الراهدة اسم لا يخطر على البال إلا ويسيح في العقل ذكريات جمة بدءًا من التجارة التي جعلت منها مدينة ذائعة الصيت وانتهاء بصناعة الحلوى التي زادت من شهرتها وهي تتجاوز المكان لتحملق في أرجاء العالم بشكل هدايا غدت حلم الكثير من أبناء الوطن المغتربين في كل أصقاع الأرض. يوسف عبدالباقي: لابد من وجود عقوبات صارمة تطبق على الطالب الذي يغش يحيى عبد الناصر: أتمنى من وزارة التربية أن تلغي امتحانات الشهادة العامة وتجعلها مثل اختبارات النقل الشيخ علي القاضي: الغش شرعاً حرام وقبيح وحرمته أشد إذا كان على مسمع ومرأى من الكبار لعبت الراهدة دورا هاما في تنشيط الحركة التجارية بين شطري البلد وتحديدا منذ أوائل القرن المنصرم حينما كانت تعد بوابة الولوج في عالم التجارة من تصدير و استيراد لمختلف أنواع البضائع من وإلى الشطرين على ظهور الدواب و الأنعام وهو ذات الأمر الذي أكسبها أهمية منفردة في ذاك الوقت ما جعل الإمام يحيى حميد الدين ومن بعده ابنه أحمد ينظرون إليها كمنطقة هامة من شأنها أن تجلب الكثير من الأموال هو الأمر الذي تحقق بالفعل وخاصة بعد أن تم استحداث ما يسمى بالجمرك وهو بناء قديم مازالت آثاره قائمة إلى الآن وكان يتم فيه جمركة البضائع دون أي تنظيم أو ترتيبات أو حتى سندات رسمية. نشاط تجاري طموح يقول الحاج عبدالحق عبدالجليل العبسي: إن جمرك الراهدة بدأ العمل فيه بشكل منظم بعد قيام ثورة 26 سبتمبر المباركة ولكون الرجل قضى معظم حياته في إدارة جمرك الراهدة فهو يتذكر جيدا المهمة التي أسندت إليه عام 1973م بشغل منصب مدير تنظيم و نائب مدير عام الجمارك في الراهدة و الذي كان يتولى إدارته عبدالحفيظ سعيد. يطيل الرجل التذكار وهو يحبو في عقده الثامن أن تلك الفترة شهدت نقلة نوعية في الحركات الجمركية بمختلف البضائع التي كانت تأتي إلى الشمال عبر ميناء عدن. يضيف: كانت سيارات النقل من نوع ( روسية، أمريكية ، ألمانية) تقف في طوابير طويلة حتى يتم جمركتها والانتقال إلى الشطر الشمالي وهي ذات الفترة التي شهدت فيها مدينة الراهدة أوج ازدهارها وغدت منطقة يتوافد إليها الكثير من التجار ليبتاعوا منها مختلف أنواع البضائع. الرجل الذي شغل فيما بعد مدير عام الجمارك يتذكر بوضوح كيف تحولت الراهدة في تلك الفترة إلى منطقة متحركة لتغدو حديث كل لسان بما أسهمته في إنعاش الحركة التجارية في المناطق الشمالية وخاصة القريبة منها كمحافظتي تعز وإب. إجراءات مشددة يضيف العم عبدالحق: إن ذات المكان شهد أيضاً مراقبة البضائع التي كانت تصدر إلى عدن من المنتجات المحيلة مثل الفواكه والخضروات والحلويات والبلاستيك ويتذكر أهم المواد التي كانت تصدر من عدن وهي منتجات محلية غلب عليها الملح وبعض البقوليات ... لا شيء كان ينغص الجميع في ذلك الوقت غير الإجراءات المشددة التي كانت تمارس من قبل أجهزة الأمن لكل من يرغب الذهاب إلى عدن سواء للزيارة أو التجارة ومع ذلك فإن الرجل يرى أن هذه الإجراءات كانت أحسن حالاً من اجراءات أجهزة أمن عدن التي كانت تمنع أبناءها من الذهاب إلى تعز .. الجمرك الذي بدأت حركته تقل تدريجياً لعدة أسباب منها الإجراءات المعقدة التي كانت تصاحب تنقل البضائع علاوة على تحول بعض التجار إلى ميناء المخا و الحديدة شهد تهريباً مكثفاً من قبل المهربين وخاصة فترة الثمانينيات وهي ذاتها التي استحدث فيها مبنى جديد للجمارك تحت إشراف - عبدالحق - وتحديداً عام 1983م ومازال قائماً إلى الآن. مواقف وذكريات لاتنسى وبالانتقال إلى الحاج محمد حمد الدبعي الذي ورث صنعة (الحلاقة) عن والده منذ نعومة أظفاره والذي افتتح أول محل للحلاقة في الراهدة يحكي عن والده أن الأمام أحمد وفي إحدى زياراته لجمرك الراهدة أرسل لأبيه جنديين يطلبانه على وجه السرعة وعند وصوله أدرك مراد الإمام بعد خوف مستعر وهو حلق رؤوس أولاده الأربعة ونظراً لمشاغل الإمام فقد نسي التسديد لوالده أجور أتعابه إلا أنه تذكر الأمر عند وصوله لتعز وبعث إليه مع أحد جنوده بأربعة قروش فرنصة. يتذكر الدبعى طفولته بجمرك الراهدة أيام الرئيس عبدالرحمن الإرياني عندما كانت بضائع التصدير لعدن لا تخرج عن إطار السمن والعسل والدجاج وغيرها .. يضيف: إن أهم سلعة كانت تصدر إلى الراهدة من عدن هي مادة (الجاز ) التي كانت تأتي في جالونات معلبة لذا هو يتذكر سيارة التاجر الغشيمي التي احترقت بما فيها من جاز وتعاون الأهالي على إطفائها بالتراب لعدم توفر المياه في حينها التي كانت تجلب على ظهور الناس ويبتاع الجلن سعة 20لتراً ببضع بقش. ويصف الدبعي تلك الأيام بالجميلة ولم يكن ينغصها سوى بعض الحرس الذين يعملون في حراسة الحدود عندما كانوا يحلقون رؤوسهم دون مقابل بالرغم ما كانت تشكله المهنة في تلك الأيام من تعب وجهد بعدما كان يقضي الليل بتحديد السكاكين وسنهن وتجهيزهن للصباح حتى ظهرت الشفرات وريحتهم من تلك المعاناة في وقت ليس ببعيد. نقطة عبور الشريجة الحد الفاصل لما كان يسمى بشطري اليمن وتبعد عن الراهدة بمسافة 12 كيلومتراً تميزت هي الأخرى بأسواق متواضعة غلب عليها سوق القات الذي كان يشهد إقبالاً من قبل مليشيا الحدود في الشطر الجنوبي للشراء والتخزين بطريقة سرية لعدم السماح بتناول القات إلا كل خميس وجمعة وهو ذات النظام الذي كان سائداً في تلك الفترة في محافظات الشطر الجنوبي. يقول الأستاذ فيصل غالب الفقي: إن الشريجة شهدت ازدهاراً منقطع النظير عام 1989م وهو ذات العام الذي تم فيه تدشين العبور بالبطاقة الشخصية بين شطري الوطن إذ كان أبناء المحافظات الجنوبية يتسوقون إلى منطقة الشريجة التي امتدت محلاتها على طول الخط الإسفلتي وأغلبها من الصفيح - ما تزال قائمة إلى الآن - وكانوا يشترون مختلف أنواع السلع والملابس والكماليات وغيرها و استمر السوق حتى قيام دولة الوحدة المباركة التي وحدت الوطن عام 1990م. تخليد في ذاكرة الفن هي الراهدة في تلك الأيام والكل يتذكر ما شهدته من حركة تجارية حذت بالفنان أيوب طارش ليطلق لحنجرته العنان وهو يشدو ( يا راهدة يا زربي يا مدارة، يا ملتقى الأموال والتجارة ... ) أغنية لا يسمعها أهالي المنطقة - وخاصة جيل الستينيات - إلا ويعصف بهم الحنين إلى تلك الأيام الخوالي وفي من مد الله بعمره يتذكر أول مطعم تأسس في الراهدة بداية الخمسينيات يعود للمرحوم علي عبدالله الذي وافته المنية قبل ما يزيد عن الشهر إلا أن حفيده معد هذه المادة يتذكر ما كان يحكيه جده من المبنى القديم والطبخ على الفحم في حين كان يخصص شخص تقتصر مهمته بالنفخ والنوف عليها ( الجمر ) لينطلق بعد ذلك المرحوم علي عبدالله إلى فتح مطعم آخر في مدينة المعلا وتحديداً في الدكة حيث كان السفر والتنقل في تلك الفترة من أسهل ما يكون حتى طرد المستعمر ليدخل بذلك فيما يسمى بالحدود المصطنعة ليعود عام 1964 م ويفتتح مطعماً آخر في الراهدة أطلق عليه اسم ( مطعم الوحدة ) استمر لعدة عقود قبل أن يغلق أبوابه بعد حرب صيف 1994م متأثراً بتراجع الحركة التجارية في الراهدة عوضاً عن الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الحرب. لا تذكر الراهدة إلا ويذكر معها التاجر الغشيمي و الطباخ المرحوم علي عبدالله والحلاق الدبعي والمقوت المصلي والمحلوي علي سعيد وفرن عبدالحق حزام وغيرهم وإذ كان الموت قد غيب بعضهم إلا أن جميعهم ما زالوا يحتلون مكانة في قلوب زبائنهم، ومما يحكيه البعض فإن المغتربين من أبناء المنطقة في السعودية كانوا إذا شدوا ترحالهم في العودة للوطن فإن أول ما يبادر إلى ذهنهم زيارة سالفي الذكر لغرض الغداء والقات والحلاقة.