يتذكر أمه.. لم يبلغ التاسعةَ بعد.. بوجهه الملائكي والمصنوع من المسرات.. ببياض اللهفة.. يغالب أرتال الحزن.. ينوء بفجائع طازجة الصدمات.. مقلتاه تتراقصان تحت ضربات وجع مكتوم.. يغالب الدمع.. تنتابه رغبة جامحة في الارتماء بحضنٍ قصيٍّ والبكاء بشدة، يريد أن ينشج حتى يتطهر من الأثقال التي حُمِّلها طريّا.. وجدتُه أمام دكان جده مقتعدا الكرسي الوحيد، ورأسُه إلى الأعلى.. يهبط رأسُه بضغط الدموع المتزاحمة أعلى جمجمته.. يصر على مواجهتها.. يرفع رأسه أكثر.. يهبط الرأس.. يرفعه.. لكن عينيه لا تستقران على حال، تهبطان وتصعدان، والأجفان تلتصقان وتنفرجان بشكل متلاحق كتصفيقات جناحي طائرٍ غريق. هممتُ أن أمسحَ على رأسه.. أن أدُسَّ فرحة صغيرةً في جيبه.. لاحَظَ ذلك... اكتسحت الحمرةُ عينيه،.. أجهشَ بالبكاااااء.