عايشت مدينة الراهدة مركز مديرية خدير في محافظة تعز في حقبة ما قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في ال(22) من مايو1990م جملة من التناقضات الناجمة عن حالة التشطير بين أجزاء الوطن فقد مثلت المدينة واجهة للرخاء والازدهار باعتبارها المنفذ الرئيسي للبضائع المستوردة عبر ميناء عدن إلى أسواق المحافظات الشمالية وكانت تنتقل إلى حالة متناقضة تماماً للرفاه والاستقرار لتصبح ساحة استعدادات للمواجهات المسلحة بين الشطرين سابقاً. مدينة الفرص المتاحة عمل جمرك الراهدة الذي بدأ نشاطه في عهد الإمام أحمد على توفير فرص عمل كثيرة ومربحة للناس، وعمل موقع المدينة آنذاك على جعلها ملتقى للبضائع وأحدث المنتجات مما جعل رؤوس الأموال والشركات تحرص على أن يكون لها موطن قدم وفروع في المدينة، التي كانت مقصداً مهماً لاقتناء السلع بمختلف أشكالها. فحضرت المدينة في أغاني أيوب “ياراهدة يا درب منارة يا ملتقى الأموال والتجارة” بريق العملة بريق العملة ورقي المستوى المعيشي في الراهدة جعل الناس يتوافدون على الراهدة من كل أنحاء اليمن للاستفادة من الامتيازات التي تتمتع بها المدينة يقول الشيخ علي إبراهيم حاميم آخر مدير لجمرك الراهدة وأحد أعيان المنطقة: كان المستوى الاقتصادي للناس في مدينة الراهدة أكثر رقياً مقارنة بدخل المواطنين في بقية المناطق، وكانت احتياجات الناس في الراهدة تقتصر على الأساسيات أو الضروريات بل كانت تتجاوز ذلك إلى اقتناء السلع الكمالية والعيش في مستوى جيد من الرفاهية،نظراً لفائض الدخل، وقد أدى ذلك إلى جذب الكثير من المواطنين من مختلف المناطق اليمنية للعيش في مدينة الراهدة. أما الوالد ناجي عبدالله حسن عبيدل (70) عاماً وهو أحد أبناء الراهدة فيقول:”لقد كانت الراهدة مائدة مفتوحة للجميع، وفرص العمل متوفرة في الجمرك، وكل من شعر بالإفلاس والحاجة توجه إلى الجمرك،مما جعل شبح الفقر والفاقة أبعد ما يكون عن أهالي المدينة”. مظاهر الرخاء منذ وقت مبكر انعكست مظاهر الرخاء التي كان يتمتع بها سكان مدينة الراهدة على شكل خدمات أساسية تحتية، فكانت أول مدينة يمنية ثانوية تضاء بالكهرباء قبل قيام ثورة سبتمبر، بحسب الشيخ علي إبراهيم حاميم، فيما يفيد الوالد ناجي عبيدل أن مشروع الكهرباء في المدينة كان يسير وفق معايير حديثة في تلك الحقبة التي كانت مدن اليمن فيها غارقة في الظلام حيث تم تركيب عدادات لحساب استهلاك الكهرباء في المنازل، وكانت تصدر الفواتير الخاصة باستخدام الكهرباء، وحظيت هذه المدينة الصغيرة بإنشاء مستشفى في العام 1994م أي بعد عامين من قيام الثورة. وعي مواكب كما وجدت في الراهدة أول مدرسة مختلطة للبنين والبنات بعيد قيام ثورة سبتمبر، وقد جاءت هذه المدرسة نتيجة لمستوى الوعي الذي كان موجوداً في المدينة التي جذبت طبقة من المتعلمين ليعملوا كموظفين في المدينة، يقول الأستاذ سلام ناجي: نتج عن الحركة التي كانت موجودة في الراهدة سابقاً وجود نسبة من الوعي بين أوساط الناس ساهم فيها وجود نشاط اقتصادي منفتح إلى جانب تأثر الناس بعدن، وحالة الرفاه التي كان يتمتع بها الناس في الراهدة، وقدرتهم الشرائية وقد عملت هذه الظروف والأسباب على إيجاد سلوك وتطلعات متميزة لدى سكان المدينة، جعلتهم يسعون لتوفير كل مظاهر التمدن منذ زمن مبكر مقارنة ببقية المناطق. قوانين أيدلوجية وهي أمور أدت إلى حدوث انخفاض في معدلات الازدهار الاقتصادي الذي انتعش على أساسه مدينة الراهدة، وعلى عكس ماكان حاصلاً قبل الثورتين سبتمبر وأكتوبر، حيث كانت كل البضائع مسموح لها بالعبور ودخول أراضي الشطرين باستثناء المحرمة دينياً، أصبحت القوانين النابعة من رؤى أيدلوجية تتحكم بالنشاط التجاري بين دولتي الشطرين. مدينة أشباح وعندما كان يحدث توتراً في العلاقات بين شطري الوطن الواحد كانت الحدود تغلق وتتوقف الحركة بين الشطرين لتصاب المدينة بحالة ركود على غير عادتها وحول هذه المسألة تقول الأستاذ علي إبراهيم حاميم: كان توتر العلاقات بين شمال الوطن وجنوبه يؤدي إلى إقفال الراهدة ويحولها إلى مدينة أشباح، فلا يسمح بمرور بضائع ولا حتى الأشخاص وكان كل من يحاول الانتقال بين الشطرين يعتبر مشتبهاً لدى السلطات في الشطرين. ضريبة الاستقرار لكن انقطاع الحركة بين الشطرين سابقاً كان أبسط ما يمكن أن تواجهه مدينة الراهدة، فقد كان استقرار ورخاء هذه المدينة مهدداً دائماً بهبوب أعاصير تعصف بالمدينة، وتنقلها من نعيم فوائد الحدود إلى حالة مناقضة تماماً، حيث كانت المدينة تتحول بين عشية وضحاها إلى ساحة استعداد للمواجهات المسلحة التي كانت تنشب بين الاخوة في الشطرين، ليدفع الناس في المدينة ضريبة الامتيازات التي نعموا بها خوفاً ورعباً وويلات حرب.