قبل نحو عام من الآن زرت منطقة الحيمة ونشرت تحقيقاً في ذات صحيفتنا هذه وكان عنوانه :”الحيمة ..شاموت ظمأ والماء قبال عيني!”كشفنا في سطوره عن حجم المعاناة التي تعيشها الحيمة أرضاً وتربة ونباتاً من جور الاستنزاف الجائر لمياهها الجوفية سواء لمدينة تعز من خلال آبار المؤسسة أو من خلال سقي ما تبقى من آبارها لآلاف الهكتارات من حقول القات”المعلي” الذي يغرق أسواق محافظة تعز اليوم بعد أن كانت حقوله قبل عشرين عاماً تغرق أسواق تعز بأنواع الخضروات والمحاصيل والحبوب والبن. وأتذكر تنهدات شيخ ثمانيني من الحيمة خلال تلويحه بأصابع يده على الوادي المتخم بأشجار القات، فقد قال يومها: لم نكن نشتري حبوب الطعام ولا الخضروات ولا البن، بل كنا نبيعه في الأسواق بعد تخزين ما يفوق حاجتنا لطوال العام وكانت البركة وافرة والخير حاصل واليوم صدقوني بأن قيمة قطفات القات في السنة ما تساوي “شيء” وبالكاد نكافي بقيمة القات حاجة بيوتنا من الطعام، ولا عاد درينا كيف هي، نزعت البركة ”أظنه”بسبب شجرة القات الملعونة. ومن خلال زيارتي الحالية للحيمة بعد أن زرتها قبل عام وكانت معظم منازلها بلا كهرباء ولا شبكة مياه تأكدت جلياً بأن المنطقة بالفعل وشيكة على التنحي من الخدمة فضرعها الجاف قد ترهل وما تبقى منه بالكاد يلبي حاجة المنطقة التي أروت لعدة عقود الملايين من الظمأى في تعز دون أن تحظى بأدنى ردود الجميل فالأهالي وحتى اليوم يرفضون العدادات الجماعية للكهرباء لكل قرية ويطلبون المساواة بباقي الأرياف والمدن، جل مطلبهم عدادات منزلية للكهرباء، بل ومستعدون لدفع فواتير الماء إذا ما ضخ الماء إلى منازلهم لا أن يعاملوا كأصحاب حق فكم عجبت حين ولجت منزل شيخ القرية عضو محلي منطقة الحيمة الأخ عبدالكريم علي عبده حين لم أعثر على حنفية في منزله لأغسل وجهي من غبار طريقهم الترابي الوعر، بل وجدت آنية بلاستيكية للماء جاءت على ظهر الحمار فما بالكم بالمعسرين في الحيمة! وأي جزاء منيت به الحيمة بعد أن صارت شرياناً عجوزاً وفردوساً مفقوداً!!.