تأسرك الدهشة بالولوج إلى التاريخ من نفق “بينون” و “مصنعة ماريا” الموشاة بالعقيق اليماني ويطيب لك المقام في أحضان الطبيعة البكر بعتمة قادتني المهنة إلى زيارة لمحافظة ذمار حيث المدن الأثرية والنقوش القديمة والحرف والصناعات التقليدية التي يمارسها السكان بمختلف أنواعها كما دفعت بي المهمة الصحفية إلى المحميات الطبيعية في مديرية عتمة الواقعة إلى الجهة القريبة من المحافظة فإلى حصيلة هذه الزيارة القصيرة.. مستوطنات ومدن قديمة نسلط الضوء في استطلاعنا التالي على المدن القديمة في منطقة وادي زيل شرق مدينة ذمار حيث توجد أقدم المستوطنات البشرية التي تعود إلى حوالي الألف السادس قبل الميلاد حيث بدأت المستوطنات تظهر وتتسع في مناطق مختلفة فظهرت أول مدينة حميرية مكتملة العناصر في حوالي الألف الثاني قبل الميلاد وهي المعروفة حالياً ب”حمة القاع” إلى الشرق من مدينة معبر وزامنتها في الظهور مدينة سمعان المعروفة حالياً ب«مصنعة مارية» غرب مدينة ذمار ثم تتالى إنشاء المدن الحميرية في الألف الأول قبل الميلاد ورافق ذلك ظهور النقوش الكتابية المدونة بخط المحراث وأقدم ما عثر عليه من نقوش حتى الآن يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد حيث مثل ظهور الأسرة الريدانية في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد تحولاً كبيراً في تاريخ المنطقة إذ ازدادت المدن الحميرية أهمية وأخذت في الاتساع فأضيفت إليها الأسوار الدفاعية وبدأت المدن الملكية بالظهور في مناطق متعددة. النقوش الأثرية تنتشر النقوش الأثرية المدونة بخط المسند في مختلف مديريات المحافظة ويتركز انتشارها بشكل أكبر في المديريات الشرقية حيث تسجل تلك النقوش الأعمال الكبيرة التي أنجزت ومثال ذلك النقوش الموجودة على الجدار الداخلي لنفق «بينون» المفتوح إذ تذكر اسم القبيلة التي قام زعيمها ورجاله بحفر النفق والسبب الذي من أجله تم حفره وفي نقش مصنعة مارية سجل زعيم قبيلة مقرى أعمال شق وتشييد سبعة مناقل «طرق جبلية» في أماكن مختلفة ومن النقوش أيضاً تلك التي كتبت بخط زخرفي جميل وكانت توقع على مداخل القصور والمعابد والمساكن لتوثيق ملكيتها ومن النقوش نجد الزخارف الهندسية والنباتية التي تزين الأحجار وغالباً ما كانت تمثل أوراق وعناقيد العنب يضاف إليها عصافير وطيور وفي بعض الحالات أشكال لمخلوقات خرافية تعبر عن بعض المعتقدات والأساطير اليمنية القديمة وفي الجبال تنتشر رسوم الحيوانات ومناظر صيد الوعول والماعز. الحرف والصناعات التقليدية يمارس السكان أعمالاً حرفية تقليدية منها صناعة وحياكة المنسوجات بمختلف أنواعها، وكذا صناعة الأواني النحاسية والأواني الفخارية بأحجام تتناسب مع الغرض من استعمالها كمثل أواني الطبخ وحفظ المياه وغيرها وكذلك حرف الموروث المعماري ولا تزال صناعة الحلي والمجوهرات الفضية التقليدية حيث تمارس في عدد من المناطق، إلى جانب صناعة الخناجر والجنابي ويمثل استخراج العقيق وتشكيله أحد الأنشطة الحرفية المستمرة منذ آلاف السنين حتى عصرنا الحاضر وأهم مناطق استخراج العقيق هما منطقة ضوران وآنس ومنطقة “ يعر عنس” غرب مدينة ذمار؛ إذ يعد العقيق المستخرج منهما من أجود أنواع العقيق وأكثرها شهرة وتلقى رواجاً كبيراً في الأسواق المحلية وأسواق الدول المجاورة. الطبيعة وجمالها منذ القدم كانت الطبيعة وجمالها هي الدافع الرئيسي للسفر والسياحة وعندما امتدت أيادي العبث إلى كل ماهو طبيعي لجأ الإنسان إلى إيجاد نظام المحميات الطبيعية للحد من الأذى الذي تتلقاه المنظومة الطبيعية بشكل عام وللحفاظ على كل ما هو نادر أو مهدد بالانقراض وفيما بعد صارت المحميات إحدى أهم عناصر الجذب السياحي، خاصة لدى المجتمعات التي تعيش في بيئات مخالفة للبيئة المستهدفة بالزيارة سياحياً فمن لم يعش بالجبال ستكون المناطق الجبلية والتنقل فيها ذات متعة خاصة تشبع رغبة وتعوض نقصا. فالنصف الغربي من محافظة ذمار يتميز بغطاء نباتي كثيف جداً متداخل مع الأودية العميقة والمدرجات الزراعية والنصف الشرقي يتميز بكثرة القيعان الفسيحة والمتداخلة مع التلال الصخرية المتنوعة. محمية عتمة تعد مديرية عتمة الواقعة في الجهة الغربية من محافظة ذمار بين خطي طول (43.50 44.50) وعرض(14.21 14.35)بكاملها محمية طبيعية تبلغ مساحتها (448.5) كم2 وتتميز المحمية بمناخ دافئ في الصيف ومعتدل في الربيع وبارد نسبياً في فصل الشتاء وتتنوع تضاريس المحمية ما بين جبال شاهقة الارتفاع وأودية عميقة تكونت عبر ملايين السنين ويمثل الغطاء النباتي 8090 %من مساحتها وقد ساعدت الأمطار الغزيرة التي تهطل على مناطق المحمية والتي تتراوح ما بين (750800م) في العام ويكون سقوطها في فترات الربيع والصيف والخريف، ساعدت على أن تكون الجبال والمنحدرات مكسوة بغطاء نباتي دائم الاخضرار على مدار فصول السنة ونمت الأشجار العملاقة مكونة غابات طبيعية يصعب على السكان الدخول إلى بعضها، الأمر الذي ساعد على وجود توازن بيئي وبيولوجي في المحمية ظهر بشكل عدد كبير من النباتات والحشائش وقد تم حصر حوالي 276نوعاً من النباتات منها 11نوعاً نادراً و76نوعاً من النباتات والأعشاب الطبيعية.. كما تتميز المحمية بالتنوع الحيواني من حيث الحيوانات البرية كالزواحف والطيور والحيوانات المفترسة والحشرات وغيرها كما تنتشر تربية الحيوانات الأليفة كمثل الأبقار والأغنام والماعز والحمير والدواجن وبسبب كثرة الأمطار تشكلت الشلالات الدائمة الجريان في المنحدرات الجبلية وسقت بمياهها المتدفقة الأشجار المثمرة والمزروعات المنتشرة في بطون الأودية الزراعية وعلى الرغم من أن مديرية عتمة بقراها ال(534)وبسكانها ال(145.182) تعد من أكثر مناطق التشتت السكاني في اليمن إلا أن ذلك لم يؤثر على الوضع الطبيعي للمحمية، بل إنه أضاف إلى الجمال الطبيعي جمالاً وسحراً آخر صنعه الإنسان بيديه وذلك من خلال مئات القرى المتناثر في سفوح الجبال بمساكنها المتألقة مع محيطها الطبيعي والمرتبة كأنها لوحة فنية رسمها فنان مرهف الحس.. وفي محمية عتمة هناك فرص سانحة للاستمتاع بمراقبة الطيور والحيوانات الأخرى عن قرب والتعرف المباشر على عادات وتقاليد المجتمع الريفي وهناك إمكانية للمشاركة في بعض الأعمال الزراعية في الحقول الخضراء. شلالات طبيعية امتزجت الطبيعة الساحرة في مديرية عتمة بشلالات المياه الدائمة الجريان على مدار العام لتضيف إلى المشهد السياج الطبيعي والذي يجعل الروح تفيض بالمشاعر الرقيقة وترسم الزهور لوحات في أطراف كل شلال ابتسامة عذبة على الشفاه وبأريجها الفواح تعطر الهواء النقي والخالي من كل ملوثات العصر..وبالقرب من شلالات جبل الشرق تتنافس الطيور والأشجار والأعشاب البرية في رسم المشهد الجمالي للمكان، كذلك الحال في وادي سرية الجميل حيث الشلالات المتدفقة بين الصخور حتى تلتقي مع الفلاحين الذين يطلقون مواويلهم وشدوهم بالمهايد بين الحقول الخصبة.