نخطئ في بعض الأحيان حين تأخذنا عزة النفس في التعامل مع الآخرين بذات الطباع التي يعاملوننا بها محاولة منهم بقصد أو بدون قصد في جرنا إلى أن نتطبع بطباعهم ، ونتمثل ما هم ممتثلوه من سلوكهم ، أو لنتشرب قدرا من نهجهم الذي يتعاملون به مع الآخرين ، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في مثل هذه الأمور فهو القائل موجها ومرشد الأن نكون أكثر انضباطا ( لا تكن إمعة إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم ). إن قمة الرقي في التعامل مع الآخرين والمنهج الاجمل في سياق العلاقات الإنسانية التي يحب أن تسود بين الناس ، ويحضرني في هذا السياق قصة ذلك العجوز الحكيم الذي جلس على ضفة نهر ..وراح يتأمل في الجمال المحيط به ويتمتم بكلمات.. وفجأة لمح عقرباً وقد وقع في الماء .. وأخذ يتخبط محاولاً أن ينقذ نفسه من الغرق ،قرر الرجل أن ينقذه ..مدّ له يده فلسعه العقرب .. سحب الرجل يده صارخاً من شدّة الألم ..ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه.. فلسعه العقرب .. سحب يده مرة أخرى صارخاً من شدة الألم .. وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة .. وعلى مقربة منه كان يجلس رجل آخر ويراقب ما يحدث ؟؟ فصرخ الرجل: أيها الحكيم، لم تتعظ من المرة الأولى ، ولا من المرة الثانية .. وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة؟ لم يأبه الحكيم لتوبيخ الرجل ..وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ العقرب ..ثم مشى باتجاه ذلك الرجل وربت على كتفه قائلاً: يا بني ..من طبع العقرب أن “يلسع” ومن طبعي أن “أُحب واعطف” فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟. إذاً الحكمة التي قالها الأولون وصدقوا أن : عامل الناس بطبعِكْ لا بأطباعهم ،مهما كانوا ومهما تعدَدَت تصرفاتهم آلتيّ تجرحكْ، وتُؤلمكْ في بعضْ الآحيان ،ولا تأبه لتلكْ الأصوات آلتي تعتليّ طالبة منكْ آن تتْرك صفاتك الحسنة لآن الطرف الآخر لا يستحقْ تصرفاتك النبيلة؟ في كثير من الأحيان نندم على معاملتنا لأناس نظن انهم لا يستحقون معاملة طيبة ، ولكن هذا الندم غير صحيح فنحن ينبغي أن نعامل الناس بأخلاقنا لا بأخلاقهم ، وباعتقادي أن الأمر له ارتباط وثيق بقوة الإرادة ، فصاحب الإرادة يستطيع أن يملك نفسه ويقود زمامها إلى الطريق الأصح ، لا لشيء إلا لأن قوة الإرادة فهي الصوت المدوي في النفس التي يدعوها لتمثل الفضائل. إن الإرادة القوية تعني الاستعلاء على كل مظاهر الإغراء والمتع اللحظية؛ بغية الوصول إلى الهدف المرسوم .. ولأن الإرادة القوية تعني التحلِّيَ بالصبر على معوِّقات العمل التي تقابلنا في الطريق، وإيجاد الحلول المناسبة لها حتى نحقِّق مرادنا ونصل إلى أهدافنا.. ولأن الإرادة القوية تعني الاتصاف بالقدرة على تحمل الأذى وتجاوز الأزمات حتى يتحقق المأمول ونصل إلى الهدف المنشود.. ولأن الإرادة القوية تعني التصديَ لكل عوامل الضعف وبثّ اليأس والإحباط في قلوب أصحابها؛ وهو ما لا يقدر عليه إلا الكبار.. ولأن الإرادة القوية تعني الحرمان والمشقة أثناء السير في الطريق وهو ما لا يقدر عليه إلا الكبار. إن الإرادة هي تلك النقطة الصغيرة التي تمكث في عقلك الباطن وتحركك اتجاه ما تريد وتعطيك الدافع والحافز في اتجاه هدفك و تمكنك من تذليل الصعاب و تحدي المعوقات لإكمال طريقك و إنجاز مبتغاك مهما صعب المشوار. قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله : “ لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته، لأزاله “ ، إن تحقيق هدفك في الحياة بحاجة إلى مزيد من العزيمة و قوة الإرادة و الثقة بالنفس، و القوة النفسية ، بيد أنك ستواجه سيلاً عارماً من التثبيط و من التشكيك و من التنقيص، لذلك عليك أن تكون على قدر طموحاتك ورغباتك، وأن تعمل على تقوية إرادتك لتصبع عصية على الانكسار.