودعت منظمة سياج لحماية الطفولة في اليمن وهي منظمة غير حكومية كل أطراف العمل السياسي في اليمن استشعار المسؤولية إزاء حماية أطفال اليمن من أي أخطار تلحق بهم والامتناع عن الزج بهم في خضم الصراعات السياسية واستغلالهم لتحقيق أهداف سياسية من باب حرية التعبير عن الرأي وأوضحت في هذا السياق أن حق الطفل في التعبير عن رأيه يسقط في مثل هذه الحالة تجنباً للمخاطر التي ستترتب على حياتهم جراء مشاركتهم في الصراعات. وطالبت الأجهزة القضائية بسرعة القبض على المتهمين في قتل الأطفال الذين سقطوا ضحايا الاعتصامات خلال الأسابيع الماضية وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم الرادع, وأكدت المنظمة ضرورة تحمل كافة الأطراف السياسية مسؤولية الالتزام باتفاقية حقوق الطفل والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.. وأشارت إلى أن العنف ضد الأطفال غير مقبول، مطالبة في نفس الوقت بحماية الأطفال واليافعين بأي ثمن ومهما كانت الظروف. إدانة من جانبها أدانت مؤسسة “شوذب” للطفولة والتنمية استغلال الأطفال في العمل السياسي القائم حاليا ودعت أطراف العملية السياسية في اليمن وفي مقدمتها الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني إلى ضرورة إيجاد حوار بين السلطة ومعارضيها ما يساهم في تجنيب أطفال اليمن مغبة الوقوع في المحظور، كما دعتهم إلى تعزيز الأمن البشري وإشراك الأطفال في بناء السلام. وشددت على ضرورة منع استخدام الأطفال دون سن الثامنة عشرة سنة كأداة للعنف أو غرضاً له واستغلالهم فيما يتنافى مع مصالحهم الفضلى. تقديرات ولم يقتصر الأمر لدى معاناة أطفال اليمن على المشاركة في الصراعات السياسية من خلال الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات الجماهيرية التي تنظمها أحزاب وتكوينات سياسية وقطاعات طلابية وشبابية مناهضة للحكومة أو مؤيدة لها، إنما امتدت لتشمل الصراعات الاجتماعية القائمة بين شرائح المجتمع اليمني نفسه حيث إن الكثير من القبائل اليمنية تعاني صراعات ثأر وخلافات ما أدى إلى تعرض الأطفال لانتهاكات كثيرة أهمها تعرضهم للقتل والإصابات وخروجهم من المدارس. وقال أحمد قرشي رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة في اليمن وهي منظمة غير حكومية محلية تعمل لمنع استغلال الأطفال الجنود “لدينا مقولة هنا وهي أنك إذا بلغت من العمر ما يكفي لحمل “جنبية” فقد بلغت من العمر ما يكفي للقتال مع قبيلتك. والطفل في اليمن يحمل جنبية منذ أن يبلغ 12 عاماً”. انعكاسات على التعليم وبما أن الأطفال يتقدمون الصفوف في المظاهرات والاعتصامات التي تشهدها بلادنا حاليا فإن المدارس والمعاهد العلمية والتعليمية خاوية على عروشها لانخراط طلابها بالعمل السياسي والصراعات الحزبية القائمة ما يعزز الأمية والجهل لدى أطفال اليمن ويخلق جيلا مسلحا بالعنف والتعصب يصبغون مستقبلهم بحسب ثقافتهم المكتسبة, وفي هذا الصدد عبرت مجموعة التعليم في حالات الطوارىء باليمن في بيان لها مؤخرا عن قلقها إزاء تعطيل العملية التعليمية وعدم انتظام حضور الأطفال في المدارس نتيجة المظاهر السياسية التي تعم كل محافظات اليمن بين مؤيد ومعارض.. وأكدت حق الأطفال في التعليم في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات الاضطرابات المدنية أو في حالات الطوارىء باعتبار المدارس مسؤولة عن توفير البيئة الحامية والآمنة للأطفال للوصول إلى حقهم في التعليم، كما أعربت عن قلقها من انتهاك حقوق الأطفال في التعليم وتعريضهم للخطر داعية جميع الأطراف إلى توفير الحماية للأطفال وعدم إشراكهم في الصراعات السياسية سواء وفقا للقانون أو غير ذلك . جريمة أخلاقية ويرى أكاديميون بمركز النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء أن الزج بالأطفال في المظاهر السياسية والأمنية التي تشهدها اليمن حاليا جريمة أخلاقية ومخالفة صريحة للقيم الإنسانية والتعاليم الدينية والشرائع والدساتير اليمنية والدولية, وشددوا على ضرورة منع الأطفال من المشاركة في الاحتجاجات التي تشهدها الساحة اليمنية، وحملوا الجهات المحرضة لذلك المسئولية الكاملة إزاء تعريض حياة هؤلاء الأطفال للخطر, وقالوا “يفترض أن يكون الأطفال في مأمن من صراعات الكبار وجميع الأطراف المشاركة في المظاهرات المؤيدة أو المعارضة؛ لأن الأطفال لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم في المواقف الخطرة ولا يمتلكون الخبرة والقدرة للتحرك أو التصرف كون المظاهرات في اليمن لم تصل بعد إلى مفهوم الديمقراطية لما يشوبها من صدامات واحتدام سواء كانت لفظية أو جسدية وهو ما يجب أن يبتعد عنه الأطفال؛ نظراً لما يلحق بهم من مساوىء في خلق مزيد من الكراهية والعنف لأي موقف يتعرضون له في حياتهم الطفولية, كما دعوا الجهات الحكومية استخدام صلاحياتها القانونية والدستورية لمنع مشاركة الأطفال في المظاهرات والاعتصامات؛ كون اليمن موقعة على قوانين ودساتير دولية تنص على سلامة الأطفال ورعايتهم وحمايتهم من المهالك والأخطار المحدقة وتحرم الزج بالأطفال في هذه الصراعات بكافة أنواعها وأشكالها. رأي تربوي يقول مدير مدرسة بأمانة العاصمة: إننا نبذل قصارى جهودنا لتجنيب الطلاب المماحكات السياسية التي تخلق فكرا متطرفا أو رؤية متحيزة لطرف دون آخر وهو ما قد يتسبب بإثارة نعرات مذهبية مناطقية لديهم أو حتى مشاكل شخصية تؤثر على سير تعلمهم وعلى سلوكهم الفردي والجماعي في إطار المجتمع, وقال ان سن الأطفال وطلاب المدارس من الابتدائية وحتى الثانوية لا يتحمل عبء العمل السياسي ودهاليزه المتعددة وأن ذلك يترك أثرا سلبيا لديهم جراء الصراع الدائم بين أطراف العملية السياسية.. ما بالنا نرى الأطفال وطلاب المدارس يشاركون وبشكل يومي في الاعتصامات والمظاهرات ويعرضون حياتهم للخطر! وأوضح أن القنوات الفضائية والانترنت شجعت طلاب المدارس على الخوض في خضم هذه الأعمال وهيأت لهم بطولات وهمية بينما كان الأجدر بذلك هم الأكبر سنا والأكثر عقلانية على اعتبار أن من لم يبلغوا السن القانونية لخوض العمل السياسي لديهم فكر قاصر ويتعاملون مع كل الأمور من باب التعصب وإلغاء الآخر والاندفاع نحو المهالك بصورة سريعة وساذجة. وقال إنه يجب على قادة الرأي العام والصحفيين وقادة المسيرات الجماهيرية سواء المعارضة أو الموالية للحكومة أن يكونوا عند المسئولية الكاملة إزاء تقديم النصح للأطفال وطلاب المدارس بعدم المشاركة في مثل هذه المظاهر كما يجب على أرباب الأسر وتحديدا الأمهات أن يعوا أن مشاركة الأطفال في المظاهرات فيه خطر كبير على مستقبل العائلة نفسها وليس الطفل وأن اصطحاب الأطفال إلى ساحات الاعتصامات لن يؤثر في العملية السياسية بقدر ما يؤثر على الطفل سيكولوجيا وفسيولوجيا. أثر النزاعات على الأطفال يشير علماء النفس ومختصون تربويون إلى أن النزاعات والحروب تخلف آثارا مدمرة لدى أطفال مناطق النزاع وأن هذه الآثار تظهر بصورة جلية عند انتهاء هذه النزاعات وترافق الطفل حتى آخر مراحل حياته جراء الصدمات التي واجهته أثناء النزاعات والحروب, ويركز العلماء والمختصون على الصدمة كأكثر الآثار السلبية للحروب انتشارًا بين الأطفال، فغالبًا ما يصاحب الصدمة خوف مزمن (فوبيا) من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع الحرب مثل صفارات الإنذار وصوت الطائرات، والجنود.. إلخ. يقابلها الطفل بالبكاء أو العنف أو الغضب أو الاكتئاب الشديد.أما إذا كانت الصدمة ناجمة عن مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة أو جثث مشوهة لأقارب له فإنها يمكن أن تؤثر على قدراته العقلية. وتتسبب الصدمة في معاناة الأطفال من مشكلات عصبية ونفسية ممتدة مثل الحركات اللاإرادية، وقلة الشهية للطعام، والابتعاد عن الناس، والميل للتشاؤم واليأس، وسرعة ضربات القلب في بعض المواقف. كما أن الحروب لدى الأطفال تفجر لاسيما الصغار منهم أزمة هوية حادة، فالطفل لا يعرف لمن ينتمي ولماذا يتعرض لهذه الآلام، أما الأطفال الأكبر – الفتيان – فيجدون أنفسهم وقد أصبحوا في موقف الجندية وعليهم الدفاع عن أنفسهم وذويهم ولو عرضهم ذلك للخطر، وحتى إذا لم يفعل الأطفال ذلك فإنهم يجدون أنفسهم في حالة من التشرد والفقر تفوق قدرتهم على الاستيعاب خصوصًا على التعبير الجيد عن المشاعر والرغبات مما يغذي مشاعر دفينة تظهر في مراحل متقدمة من أعمارهم في صور عصبية وانطواء وتخلف دراسي وغيرها من الأعراض. مطالب وكان جيرت كابيليري ممثل اليونيسف في اليمن قد طالب في وقت سابق، طالب كل أطراف الصراع السياسي في اليمن أن تضع نصب أعينها أمن وسلامة كل الأطفال أولا بغض النظر عن الظروف. وضع الأطفال في مقدمة أجندة التنمية قد يكون الخيار الأمثل للحفاظ على بيئة سلمية. وأوضح في السياق نفسه أن تجاهل الغرب والمجتمع الدولي لدعم أطفال اليمن الذين يعانون نقصا في الغذاء والتعليم والأمن ليس قاسيا فقط؛ وإنما خطير. وأضاف: إن التقاعس عن تلبية الاحتياجات الأساسية لليمنيين الذين تقل أعمار 54 في المئة منهم عن 18 عاما يمكن أن يسحق قدرتهم على المثابرة. وحول الزج بالأطفال في أعمال المظاهرات والاعتصامات والأعمال السياسية التي تخدم بدرجة أساسية الأحزاب السياسية وأجندتها قال كابيليري “إننا نغامر بخلق مجموعة متزايدة من الصغار الذين سيتمردون ويتسمون بعنف بالغ وعواقب ذلك لن تكون مهمة بالنسبة لليمن فقط؛ وإنما للمنطقة العربية وللعالم ككل.