الرياح تعصف بشدة، والبحر هائج، بينما هي بداخله تتطلع إلى السماء ولم تكن قدراتها يوماً بذلك الصفاء، الوقت نهاراً، والجو لا يخلو من غيوم متناثرة . كانت ترتدي ثياب الحمل الفضفاضة ، حاسرة الرأس، شعرها يطير وتلك الريح المسافرة ، تغمرها السعادة ،يخيل إليها أن جناحين نبتا لها ، وأنها أصبحت كالملائكة تطير وتطير، وفجأة ظهرت بين الأمواج المتلاطمة (عبد الله ) يحمل بين ذراعيه طفلاً رضيعاً. “أيعقل هل هذا عبدالله زوجي” ؟؟ ومن ذلك الطفل الذي بين ذراعيه؟؟ أخذتْ تبتسم له، تحاول جذب انتباهه إليها، لكنه لم يلقِ لها بالاً، راحت تناديه مراراً،ً لكنه لا يجيب ؟؟ عبدالله هذه أنا (فاطمة ) زوجتك ألم تعرفني ؟؟ أدار عبد الله ظهره لها، وبدا بالاختفاء، خلف سحاب سرعان ماتكثف،وجعل يحجب الرؤية عنها، لكنها لم تستسلم، تخطت الأمواج الهائجة ،والرياح الغاضبة، أصرت على اللحاق بهِ، راحت تناديه من جديد عبدالله ،عبدالله هل ستتركني ؟ وهو غير مهتم، ولا يكترث لندائها المتكررة. استيقظت فزعه، والدموع تبلل وجهه الشاحب، فراشها بارد، وخال من عبدالله. في الأشهر الأولى من الحمل كان زوجها المهاجر للعمل ، دائم السؤال عنها، يبعث لها بالنقود والهدايا، ويتحدث إليها يومياً عبر الهاتف، اهتمامه ومحبته لها، خففتا من قلقها ومخاوفها في حملها الأول، لكنها حرصت على متابعة حملها، من خلال فحص دوري تخضع له كل شهر. في آخر فحص أشار عليها الطبيب، بأن تجري كشفاً تلفزيونياً، لمعرفة جنس الجنين التي تحمله في أحشائها، سرها ما اقترحه الطبيب عليها، ووجدت أنه قد يشجع الغائب على العودة من غربته سريعاً، خضعت فاطمة للفحص ، لكن الطبيب طلب منها العودة لاحقاً ؛لإعادة الفحص ، كان الطبيب يخفي أمراً ما، لم يستطع مصارحة فاطمة به وقتها . عادت فاطمة في اليوم التالي، فطلب منها الطبيب بشكل واضح، أن تجهض الجنين ذا الستة أشهر !! لم تستوعب ما طلبه الطبيب منها: “ كيف لي أن اقتل حلمي بيدي؟!” بيد أنه قطّب حاجبيه، وقال لها في لهجة حادة: «إني أحملك مسؤولية ومستقبل طفلك، يجب عليك إجهاضه اليوم قبل الغد». نهضت فاطمة من مكانها ، وولت وجهها إلى الباب ثم إلى خارج المشفى، دخلت المنزل ،توجهت إلى سريرها ،أخذت في الانكماش ،دثرت جسدها بالأغطية، وحينها استغرقت في نوم عميق، فوجدت نفسها مجدداً وسط الرياح العاتية ،والأمواج المتلاطمة ، و عبدالله مقبل عليها ،يحمل لفافة سوداء بين يديه ،أخذ يقترب منها شيئا ًفشيئاً ،بادرته بالسؤال : - ماذا تحمل بين ذراعيك ؟؟ أجابها: انه طفلي ابني أنا. كيف يكون ابنك وأنا لازلت احمله في أحشائي ؟ أجل إنه طفلي، وليس مسخاً كالذي تودين إلصاقه بي. نالت منها الدهشة،استماتت في البكاء، لا تصدق ما يحدث لها،ومن خلف عبدالله ظهر الطبيب، يحمل سكيناً كبيرة، اقترب منها أكثر فأكثر، تخلى عبد الله عن اللفافة ، وانقض على فاطمة،امسك بمعصميها،بينما أخذ الطبيب يبقر بطنها ،استيقظت فاطمة والآلام تحتل كل جزء في جسدها، كتلك الآلام التي تلحق بالنفاس، لم تكن على سريرها، بل في غرفة باردة، وحيدة في منتصف الليل، لم تستطع النهوض ، أطرافها مخدره ،يتناهى إلى سمعها أصوات تأتي من خارج الغرفة، أصدرت أنيناً خفيفاً، دخلت إحدى الممرضات ، ناولتها بعض الماء، ثم انصرفت دون أن تنبس بحرف معها، مررت فاطمة يدها فوق بطنها، فوجدت أن التكور قد زال. في الصباح الباكر، وقفت ممرضتان عند باب غرفة فاطمة في المشفى،سألت إحداهما الأخرى : هل رأيتها ؟ كيف تبدو؟ إنها شابة جميلة! يالها من مسكينة، من يصدق أنها أم لذلك المخلوق؟ سألتقط له صورة ، وابعثها إلى صديقاتي، ولكن بعد نهاية الدوام. غادرت فاطمة سريرها المغطى بمساحات من الدم ، وتوجهت بحذر إلى المختبر العام، شيئاً ما قادها إلى هناك ،دققت النظر ،ألفت في وسط القاعة حوضاً كبيراً، توجد فيه أنواع مختلفة من المحاليل ،وتمتد إليه مجموعة من الأنابيب المتصلة بأجهزة التنفس، مدت يدها نحو الأنابيب ،وقامت بقطعها واحداً تلو الآخر ،في حين كان ذلك المخلوق العائم داخل المحاليل، ذو الرأسين، والثلاث عيون يظهر آلام احتضار طفيفة ،انتهت بأن أغمض أعينه الثلاث في آن معاً ، حينها عادت فاطمة إلى سريرها، ملؤها اليقين بأن طفلها الجميل يرقد بسلام.