«و راهدة وادرب وما مداره وملتقى الأموال والتجارة».. هكذا وصفها أهلها وهكذا نعتها كل من زارها قبل أن يغدر بها الزمن ويعلمها حكمة مفادها «مدن الأمس في اليمن أطلال اليوم».. حالها كحال عدن والمخا والشحر التي انتعشت سابقا ثم أضحت كئيبة موحشة تأن من وطأة الإهمال وانعدام الضمير. حين تطأ قدماك «الراهدة» تحس حجم الكارثة والمأساة التي تتجرعها هذه المدينة وما آل إليه وضعها من تسيب لا يليق بمدينه مثلت همزة وصل بين شمال الوطن وجنوبه قبل الوحدة وكانت عاملاً هاماً في ربط أبناء الوطن ببعضهم. أضحت مدينة الراهدة أشبه بغابة موحشة؛ فلا مياه ولا صرف صحي ولا تعليم وكانه أراد لها أن تستثنى من خيرات الوحدة. حين يأخذك القدر إلى زيارة هذه المدينة عندها فقط تدرك حكم ما أصابها فلا ترى إلا أطلالاً شاهدة على الحقبة الذهبية التي عاشتها المدينة إبان السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عندما كانت تعج بالتجار والموردين أصحاب البضائع وبحكم أن جنوب الوطن كان يرزح تحت حكم اشتراكي فقد كانت الراهدة مقصد الكثير من تجار وأبناء الجنوب بعضهم للتسوق والأخر لجلب البضائع إلى الجنوب ولعل الجمرك خير شاهد على ما كانت عليه الراهدة يومها. وكان الجمرك – الذي يقع جنوبالمدينة – يشهد نشاطاً ملحوظاً وحركة دؤوبة للتجار وأصحاب البضائع لكنه اليوم اضحى أطلالاً آيلة للسقوط بعد أن عجزت السلطات المتعاقبة عن ترميمه أو تحويلة إلى معلم كأقل واجب وكنوع من الاعتراف على أدواره في تعزيز اللحمة بين أبناء الوطن. «الخبر» يستطلع آراء من عرفوا هذه المدينة من قبل: يقول عبدالغني الشوافي- وهو احد من كان يعمل في الجمرك- إن تلك الأيام كانت افضل أيام المدينة برغم التشطير وكأن الوحدة جاءت لتكون وبالاً على المدينة ويضيف اليوم نحن في الشارع لم نجد من احد إنصافاً لما كنا نقوم به ولم يتم استيعابنا في مرافق أخرى من المرافق الحكومية. عاش في هذه المدينة الكثير من الشخصيات السياسية والأدبية ومنها الرئيس السابق على عبدالله صالخ الذي عمل في كتيبة حرس الحدود سابقا يقول الحاج عباد إن الرئيس السابق عاش في هذه المدينة قبل انتقاله للمخا ويتذكر انه وعندما كان يقوم ببيع القات كان صالح احد زبائنه وانه كان يقوم عدة مرات باستدانة القات منه. عبدالفتاح إسماعيل هو الآخر كان يتردد كثيراً على هذه المدينة قبل سفره إلى عدن ويعين رئيساً للشطر الجنوبي من الوطن كذلك عاش عبدالقوي حاميم في هذه المدينة قبل أن يتبوأ منصباً سياسياً في الجنوب, إضافة إلى هؤلاء سكن في الراهدة الأديب والشاعر احمد الجابري والذي غنى له أيوب العديد من أشعاره. اليوم الراهدة تعاني من أمراض مزمنة وترى أكوام القمامة في كل مكان فلا يوجد مشروع نظافة بالرغم من عدد سكانها الذي يتجاوز 20 ألفاً, بالإضافة من المجاري الطافحة التي تغرق شوارع المدينة, الأمر الذي انعكس على أطفال الراهدة الذين اصبحوا يعانون الأمراض والأوبئة بسبب المجاري والبعوض الذي ينشر في المدينة بكثافة لم نعهدها في أي مدينة أخرى. يوجد في الراهدة مستشفى وحيد لا يصلح حتى للحالات الاسعافية ويتربع على تلة مرتفعة ربما حتى يكون صعب الوصول إليه من قبل مرتاديه. يعاني المستشفى من نقص في كادره الصحي ولا يصلح حتى أن يكون مستشفى بيطري بسبب انعدام النظافة وقلة الكادر بعد أن هجره اغلب الأطباء الروس الذين كانوا يعملون فيه. يسرد لنا بعض الأهالي عدداً من الروايات المفجعة عن هذا المستشفى الذي قالوا انك لا تجده فيه حتى إبرة أو حتى قطعة شاش رغم وجود صيدلية تابعة للمستشفى. مشروع المياه هو الآخر لا وجود له في الراهدة, حيث تعتمد هذه المدينة على مشروع أهلي لا يغطي حتى 10% من سكانها وبالرغم من هذا فهو يعاني من التخريب المستمر لأنابيبه وهو الآن مهدد بالتوقف نتيجة امتنع الأهالي عن تسديد المبالغ. يقول عبدالله الصبري- احد العمال في المشروع-" الماء متوفر والحمد الله ومشكلتنا هو حق الديزل بسبب تباطؤ الناس عن التسديد ما عليهم وانعدام جهة للضبط وكذلك لا يوجد أي دعم من الدولة للمشروع من حوالي 3أعوام.. الشبكة الرئيسية شبه معدومة وتتعرض لتخريب من قبل احد النافذين. بالرغم من هذا لا تزال الراهدة تحتفظ بشي إيجابي ألا وهو" حلاوتها" التي ذاع صيتها في كل مكان وتفنن أبناؤها في صناعتها حتى انك لا تذكر الراهدة إلا وتذكر حلاوتها ولا يمر شخص منها إلا واشترى الكثير منها ولعله لا يوجد شخص يجهل علي سعيد وحلاوته التي وصلت حتى دول الجوار.. لكن مع هذا لم تستطع" حلاوة" الراهدة أن تعادل ولو شيء يسير من المرارة التي يعيشها أبناؤها.