تكتظ الأسواق المحلية هذه الأيام بأنواع عديدة من فاكهة العنب “ الكروم التي يقع موسمها الحصادي بين النصف الثاني من يوليو حتى أواخر نوفمبر من كل عام، حينها تزدهي الأسواق بأنواع كثير من العنب حلو المذاق، الذي يعد الأجود على مستوى العالم.. مديرية أرحب بمحافظة صنعاء، واحدة ضمن قائمة بمناطق زراعية تشتهر بزراعة هذه الفاكهة والمعروفة بالعنب الأرحبي نسبة إلى اسم المديرية، رغم تعدد أنواعه وألوانه كالرازقي والعرقي والأسود والبياض والنشان والعاصمي وغيره.. عن واقع ومستقبل فاكهة العنب في هذه المديرية يؤكد الحاج مهدي شعلان “ أحد كبار مزارعي العنب بالمديرية: “ إن زراعة العنب في هذه المديرية تعتمد وبشكل رئيس على مياه الأمطار الموسمية؛ نظرا لمجموعة من العوامل وتتمثل في انعدام السدود والحواجز المائية التي نجم عنها شح في المياه الجوفية، إضافة إلى التوسع الكبير في زراعة القات وارتكاز زراعته على مياه الآبار الارتوازية بشكل اساسي الموجودة “.. موضحا أن تهديدا بالانقراض أصبح وشيكا لأشجار العنب في المديرية، حسب تعبيره. ويضيف العم مهدي: رحلتي مع محصول هذا العام من العنب تبدأ منذ اللحظة الأولى لتوديع محصول العام الماضي، مشيرا إلى أنها رحلة تضم في طياتها الكثير من المهام والأشغال الزراعية التقليدية، تتوزع على فصول السنة الأربعة، وتشمل عملية البقيس ( قص الجذوع التي خرجت محملة بثمار العام الماضي لتنمو بدلا عنها جذوع وأوراق أخرى تحمل الثمار الجديدة، يلي ذلك تخليص الجذوع والأوراق من بعض كثافتها التي نمت بها قبل ظهور بذور ثمرة العنب، لتستمر رحلة المتابعة للمحصول عبر تعفير أشجار العنب بالتراب ولعشرات المرات، وعمل ركائز سواء من الحديد او الأحجار لرفع الأغصان وما ستحمله من أعناب عن الأرض وصولا إلى جني المحصول.. ويؤكد ابوصلاح الدين أثناء تجوالنا بين أعنابه “ إن ما يحصده البعض، بل والأغلبية من مزارعي المديرية من فاكهة العنب بمختلف أنواعها وألوانها المتعددة، لا يتم بيعه في السوق مباشرة بعد قطفه كفاكهة.. موضحا أن الجزء الأكبر من تلك الأعناب يتم تحويلها الى زبيب عبر عملية كلاسيكية وتقليدية أيضا تستغرق نحو الشهر والنصف الى الشهرين. ويعلل العم مهدي إقباله ومزارعي العنب بالمديرية على تجفيف الجزء الأكبر من الأعناب وتحويلها الى زبيب، بأنه يرتبط بشكل أساسي بالعامل المادي الذي يعود عليهم جراء ما يبيعونه زبيبا مقارنة بما يتقاضونه نظير ما يبيعونه عنبا. ويوضح الحاج مهدي :” إن هناك فرقا سعريا في سعر العشرة أقداح من الزبيب بزيادة تصل نحو 40 في المائة مقارنة بسعر نفس الكمية فيما لو بيعت عنبا .. منوها إلى أن هناك أنواعا محددة من الأعناب يجدون أنفسهم مجبرين على بيعها عنبا (فاكهة) بعد قطفها لكون طبيعتها الفسيولوجية لا تسمح بأن تجفف كزبيب ومنها العنب العاصمي، فيما يتصدر العنب الرازقي قائمة الأصناف التي يحبذها المستهلك عنبا كانت أو زبيبا يليه الأسود والعرقي والنشان. خطر متفاوت من الانقراض أشجار العنب انقرضت زراعتها فعلا في قيعان ومناطق زراعية في عدد من قرى هذه المديرية، فيما يستمر الخطر ذاته ليهددها بالانقراض في مناطق أخرى، مع الإشارة إلى أن ثمة تفاوتا في نسبة ما تعانيه هذه الفاكهة من تهديد بالانقراض من نوع إلى آخر. هذا ما يؤكده الحاج علي عيسى ( مزارع من أبناء المديرية) بقوله:” إن اختلاف حجم العائد المادي من زراعة كل نوع من أنواع العنب، إضافة إلى مدى القبول أثناء تسويقه في السوق وإقبال المستهلكين عليه سواء كان عنبا أو زبيبا من ناحية، وارتفاع العائد المادي السنوي للمزارع جراء زراعته لشجرة القات مقارنة بذات العائد السنوي جراء زراعة العنب بكافة أنواعه وألوانه من ناحية ثانية، كل تلك عوامل تقف وراء ما تعانيه أشجار العنب بالمديرية من تهديد بالانقراض، وحسب أبو حسان:” فإن نسبة ما يعانيه العنب العرقي من تهديد بالانقراض لا تتساوى مع ما يواجهه العنب الرازقي، كما أن ذات المعادلة تبقى صحيحة بين العنب الأسود والعاصمي مثلا، نظرا لمستوى القبول لكل نوع عن الآخر سواء كان عنبا أو زبيبا.. وحول رؤيته عن إقبال المزارعين نحو تجفيف الجزء الأكبر مما يحصدونه من الأعناب إلى زبيب يقول :”إن الأخير يمكن المزارعين من ادخاره لفترة تزيد عن الحولين، ومن ثم بيعه دفعة واحدة تعود على المزارع بعائد نقدي يمكنه استغلاله والاستفادة منه في وقت العوز أو المناسبات كالزواج مثلا. ويخلص الحاج علي عيسى إلى القول :” إن العنب الرازقي يتصدر قائمة الأعناب من حيث الجودة وسرعة التسويق في السوق، وكذا ارتفاع أسعاره وعائداته سواء بيع عنبا أو زبيبا وبالتالي فإن زراعته ما تزال تحظى باهتمام أكبر ودرجة ما يواجهه من تهديد الانقراض والاقتلاع تبقى أقل مقارنة ببقية أنواع العنب الأخرى، وخصوصا تلك التي لا تسمح طبيعتها الفسيولوجية بأن تجفف كزبيب. حجر الزاوية وبالنظر إلى ما سبق فإن العامل المادي قد شكل حجر الزاوية لدى مزارعي المديرية ابتداء من إقبالهم على التوسع في زراعة نوع من أنواع العنب إلى حساب نوع آخر، أو إقبالهم نحو تجفيف الجزء الأكبر من تلك الأعناب لبيعها زبيبا، وصولا إلى إقبالهم على اقتلاع أشجار العنب بكل أنواع وألوانه واستبدالها بأشجار القات. المهندس الزراعي طلال محمود النهمي يوضح أن طغيان الجانب المادي لدى مزارعي المديرية واعتمادهم له كمعيار رئيسي في مفاضلتهم بين ما يجب أن يزرعوه من أنواع العنب من ناحية، أو مفاضلتهم بين زراعة العنب بشكل عام وزراعة أشجار القات، خاصة في ظل ارتفاع العائد المادي جراء زراعة الأخير، إضافة إلى غياب التوعية الإرشادية الزراعية، وصولا إلى تفشي ظاهرة الحفر العشوائي للآبار الارتوازية .. كل تلك عوامل تشكل ملامح لخطر كبير يتهدد أشجار فاكهة العنب بالانقراض في هذه المديرية، يماثله تهديد لأشجار فاكهة أخرى لذات الأسباب في مناطق زراعية أخرى. هذا ويقدر إنتاج اليمن من العنب بأكثر من 150 ألف طن سنويا، حيث يبلغ المتوسط الإجمالي لمساحة الأراضي المزروعة بالأعناب بأكثر من 12544 ألف هكتار، وفقا لإحصائيات المسح الزراعي، فيما يبلغ الإنتاج من فاكهة العنب 117580 طنا سنويا. وحسب نتائج الإحصاءات الزراعية للسنوات الخمس الأخيرة، فإن زراعة العنب تحتل المركز الأول بين مختلف أصناف الفاكهة في اليمن. جدير بالذكر أن محافظة صنعاء تحتل المرتبة الأولى حيث تصدر وحدها سنويا ما يقارب 80 % من الإنتاج العام للأعناب على مستوى الوطن.