رسا قرص الشمس على مقعد الشروق بعد أن ودع القمر, ألحان العصافير الشجية تغرد بمقدمه , كذلك سكان القرية بعد أن تمت ليلتهم التي غمرتها الأحلام الجميلة ، كانت كتل الضباب قد تبخرت حين صفعتها الأشعة المصوبة من قرص الشمس , نزعت السهول والجبال ثوبها الضبابي مرتدية ثوب نسج من إخراجات الربيع ، الندى يتوج الأوراق المغطية لسيقان الأشجار ، أشعة الشروق تفتش عن مصادر الخرير الذي يتعالى من الجداول ، الأبناء والنساء يندفعون نحو حرفهم المعتادة حين مياه الجداول والحواجز تصد أشعة الشروق المندفعة من أطراف قرص الشمس المتصدر الأفق ، ضفادع تصدح بنقيقها حين توافدت الأغنام حول مياه احتضنها الحاجز الصخري الفاغر أمام ممرات الجداول المندفعة . كان (سلطان) يتبع أغنامه حين تغترف المياه ، وقعت بعض نظراته إلى قعر الحاجز حين كانت الأغنام تحدث تموجات على وجه الماء ، الضفادع تردد نقيقها دون توقف , الهوائم تسبح بحرية في أحشاء الماء ، أجبرته نظراته على التفكر فيما يدور في القعر ، التصقت معالم جسمه على وجه الماء ، ظهرت هيئته ترتدي ذقنا ابيضاً وشارباً يعادله سواد خفيف وعمامة تتصدر قمة رأسه المثبت عليه عينان تلبسان لون احمر ، الضفادع والهوائم تمارس حياتها بحرية – كشفتها نظراته المسلطة الى الأعماق – تتزاوج , تبحث عن غذائها , تطلق ما في جوفها من أصوات , نظراته تحاصر الحياة في أحشاء المياه . الأغنام تتفرق بعد أن اندفعت المياه الى بطونها ، التموجات تخفف من تلاعبها بقرص الشمس عندما كانت عيناه الواسعتان تنثران قطراتها المالحة على وجه الماء عندما استعادت ذاكرته العتيقة قطرات الماضي التي تذوق مرارتها أيام السيطرة البريطانية على الوطن وهي تسبي الحريات وتعكر صفو الحياة . الأغنام تبحث عن مخرجات الربيع , تذكر القضبان التي كانت تحاول تكميم الأفواه وتجميد الدماء التي تسري في العروق ، جفف دموعه بعمامته التي تحجب بياض رأسه ، أشعة قرص الشمس تنشر هيئته حين سكنت التموجات في قعر المياه، ذاكرته تسرد معظم الأحداث المارة خلال عمره المناهز للسبعين , الحسرات تندفع على شكل لفحات من أحشائه ، غيوم تسير ببطءس , حجبت أشعة قرص الشمس ، اختفى من وجه الماء حين خرجت حوافر الأغنام عن مسارها , انفجر لغم أخفته مسارات الماضي ، احتمت نظراته بأهداب عينيه ، نهض بعد أن جذبت أصابعه المضطربة عكازه الذي جادت به أشجار الزيتون ، كان يدس نظراته بين عظام جمجمته خوفاً على الأغنام ..